أبراج و 10 آلاف جندي لبناني إلى جنوب الليطاني.. من أين نأتي بهم؟

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

الكلام الرسمي الداخلي يبدو إيجابياً لناحية عروض وقف إطلاق النار في الجنوب، التي تأتي تباعاً وترد على لسان أكثر من مسؤول أجنبي يزور بيروت. لكن يبقى التنفيذ مربوطاً بمدى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزّة، ووفق أي صيغة سيجري تطبيقه.

على الأرجح، توحي السلطة برغبتها الموافقة على نشر حوالي 10 آلاف جندي إضافي من الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني وفق اقتراح دولي، لينضموا إلى قرابة 5 آلاف آخرين منتشرين فعلاً، وذلك حين يدخل سريان وقف إطلاق النار الشامل حيّز التنفيذ.

ويبدو أن خريطة توزيع الجنود ستبدأ من القطاع الغربي وصولاً إلى القطاع الشرقي، أي أنهم سيغطون كامل منطقة جنوب الليطاني.

يبقى الجزء الباقي الذي يسبق التنفيذ مرتبطاً باستطلاع رأي قيادة الجيش وبتوفير تغطية سياسية، وفي تكلفة انتشار بهذا الحجم، وهو التفصيل الذي يجري التفاوض حوله، والذي سيشكل العنوان الأبرز خلال المرحلة المقبلة، أي في ما يتصل بالحاجيات اللوجستية والعسكرية لهذه القوة.

ففي ظل بلد منهار ومنهك وغير قادر على “تغطية” حاجة موظفيه، ويتولى البحث عن هبات لتغذية شرايينه، لا بدّ أن يسبق أي اتفاق حول نشر أو تطويع مزيد من الجنود، باتفاقٍ حول آليات تغطيتهم، وهذا لا بدّ أن يمنح السلطة فرصة لتعزيز دور الجيش وقدراته العسكرية كي تتلاءم ووظيفته عند الحدود.

غالب الظن أن التمويل مؤمن تبعاً للوظيفة العملانية المحددة لهؤلاء الجنود وفقا للنظرة الغربية، مع الإشارة إلى أن إسبانيا مثلاً، المشاركة ضمن قوات “اليونيفيل”، أعلنت على لسان وزيرة دفاعها التي زارت بيروت أخيراً، إستعدادها لتأمين 25 مليون دولار كدعم لمصلحة المؤسسة العسكرية.

ما هو ناقص يبقى مرتبطاً بالآلية التي سيجري اعتمادها لنشر الجنود ووفق أي مفهوم: هل سيتم اللجوء إلى خيار التطويع، أم ستقوم قيادة الجيش بسحب ألوية منتشرة ضمن المدن لضمان نشرها في الجنوب؟

عملياً، ثمة تعقيدات تتصل بمسألتين، الأولى تحتاج إلى تأكيد توفّر الأموال قبل الدعوة إلى التطويع. ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنه بإمكان قيادة الجيش تطويع جنود جدد من دون الحاجة للعبور في زواريب قانونية، كالحصول على إذن مجلس الوزراء أو وزير الدفاع، وذلك ربطاً بمواد قانون الدفاع التي تُجيز للمؤسسة العسكرية التطويع عند الحاجة.

يتحول الحديث هنا إلى مكان آخر ويتصل بالآلية التي سيحصل بموجبها التطويع لكون التمويل ـ فَرَضاً – قد تأمّن: هل ستذهب قيادة الجيش صوب تطويع ضمن “ألوية” عسكرية موجودة، أم أنها تفضل تأسيس ألوية أو أفواج جديدة وفق السيناريو الذي تمّ بموجبه تأسيس أفواج الحدود البرية بين عامي 2009 و 2014، وحدّدت لها وظيفة عملانية وهي الإنتشار على طول الحدود الشرقية والشمالية؟

المسألة الثانية ترتبط بمدى احتمالية أو واقعية سحب ألوية عاملة ضمن المدن. ففي الحقيقة هذه المسألة مدعاة نقاش بين قوى سياسية معينة وبين ضباط من الجيش. ويسري حديث حول أن الفترة المقبلة، سيتخلّلها سحب “ألوية مُشاة” منتشرة داخل المدن وعند حدود القرى لسدّ الحاجة الأمنية في الجنوب.

