تاريخ خلوات البياضة – حاصبيا

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم/
تقع خلوات البياضة في مكان مرتفع يشرف على مدينة حاصبيا وجبال الجليل الأعلى والبحر المتوسط وجبال لبنان وسهل البقاع وجبل الشيخ
“تاريخ خلوات البياضة”
حوالى العام ١٦٥٠م طلب أهالي حاصبيا من الشيخ سيف الدين شعيب، التقي الورع المتضلّع من العلوم والمتبحّر في الدين، تعليم أولادهم وتهذيبهم وتربيتهم. فأخذهم الى البرية وبدأ يلقي عليهم الدروس تحت الأشجار. ثم خطر بباله أن يبني خلوة في تلك البرية بقصد التعليم ولجأ الى ذوي التلاميذ طالباً العون منهم في رفع صرح الدين والعلم على أرض كَرْم يخصّه على سفح تلة جنوب بلدة حاصبيا على بُعد ١٥٠ متراً تقريباً الى الشمال من المجلس الحالي . كما بنى بقربها بئر للماء وبدأ بتعليم التلاميذ العلوم الدينية.
وبعد وفاته استلم مكانه الشيخ جمال الدين الحمرا إبن أخته وتلميذه الفائق النبوغ. فقرّر أن ينقل المجلس من كَرْم خاله الى قمة الرابية أي في الموضع القائم فيه اليوم. ورفع البناء وحفر الى جانبه بئر للماء ليكون النواة الأولى للمجلس الأزهر الشريف الحالي. كما بنى بعض رفاق الشيخ الحمرا خلوات بالقرب من المجلس لكي يعبدوا الله تعالى وأطلق عليها في البدء إسم بيوت الأبرار.
أول شيخ تسلّم سياسة البيّاضة بمعناها الحالي هو الشيخ أبو حسين علي شجاع رافقه في ذلك شيوخ أفاضل وكان ذلك في القرن التاسع عشر. وكانت حياتهم غاية في البساطة: لباسهم الخام المصبوغ باللون الأزرق، ومأكلهم الخبز المبلول بالماء وقليل من الزيت والزعتر وبعض أنواع المأكولات المطبوخة من البرغل والحبوب والزيتون.
وكانت سياستهم لا تتجاوز حدود البياضة واضعين الحد (الحرم) لكل من يتدخّل في أمور غير العبادة والمذاكرة. وفي ذلك العصر أُطلق على خلوات البيّاضة المجلس الأزهر الشريف.
وبعد الشيخ أبو حسين فندي شجاع في النصف الأول للقرن العشرين، انتهت سياسة الشيخ الواحد في البيّاضة ليديرها خمسة شيوخ من المشايخ الأكثر رشداً والمستقيمين.
أما حالياً فالمتّبع في إدارة شؤون البياضة أنه عند وفاة أحد المشايخ يُستبدل بشيخ من التقات مراعين التوازن المتّبع في بلدة حاصبيا.
المقيم والمريد في خلوات البيّاضة عليه أن يتّبع نظاماً خاصاً مشابهاً تقريباً لأنظمة العبّاد والنسّاك الأقدمين. ويسكن كل مريد بمفرده أو مع جماعة من أترابه في كل خلوة من خلواتها ويقوم بخدمة نفسه بنفسه. أما في الحياة الدراسية فالمريدون يقضون معظم أقسام النهار في الدرس والحفظ والفقه.
بناء متواضع مربع الشكل على قدر كبير من البساطة. تبلغ مساحته ٧٠٠ متر مربع. بُني في المرة الأولى أواخر القرن السابع عشر ثم جُدّد بناؤه منتصف القرن التاسع عشر، وأخيراً بعد إحراقه ونهبه خلال ثورة ١٩٢٥ من قبل السلطات الفرنسية المنتدَبة.
القسم الأكبر منه مجلس للعبادة يتّسع لنحو ٥٠٠ متعبّد يتصل من الجهة الجنوبية الغربية بقاعة متوسطة الحجم مخصّصة لاجتماع النساء في أثناء الصلاة، ويفصل بينهما جدار سميك يتخلله بعض الفتحات الصغيرة.
أروقته المحيطة به تظللها قناطر عربية الطراز. أما فرشه فمن السجاد والبسط وبعض الأغطية الصوفية.
تبلغ الفسحات المحيطة به نحو ٢٠٠٠ متر مربع تتوسط الجهة الجنوبية منها دائرة من الحجر المنحوت يتجاوز قطرها ١٠ أمتار تُستعمل للجلوس والمذاكرة .
تبلغ مساحة البيّاضة نحو ٢٠ الف متر ويحيط بالمجلس الكبير ٤٧ خلوة منها ما يتألف من حجرة واحدة او حجرتين ومنها ما هو اكبر من ذلك كخلوات بعض المناطق، ويوجد أمام بعض هذه الخلوات أضرحة الصالحين الأتقياء من أصحابها كما تحيط بالبعض منها جنائن صغيرة تحتوي اشجاراً مثمرة كالتين والعنب واللوز والصبير. وبعض قفران النحل بغية العمل الجسدي والتذوق من تعب اليد وعرق الجبين
تحتل خلوات البيّاضة المكانة الأولى بين أماكن العبادة الدرزية لأنها تعتبر المركز الديني المشترك لكل دروز العالم قاطبة. وفي هذه الخلوات يعملون بنسخ الكتب المقدسة ويعملون على حفظ الإيمان بعيداً عن الكفر.
كما يحتل مشايخها مرتبة هامة لأنهم يتميّزون بتعمّقهم وتبصّرهم في الروحانيات، وينقطعون عن مخالطة الناس إلا في زياراتهم الإجتماعية بين حين وآخر.
ومن الجدير بالذكر أن العديد من المحسنين تبرعوا بأملاكهم ووقفوها للمعبد حتى أصبحت الخلوات على ما هي عليه اليوم من الأوقاف الكثيرة .
المصدر : تجمع الموحدين بالعالم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى