الاغتصاب في الحروب أبشع إستراتيجية عسكرية متعمدة تهدف لزعزعة استقرار المجتمعات وبث الرعب
الاغتصاب في الحروب هو حين يقرر الجنود وصم النساء بالعار..”نحن لا نقتل النساء بل نغتصبهن فقط”، قالها بعض الجنود لـ”ماري” ابنة قرية “النوير” التي فرت مع عائلتها في يونيو/حزيران 2014، من الحرب الدائرة بين قبيلتها وقبيلة “الدينكا” خلال تنافسهما على حكم جنوب السودان.
قالوا لها إنهم يغتصبون النساء والفتيات وكأنهم يتلطفون بها ويطمئنونها. كانت ماري تنظر إليهم برعب بعدما قتلوا زوجها وطفليها (7 و5 سنوات) كي لا يكبرا ويصبحا مقاتلين، ثم اغتصبوا ابنتها ذات العشر سنوات حتى الموت، قبل أن يحين دورها هي الأخرى.
كانت ماري وعائلتها ضمن عشرات الآلاف من الفارين إلى مدينة بانتيو شمالي البلاد، ليسكنوا معسكرا أعدته الأمم المتحدة لتأمين المدنيين المتضررين من النزاع المسلح، اخترقه جنود من قبيلة “الدينكا” وارتكبوا تلك الجرائم في ذلك المعسكر التابع للأمم المتحدة.
حكت ماري قصتها لمجلة تايم الأميركية، بعد أن انتقلت للعيش في أوغندا تحت رعاية منظمة أميركية تسمى (Make Way Partners)، تقدم السكن والرعاية الصحية والتعليم للأيتام من جنوب السودان وضحايا الاتجار بالبشر، حكت القصة وكأنها حدثت لشخص آخر غيرها، متعجبة كيف يكون الاغتصاب أكثر رأفة من القتل.
وصمة عار
الاغتصاب في الحروب قديم قدم الحروب ذاتها، لكن نادرا ما يلقى عليه الضوء، ونادرا ما تخرج “ناجية” إلى العلن لتضع الجميع في مأزق أخلاقي، بين ما يصنفونه جريمة وما يمكن تناسيه وتجاهله للحفاظ على صورة المجتمع المحافظ. دائما جرائم الحرب يشار إليها بقوة في القتل والإبادة وعلى استحياء يذكر الاغتصاب، كسلاح أقل ضررا يوجه إلى النساء وكأنهم يسدون خدمة إليهن.
“تفشي الإفلات من العقاب هو الذي ساهم في تطبيع العنف ضد النساء والفتيات”، جاء ذلك في التقرير الذي أعدته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان.
فعلى الرغم من أن الهجمات قد تراجعت في ولاية الوحدة الشمالية جنوب السودان بشكل ملحوظ ضد المدنيين منذ توقيع اتفاق السلام في سبتمبر/أيلول 2018، فإن التقرير كشف أن حوالي 90% من النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب من قبل أكثر من مجرم واحد، وغالبا على مدى ساعات عدة.
تقول إحدى الناجيات في مقاطعة كوتش جنوب السودان “نحن النساء لا نملك خيارا، لا بديل لدينا. لقد اغتصبت من بين أخريات في المنطقة ذاتها مرارا وتكرارا في ثلاث مناسبات مختلفة، لا مفر لنا، فنحن كلنا عرضة للاغتصاب”.
انتشار الشعور بالاستسلام بين الناجيات في المنطقة التي مزقتها الحرب الأهلية لسنوات، والرضوخ لفكرة أن من الطبيعي أن يتعرضن لخطر العنف الجنسي، ساهم في دعمه، كما يشير تقرير الأمم المتحدة.
السكوت عن الجريمة
تتعامل غالبية المجتمعات مع الاغتصاب على أنه عار يلصق بالضحية أكثر من الجاني، لذا تتجاهله وتغض الطرف عنه، وهو ما يجعل توثيق حالات الاغتصاب أثناء الحرب أمرا بالغ الصعوبة، إذ تأبى معظم الضحايا ذكر الواقعة.
تلخص جينا موكونينوا الأمر بأن “الاغتصاب سلاح أقوى من قنبلة أو رصاصة، فبالرصاصة على الأقل تموت، ولكن إذا تعرضت للاغتصاب فإنك تظهر للمجتمع مثل شخص ملعون، لا يتحدث إليك أحد ولا يراك أحد، إنه موت حي”.
الفتاة البالغة من العمر 28 عاما من شابوندا بجمهورية الكونغو الديمقراطية، تعرضت للاغتصاب عام 2004 في نهاية حرب الفصائل في الكونغو، حين هاجم الجنود قريتها، وعذبوا الرجال وقتلوهم، ثم جردوا النساء وأوثقوا أيديهن وأرجلهن إلى الأرض، وتركوهن ليغتصبن من قبل أي جندي عابر.
“موكونينوا” لا تعرف عدد الرجال الذين اغتصبوها أثناء الأسر، لكنها تتذكر أنهم استخدموا العصي وخلفيات البنادق لإيقاظهن أثناء الاغتصاب. ورغم امتناع الكثيرات عن الإعلان عن اغتصابهن حتى لا ينبذن من المجتمع، فإن تقديرات الأمم المتحدة كشفت عن حوادث اغتصاب نساء وأطفال خلال الصراعات الأخيرة في الكونغو تقدر بنحو مئتي ألف، فضلا عن آلاف الحالات المماثلة في جنوب السودان.
وفي سيراليون البلد الواقع غرب أفريقيا الذي لا يزال يعاني من حرب أهلية وتفشي فيروس إيبولا الذي أودى بحياة الآلاف، طبقا لـ”نيويورك تايمز”، فإن نصف النساء تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي، و77% من الناجيات من الاعتداء الجنسي هنّ دون سن الخامسة عشرة.كما قدرت منظمة العفو الدولية عدد حالات اغتصاب النساء والفتيات خلال حرب البوسنة والهرسك في الفترة ما بين 1992 و1995، بالآلاف.
ومنذ بداية الحرب، دأبت “المنظمة” على جمع شهادات متعددة لنساء تعرضن للتعذيب، وتضمن ذلك الاغتصاب المتكرر والعبودية الجنسية والحمل القسري وجرائم أخرى تتعلق بالعنف الجنسي. وعلى غرار الكثيرات ممن تعرضن للاغتصاب في النزاعات المسلحة، تعرضت نادية مراد الفتاة العراقية الإيزيدية لمعاملة الرقيق من قبل مسلحي تنظيم الدولة لعدة أشهر وكونها “سبية” لديهم، تم بيعها وشراؤها عدة مرات، كما تعرضت لانتهاكات جنسية وجسدية أثناء احتجازها من بين آلاف الحالات من النساء والفتيات العراقيات اللاتي تعرضن للاغتصاب، وفقا لتقدير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
لكن على عكس الكثيرات، خرجت نادية إلى العلن لتعلن دون خوف عن تلك الجرائم الوحشية التي تتعرض لها النساء أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، وأصبحت ناشطة نسوية أطلقت حملات ضد الاغتصاب والاسترقاق الجنسي في الحروب، وحصلت على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع “دنيس موكويغي” طبيب النساء الكونغولي الذي أنشأ مستشفى قبل عشرين عاما عالج أكثر من سبعين ألف امرأة من ضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي الناتج عن النزاعات في الكونغو.
الاغتصاب وسيلة في الحرب
وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية، أنه تم استبدال أعمال السلب والنهب التي كانت تميز الحروب والنزاعات في قرون سابقة، بالاعتداء الجنسي واغتصاب النساء والفتيات والبغاء القسري والاتجار بالبشر في الحروب الحديثة. وتؤكد المنظمة أن الاغتصاب أصبح إستراتيجية عسكرية متعمدة تهدف لزعزعة استقرار المجتمعات وبث الرعب وفرض السيطرة في المناطق المتصارع عليها.
وتقول منظمة العفو الدولية “تواجه النساء الناجيات عذابا عاطفيا وأضرارا نفسية وإصابات جسدية ونبذا اجتماعيا والعديد من العواقب الأخرى التي يمكن أن تدمر حياتهم. لقد كانت حياة النساء وأجسادهن شيئا غير معترف به في الحروب لفترة طويلة”.
المصدر : الجزيرة