” تحقيق مصور ” كنيسة النبي ايليا في الخريبة ترتفع من بين الانقاض

 

تحقيق صدى وادي التيم

الكثيرون من ابناء هذه المنطقة لم يسمعوا بكنيسة النبي أيليا – الخريبة  ، فقط  كبار السن ومن عايش قصتها يتذكر….. يوم دمرت الطائرات الاسرائيلية بلدة الخريبة وكنيستها عام 1978 وأتت بعدها الجرافات والشاحنات لتسطو اسرائيل على حجارتها ومقتنياتها الاثرية لتمحي أسم الكنيسة من التاريخ … ولكن بهمة خيرين من ابناء راشيا ومنطقتها …لم يمت الحلم بإعادة صوت الجرس يصدح على تلة الخريبة واعادة اعمارها حجراً حجراً .

ولمعرفة تاريخ الكنيسة ومشروع إعادة اعمارها كان لا بدى ” لصدى وادي التيم ” ان تأخذ التفاصيل من ابن راشيا المدافع عن كل حجر في منطقته الاعلامي بيار عطالله الذي يحمل في  جعبته تفاصيل وارقام لا بد للجميع ان يعرفوها .

تاريخ الكنيسة :

لا تاريخ محدد لبناء كنيسة النبي ايليا في الخريبة – راشيا الفخار، وفي المرويات الشعبية ان مركبة النبي إيليا النارية غادرت عالمنا الى الاخدار السماوية إنطلاقاً من تلة الخريبة، وان بلدة الخريبة ومحيطها الاقرب والابعد كانت مسرح الاحداث التي عاشها النبي غيليا وكان بطلها عندما شهر سيف الحق وقتل كهنة معابد الالهة الوثنيين داعياً اياهم الى ترك عبادة الاصنام وتقديم الاضاحي البشرية والاستعاضة عنها، بطريق الحق والبر والقداسة. وهذه الوقائع الروحية – المادية ليست بعيدة عن الواقع الحقيقي خصوصاً ان منطقة سفوح جبل حرمون الشيخ، كانت ومنذ كانت الانسانية ارضاً للتعبد والصلاة وطالبي الوحدة بدليل بقايا عشرات المعابد الوثنية المكرسة للآله بعل وغيرها، والتي لا تزال اطلالها حتى يومنا هذا في الهبارية وغيرها من انحاء وادي التيم.

أما بلدة الخريبة فقد كانت بلدة عامرة ومنها عائلات دعبوس، معلوف، الشمندي، عسكر، عساف، ومسعد. ولكنهم نزحوا منها بعد تكرار الاعتداءات والهجمات عليهم خلال القرن التاسع عشر وسنة 1925 وتوجه قسم منهم الى راشيا الفخار، واخرون الى ابل السقي وهاجر قسم لا بأس به الى الاغتراب. وكنيسة النبي ايليا كانت مقصداً للناس والحجاج وخصوصاً خلال عيد مار الياس في العشرين من تموز من كل سنة.

الاكيد في تاريخ كنيسة مار الياس الخريبة – راشيا الفخار انها قامت على انقاض معبد وثني بعدما اعلنت الامبراطورية الرومانية ان الديانة المسيحية هي الدين الرسمي للدولة، ولعل اكثر من ادرك قيمة هذه المعلومة التاريخية، كان الغزاة الاسرائيليين خلال “عملية الليطاني” العام 1978 عندما اجتاح جيشهم منطقة جنوب الليطاني ودمرت طائراتهم ما تبقى من منازل بلدة الخريبة وفي مقدمها كنيسة النبي إيليا بحجة تحصن مقاتلي التنظيمات الفلسطينية المسلحة بين اطلالها. وبعد التدمير حضرت الجرافات وورش الهندسة والحفر والتنقيب ونقلت اطناناً من الصخور والاتربة او الاثارات من الخريبة الى الداخل الاسرائيلي مروراً ببلدة الماري ومنها الى السياج الحدودي.

 

عثر العمال خلال اعمال اعادة بناء الكنيسة وترميمها في العامين 2018-2019 وبين ركام الحجارة المتبقية في موقع الكنيسة المدمرة، على حجارة عليها نقش الصليب الذي يحمل على زواياه الاربعة نقش صلبان صغيرة، وبعد مراجعة الخبراء في الموضوع، ومقارنة الصور مع الادلة الاثرية الاخرى، كانت المفاجأة بأن هذه النقوش الاثرية انما ترمز الى شعار مملكة بيت القدس اللاتينية. وقامت هذه المملكة خلال القرون الوسطى حوالى العام 1099 ميلادية بعد الحملة الصليبية الاولى وشكلت اكبر ممالك الصليبيين في الشرق وقاعدة عملياتهم، وسميت باسم القدس واتخذت من المدينة المقدسة عاصمة لها، ومن مدن صور وعكا حواضر اساسية وضمت لبنان وفلسطين والاردن والاجزاء الغربية من سوريا. واستمرت هذه المملكة في الوجود زهاء قرنين من الزمن الى ان سقطت امام المماليك العام 1292 ميلادية

اذا تعود كنيسة النبي ايليا الى ايام الصليبيين وحجارتها تشهد على ذلك، والارجح انها قامت على انقاض احد المعابد الوثنية كما اسلفنا القول، وهي استمرت صامدة رغم الشدائد والمصاعب وهجرة اهالي البلدة.

ثمة اخبار كثيرة عن كنيسة مار الياس الخريبة، فلقد كان اهالي راشيا الفخار والمنطقة يحملون اطفالهم الى مار الياس الخريبة في عيد شفيعها للاحتفال بالمناسبة الغالية على قلوبهم. والاجمل في كنيسة النبي ايليا انها كانت جامعة لكل ابناء المنطقة لا تفرقة فيها بين مسيحي ومسلم وثمة عائلات كثيرة عمدت اولادها في كنيسة الخريبة واشهرهم عائلة القلوط الذين صمدوا في البلدة وتعمد اولادهم في كنيستها اسوة بكل اهاليها، لكنه اضطروا الى مغادرتها الى الخيام بعدما اشتدت الاعتداءات الاسرائيلية. ومن مخزون الذاكرة عن الخريبة ان الرئيس العماد ميشال عون كان يصلي في كنيسة مار الياس عندما كان ملازماً اول في سلاح المدفعية في الجيش، وكانت كتيبة المدفعية تتخذ من زيتون راشيا الفخار المجاور للخريبة مرابض لها نهاية الستينات، وكان عون كلما التقى احداً من راشيا الفخار يسأله عن الخريبة وكنيسة مار الياس ونمر الخريبة (احد اخر سكان البلدة).

استمرت الكنيسة مدمرة الى العام 2017 عندما اتخذت مجموعة من الاهالي بقيادة راعي رعية راشيا الفخار – الخريبة الاب فخري مراد قراراً بإعادة بناء كنيسة النبي ايليا، بعد الانتهاء من ترميم كنيسة القديس جاورجيوس في الفرديس (يعود تاريخ بنائها الى 600 عام). وهكذا تطوع عدد من المهندسين لإنجاز الخرائط وتم اعتماد التصميم الذي وضعه المهندس يوسف خليل الزوقي، وبعد إنجاز كل التحضيرات انطلقت الاعمال في العام 2018 عندما وضع سيادة المطران الياس الكفوري حجر الاساس للكنيسة المقدسة بحضور حشد كبير من اهالي راشيا الفخار والمنطقة يتقدمهم ممثل النائب انور الخليل الاستاذ جوزف الغريب، والكهنة والمخاتير وممثلي الجمعيات والاندية. وهكذا ارتفعت الكنيسة حجراً حجراً وتقاطرت المساعدات والهبات من أهل الخير وبمسعى من النائب اسعد حردان تم تزفيت الطريق الى الكنيسة، وها هي اليوم قد وصلت جدرانها الى القناطر وشارفت ان تصل الى السطح الذي سيكون من عقد الحجر الاثري للحفاظ على القيمة الاثرية للكنيسة اضافة الى القرميد الذي سيزين سطحها مع قبة الجرس الجميلة بإرادة الله والناس الطيبين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى