رحلة مع الفنان التشكيلي وعالم اللون والجمال الدكتور شوقي دلال
صدى وادي التيم – فن وثقافة
منذ يفاعته تفتحت عيناه على الفن بما يمثل من جمال فأعطى العنان لمخيلته رسامًا باحثًا وناقدًا، وساهم مساهمة فعّالة بإستحداث “جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون” في راشيا، وراحت تمتد لكل الوطن والخارج ناشرًا الفكر والكلمة والصورة بكل أبعادها، والكلام بحضرته قد لا يفيه حقه نظراً لنشاطاته الثقافية وعمله كرسّام فاقت أعماله الألفي لوحة، إنما نترك للحديث أن يأخذ مجاله وطريقه إلى قلوب القراء، بالكلمة والصورة
*بداية دعنا نتحدث عن “جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون” التي ترأسها وتديرها، حَدثنا عن أهدافها ومشاريعها ونشاطاتها؟ هذه الجمعية التي أنطلقت فعليًا عام 1992، بموجب علم وخبر رقم 146/أ.د من وزارة الداخلية.ولماذا هذا الإسم، وليس منتدى ثقافي أو ما شابه؟.
في البداية دعوني أوجه لحضرتكم تحية محبة ولمجلتكم الكريمة الرائدة في الإعلام وأرحب بكم في قلعة إستقلال لبنان راشيا الوادي، وجواباً على السؤال لأن الفن التشكيلي ككلمة كانت غير متداولة بين الناس خاصة وان الفن التشكيلي غاب عن الساحة الثقافية إبان الحرب اللبنانية وكوني رسامًا، رغبت بإدخال هذا الإسم إلى الجمعية لِنُعيد إنتاج المعنى للكلمة وأن تُصبح في التداول ليسهل علينا مشاركة الناس للمعارض خاص بعد إنتهاء الحرب المشؤمة عام 1992 وما تخللها من حروب أهلية أبعدت الناس عن الفن، فكان لا بد من النهوض بالحالة الثقافية والفنية والإبداعية التي كنت أراها في مجتمعنا وأكتشفت إبان الحرب ولم يتسنى لها الظهور وإبراز مواهبها، فكان تأسيس الجمعية المشار إليها في راشيا منطلقة بنشاطات متعددة بدءًا بمعرض جماعي لفناني البقاع الغربي وراشيا عام 1992، إلى أن وصلت لتاريخ الآن في العام 2020 إلى 940 نشاطًا على كافة الأراضي اللبنانية حيث شملت كافة المناطق اللبنانية كما طالت بعض الدول الخليجية والأوروبية.
والنشاطات التي عَنيتْ بها الجمعية هي:
الندوات الفكرية، المحاضرات المركزة، المهرجانات الفنية المتنوعة التي أستطعنا من خلالها إبراز الكثير من الطاقات الفنية المغمورة، كما أقمنا الندوات الفكرية التي سلطنا فيها الضوء على كُتاب وأدباء وجعلنا من مؤلفاتهم بمتناول الناس، كما وأقمنا الأمسيات الشعرية التي كانت الجمعية منبرًا مهماً لهم حيث إستضفنا شخصيات ذات وزن كبير في الشعر أمثال سعيد عقل وأدونيس واسعد السبعلي ومارون كرم وعصام العبدالله وغيرهم الكثير ،وأقمنا اللقاءات والندوات المُركزّة وحلقات الحوار في كافة المجالات وأقمنا مسابقات الرسم والكتابة لمدارس وثانويات لبنان على مدى عشرين عام وإكتشفنا العديد من المواهب في مجال الفنون والرسم والكتابة، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية وقد نقول: أننا ساعدنا في تنمية مادة الرسم التي كانت مهملة في المدارس وسدّينا فراغًا بحيث كانت ساعة الفنون تعتبر ساعة فراغ فأعدنا إعتبارها من خلال ما قمنا به من تحفيز ، كما لم ننسى في نشاطاتنا الموسيقى والكتابة فقمنا بإجراء المباريات مع مختصين وتم توزيع جوائز على الطلاب مع تزويدهم بجميع المستلزمات دون تكبيدهم أي أعباء، وأقمنا معارض الرسم تشجيعًا لهم، منها في قصر الأونيسكو ببيروت، تحت شعار: “الثقافة للجميع”، وكون الجمعية وصلت إلى العالمية بأنشطتها تم أختيارنا ضمن تجمع البيوتات الثقافية في لبنان الذي كان يرأسه الشاعر المرحوم البرفسور جورج طربيه وأمثل فيه أمين عام نظراً لقوة إنتشار جمعيتنا ، والجمعية كذلك لم تنسى الكتاب فقمنا على مدى خمسة عشر عامًا بطبع عدد لا بأس به من المؤلفات لكُتّاب وأدباء مِمَنْ لم يتمكنوا من الطباعة لعدة اسباب فطبعنا لهم نتاجهم الفكري على نفقتنا ودون تكبيدهم أي أعباء كما وأقمنا لهم حفلات توقيع لكتبهم وكل عائدات التواقيع تعود لهم، وأقولها بالفم الملآن نحن لم نتلقى أي دعم من أي جهة بدءًا من البلديات أو إتحادات البلديات، ولا من أي سياسي في لبنان فالدعم هو ذاتي، وقد نقيم إحتفاليات برعاية وزارة التربية أو غيرها لكن هذه الرعاية تكون معنوية فقط، إنما لا نرتهن لأحد، وكما قال الإمام علي (ع): “إحتج من شئت تكن عبدًا له” وعندما تكون بعيدًا عن المادة تكون ملك وهذا الذي ميز نشاطات جمعيتنا بمروحتها الواسعة في جميع المناطق اللبنانية، والأهم في جمعيتنا انها لا تكبد أي شاعر أو فنان أي مبلغ لدى
إقامة نشاط له
.
*في زمن الكورونا، كيف كان تعاطيك فنيًا مع الحدث؟
– كرسام أطلقت مشروع “الفن في زمن الكورونا” وقمت بتنفيذ رسم 12 لوحة لعواصم لبنانية وعربية وعالمية فأظهرت كيف كانت خالية من البشر، وتحولت إلى أشباح ومن إحدى المشاهدات الملفتة، هناك مطعم في إيطاليا في ساحة لومبادريا يقال أنه لم ينقطع عن البشر منذ الحرب العالمية الثانية ليلًا نهارًا، وبزمن الكورونا بات خاليًا تمامًا من الزبائن، فرسمته كذلك بعض ساحات وشوارع مناطق لبنانية وأسواق من دمشق القديمة ومن الإمارات والسعودية
.
*لنتكلم عن أسلوبك في فن الرسم، نراك ترسم أسلوبين ما بين الطبيعة وأسلوب آخر ما الذي تحدثنا به في هذا السياق؟
– أعتمد أسلوبين في الرسم، فأنا إبن الطبيعة ألاحق ضوء الشمس في جمالياتها وتَبَدّل الألوان فأركز على العمارة التراثية المنسية، وأدمجها من خلال لون المكان لتعطي هذا الحنين الى المكان ومنها لوحة نالت جائزة الشاعر سعيد عقل عام 2000، حيث أطلق عليها الشاعر سعيد عقل عنوان: سمفونية الأصفر بحيث ما يميز لوحاتي باللون الأصفر، الذي هو لون الحياة، لأنني أؤمن أن الخريف ليس إلاّ كالشمس الذاهبة نحو المغيب وهي ليست هكذا، بل ذاهبة لقظاف فجر جديد، والأصفر يعلن ولادة الربيع، وهو بإندماجه مع الازرق يعطينا الأخضر عنوان الحياة من هنا أعتبرته لون للحياة وليس لونًا للموت كما هو سائد في عدة ثقافت
.
*هل من إنتساب لنقابة الفنانيين التشكيليين؟
لا لم أنتسب لأي نقابة او جمعية لأنني أؤمن بالعمل على الأرض لهذا أسست جمعية المحترف وعملت من خلالها والحمد لله كانت نشاطات مهمة ونحن مستمرون،
وحول ما أنوي القيام به من معارض فإنني أعد معرضًا بعنوان “بيروت لون للحياة منذ العام 1968 لغاية 2005، وهي من خلال ذكرياتي في بيروت ومعايشتي فيها كما أقمت العديد من المعارض الفنية الخاصة في لبنان والخارج وكان آخرها في دولة الكويت بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب
.
سؤال ما سر هذا الفرح الدائم في ألوانك، هل له فلسفة خاصة لك؟.
أنا أؤمن أن الحزن عندما يصبح لوحة يتحول إلى فرح، فأي شيء قبيح موجود في حالة البشاعة عندما يرسمه الرسام ونقله الى اللوحة يصبح جمال، فمع الفن تتحول هذه البشاعة من مفهوم البشاعة إلى مفهوم للجمال، واقول أن على الفنان وظيفة إجتماعية وإنسانية هي تعميم الجمال. وكلما عممنا الجمال في أرجاء هذا الوطن، كلما خفت البشاعة وهناك شعار أطلقته: “كلما إتسعت دائرة الضوء كلما ضاقت دائرة العتمة”. لذا، وظيفة الفنان الإضاءة
.
*هل من تطور في مهنتكم، ومن إشارة برسوماتكم إلى مغزى اللوحة وأبعادها؟
– أهم تطور هو تعميم الجمال، ونحن نعلم أن الفن ينفلت من الزمان والمكان، ليؤسس إبداعًا للأجيال القادمة . أنا لا أدون تحت الرسمة أي تعريف عنها، أترك للمتلقي أن يُعطيها النص الذي يُريد وأهمية الفن أن كل ناظر إليه يعطيه نص حسب رؤيته وتفسيره ومفهومه. وإذا ما اطلقت تسمية على اللوحة، معناها أنني أوجه تفكيره إليها، وهذ خطأ في الفن، وظيفة الفن طرح الأسئلة وما أقوله إن الناظر الجيّد إلى العمل الفني يعيد رسمه من جديد والفن التشكيلي مكمل لكافة الفنون، وهو ترقية الحس الإنساني، وما أود الإشارة إليه لوحة دافنشي منذ 400 سنة “موناليزا” ولتاريخه لم نزل نتحدث عنها. لأن هذا الفن يخترق الزمان والمكان، ويؤسس إبداعًت لأجيال قادمة وشخصيًا رسمت لوحة عن الحرب اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي وردني عدد كبير من التعليقات على جماليتها، وبمعنى أن اللوحة نقلت البشاعة إلى جمال.
وختامًا أقول أن العمل الثقافي والإجتماعي والفني سيبقى لأنه خشبة الخلاص للإنسانية، وهو بديل البشاعة والدواء الطبيعي لإرتقاء الروح ومعظم الأديان السماوية أرتكزت على الفن. وهو الذي خط القرآن الكريم والأنجيل والتورات واوصل لنا حضارات الإنسان القديم والفن يحول الصمت إلى قوة نابضة.
وختاماً أشكر حضوركم وإعتزازي بهذه المجلة العريقة بمواضيعا على كافة الصعد والتي رافقتها منذ عقدين ولا تزال متوهجة.
فؤاد رمضان