بيان صادر عن ثوار 17 تشرين

 

صدى وادي التيم – لبنانيات

إعلان  

إن إنهيار البلد الذي تعاني الناس بوتيرة متسارعة من أكلافه وويلاته، حتى صار الجوع واقعاً والإنتحار خياراً، ليس وليد قرار او حصيلة شهر او حتى سنة من الأخطاء والإرباكات، بل نتيجة لسياسات مارستها وتمارسها المنظومة الحاكمة بكل مكوناتها وبقافلة حكوماتها المتتالية منذ عقود. أما وقد وصلت البلاد إلى ما أوصلتها إليه هذه المنظومة السياسية الجشعة والظالمة بحق الأجيال، وخصوصاً بعد الإنفجار/ الجريمة في 4 آب الذي دلّ على تخلي اهم مؤسسات الدولة مثل وزارة الأشغال والمالية والجمارك والأجهزة الأمنية وغيرها عن أبسط مسؤولياتها، وكذلك على عدم إكتراث المسؤولين عنها وكذلك المسؤولين عنهم، نرى، نحن المجتمعات والمجتمعين هنا واليوم، أنه صار من واجبنا، أن نلتقي حول شعلة الأمل الوحيدة في هذه العتمة القاتمة، حول  17 تشرين وقيمها ونعمل لتأصيلها وتحصينها بإعتبارها محطة في مسار نضالي شعبي تراكمي ولتحويلها إلى مشهد سياسي دائم في المئوية  الثانية من تاريخ الجمهورية.

 قيم وتحولات

قبل 17 تشرين الأول… كانت السياسة شأن 6 أو 7 زعماء يفتون بإسم الطوائف بمصائر الناس وشؤونها. وأتت 17 تشرين لتوسع قاعدة الناس المتدخلة في الشأن العام ولتضيء شعلة الأمل حيث صار يُقال في العلن ما كان لا يقال إلا في السر. وهنا، تكمن مسؤوليتنا كمواطنات ومواطنين  في تقديم بديل مقنع وقادر على احتضاننا جميعاً شعباً واحداً متضامناً، وفي منع إعادة تشييد السجن الكبير الذي سيطر على الناس ومصائرهم خلال العقود الثلاثة الماضية.

قبل 17 تشرين الأول…  كان البلد مقفلّاً. استولت الأحزاب المذهبية على المناطق منذ الحرب وتحاصصت القطاعات والنقابات بعدها، وأتت 17 تشرين لتكسّر هذه الأقفال ولتُسمع صوتَ المناطق المصادَر ومطالب القطاعات والمهن الصاعدة من الساحات العامة. وهنا، تكمن مسؤوليتنا المواطنية في المحافظة على هذه المساحات المستعادة وفي تحصينها وتوسيعها.

قبل 17 تشرين الأول… كنّا منقسمين إلى قبائل متناحرة، وأتت 17 تشرين لتكتب تاريخاً جديداً يوحّد ولا يقسّم، بل يفرز بين فئة ضيقة تستفيد من النظام الظالم وأكثرية الناس المتضررة منه. وهنا، تكمن مسؤوليتنا المواطنية  في التركيز على المصلحة العامة الجامعة وفي منع الانحراف مجدداً في اتجاه انقسامات بلا أفق.

قبل 17 تشرين الأول… كنّا نعيش في كازينو “الليرة بألف خير”، وفي مهرجان النظام المصرفي وعرّابه فوق كل الشبهات والمساءلة، وان المشكلة ناتجة من الفساد حصراً. وأتت 17 تشرين لتؤكد أن السياسات الخاطئة متواصلة منذ عقود، وقد أدت إلى عجز بنيوي في ميزان المدفوعات منذ عام 2011 نتج عنه هروب نقدي الى الأمام أوصلنا إلى الإنفجار المالي والإقتصادي والإجتماعي الذي نحن فيه.  وظهر الفساد كما هو بالفعل أي الوجه المتورم لهذه المعادلة والسياسات المفلسة. وهنا،  تكمن مسؤوليتنا المواطنية في منع العودة إلى الحلول الفاشلة، وفي إبقاء العدالة الاجتماعية بوصلة خياراتنا وأولوياتنا.

قبل 17 تشرين الأول… كان الخطاب الرائج مبعثراً وقائماً على المذهبية ومشتقاتها. وأتت 17 تشرين لتُحرر خطاباً يعبّر عن وحدة  الناس ومصالحها المشتركة في مواجهة مكونات المنظومة السياسية كلها. وهنا تكمن مسؤوليتنا المواطنية في تجذير هذا الخطاب اللاطائفي والمحافظة على التنوع الذي أنتجه، ومنع استغلاله من قوى صارت تدّعي المعارضة، وهي  شاركت بما وصلنا إليه.

خطط وتحديات

تستمر المنظومة الحاكمة في تجبّرها وتجاهلها لوجع الناس وفي الإنقضاض بكل وقاحة على مكتسبات 17 تشرين، ولذلك تُقْدِم على:

أ – استخدام القوة والعنف ضد الانتفاضة، إما بتحريك القوى الأمنية والقضاء لاعتقال ومحاكمة منتفضات ومنتفضي الساحات، وإما بالإعتداء والقمع بواسطة قوى أمر الواقع.

ب – تحميل الناس كلفة الانهيار المالي والاقتصادي، واعتماد سياسة إعفاء تحالف سلطة المال واحزاب الطوائف من تبعات النهب والخيارات الكارثية التي ارتكبها ويرتكبها.

ج- القبض على مفاصل الدولة، ومنع أي محاولة لتغيير او حتى تعديل النظام الطائفي، عبر تعميم المحاصصة، وافتعال مواجهات طوائفية ودفع البلد إلى صدامات أهلية بين الناس، بهدف إعادة الغلبة والإمرة إلى مرجعيات اللاشرعية الطائفية.

د – تسهيل إستباحة السيادة اللبنانية وترك البلد ساحة مفتوحة لتدخلات وضغوطات القوى الإقليمية و/ او الدولية في الصراعات الداخلية وضد المصلحة الوطنية.

إزاء تردي الواقع الذي صار إنهياراً وهذا الخصم المتعدد الرؤوس والمستعد دائماً للجوء -موحّداً او فرقاً – إلى هذه الأساليب وغيرها، وامام خطر زوال الوطن كياناً ودولة ومجتمعاً، وها قد أعطى  الإنفجار/ الجريمة في 4 آب نموذجاً عما يستطيع أن يعنيه الزوال، لا يسعنا نحن المجتمعات والمجتمعين هنا واليوم، الواثقات والواثقين بأن التوافقات التي تجمعنا أوسع بكثير مما نختلف حوله، إلا تغليب المشترك بيننا، والاستعداد لمعالجة ما صارت تعاني منه الناس وذلك من خلال:

أهداف

أولاً، العمل سوياً  في هذه المرحلة الإنتقالية الحاسمة لصياغة برنامج يمثل مصالح الشعب اللبناني ومبني على حاجاته الآنية والمستقبلية، وقائم على:

  • وقف تداعيات الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبر خطة إنقاذية شاملة عادلة في توزيع الخسائر بين متسببي الإنهيار والمستفيدين منه وضامنة للأمن الغذائي والسكني والصحي والتعليمي وودائع الناس،
  • تبنيّ التغييرات السياسية والمجتمعية العميقة والمطلوبة لتشق الطريق نحو دولة مدنية ديموقراطية حديثة، تصون الكرامة الإنسانية لكافة الفئات المهمشة وتضمن المساواة.
  • تطبيق المواد الدستورية (و/ او تعديلها حسب الأصول) مما يضمن فصل حقيقي للسلطات وإقرار قانون استقلالية القضاء كمدخل لإعادة بناء مؤسسات دولة المواطنة،
  • تكريس وصيانة الدفاع عن الحريات العامة والخاصة مقابل دولة القمع والترهيب،
  • التحول إلى إقتصاد متوازن ومنتج وقائم على التنمية البيئية والمستدامة ويمنع تشكل الإحتكارات ويؤمن العدالة الإجتماعية،
  • التعاطي مع الخارج إنطلاقاً من سيادة الدولة والمصلحة الوطنية العليا.

 

ثانياً، العمل سوياً، في القوى السياسية المعارضة وفي النقابات والقطاعات المهنية وفي المناطق والإغتراب، لتوفير الملتقى الديمقراطي الضروري والقادر على استقبال كل من أعادت إليه وإليها 17 تشرين الأمل.

 

                                                                               بيروت في 23/8/2020

المبادرة         درابزين 17 تشرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!