وهذا يعني إعادة الإعتبار إلى دور قوى الأمن الداخلي لحفظ الأمن. وعلى الارجح سيسري خيار “السحب”، في حال حصل، على المناطق الهادئة ضمن ما يعرف بالمناطق المسيحية أو في مناطق الجبل أو تلك البعيدة عن العاصمة أو الشمال أو البقاع، على اعتبار أنها الأقل توتراً بين المناطق اللبنانية.

ويُعتقد على نطاق واسع، أن المتغيرات التي عصفت بقيادة قوى الأمن الداخلي أخيراً، ترتبط بتوفير الأجواء أمام توسيع مهام قوى الأمن، فيما يُتوقع أن لا تتأخر التشكيلات العسكرية التي ستأتي لترتيب وضعية الجيش إستعداداً لمواكبة المتغيرات.

لكن، وعلى أهمية ما يحصل، ثمة مجموعة مآخذ مجرورة بجملة من الأسئلة التي لا بدّ من طرحها.

وخلال الفترة الماضية، سرى حديث عن احتمال استنساخ الوضع العسكري السائد عند الحدود الشرقية، أي الذي تديره أفواج الحدود البرية، في منطقة جنوب الليطاني، والإشارة هنا إلى احتمال قيام البريطانيين أو الألمان بتمويل مشاريع بناء “أبراج مراقبة”، على غرار تلك التي أنشئت وانتشرت عند الحدود الشرقية، بذريعة تأمين الموارد لتنفيذ القرار 1701، ما قد يقود لاحقاً إلى فتح نقاش حول هذه الأبراج ووظيفتها ودورها، تماماً كالنقاش الذي فُتح سابقاً ولم يُغلق بعد حول “أبراج الشرق”.

هنا نصل إلى المآخذ، حيث أن “حزب الله” وبصفته “قوة مقاومة”، لن يقبل، ولو حتى بفكرة تحويل الجيش إلى “حرس حدود” أو “شرطي” يراقب مدى سريان تطبيق وقف إطلاق النار، من جانبٍ واحد ومن دون وجود أي مراقب جدي عند الطرف الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى خشية من تطوّر المهام الوظيفية لتلك الأبراج، وبخشية دائمة لدى المقاومة من احتمال وجود مشاريع لخلق صدام بين الجيش والمقاومة وهو مشروع حقيقي تعمل عليه إسرائيل.

ولا ينفصل ما ذُكر، حول مدى دفع الحزب من خلال الدولة، باتجاه أن يسري على لبنان حين يتمّ التوصل إلى وقف إطلاق النار مع ما يسري على إسرائيل. حيث أن أي انتشار لقوات “اليونيفيل” عند الجانب اللبناني، يجب أن يقابل بانتشار مماثل وخطوات مشابهة على الجانب المحتل. فهل تقبل إسرائيل؟

في الخلاصة، لا بدّ من الإشارة إلى أن موفدين أجانب، نقلوا إلى لبنان في الآونة الأخيرة تأكيدهم استعداد العدو للتجاوب مع المطلب اللبناني القاضي بإظهار الحدود، أي الإنسحاب من نقطة B1 بالإضافة إلى كافة النقاط الـ13 المتحفّظ عليها، والإتفاق على وضعية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأن توضع تحت إشراف أممي يقضي بانسحاب إسرائيل، وعدم دخول الجيش اللبناني أو الحزب إليها، أي إدراجها في وضع مشابه لـ”خط الطفّافات” الذي أشير إليه في اتفاق الترسيم البحري عام 2022.

المصدر: “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى