إحسان المنذر: ما حدا بيعبي مطرحك بقلوبنا ..بقلم سلام اللحام

صدى وداي التيم-رأي حر باقلامكم/

منذ ما يقارب السّنة ، دقّت ساعة الرّحيل  ، برم دولاب الأيام ، وتوقفت عقارب الزّمن ،معلنةً غياب إحسان المنذر بالجسد، لكنّ أعماله الفنيّة لا تزال حاضرةً ، مشرقةً ، ساطعةً ،ومحفورة ًفي أرشيف مكتبتنا الموسيقيّة  الوطنيّة والعربيّة، ولا نزال نردّدها مع إشراقة كل صباح،وأفول كلّ مساء ، لنغنّي معًا: “كلمات ليست كالكلمات، يا نبع المحبة وحدك ساكن قلبي ، وقف يا زمن شي لحظة …..” .

لقد رحل إحسان المنذر تاركًا بصمة فنيّة لا يُستهان بها ، وأرشيفًا موسيقيًّا متنوعًا ، فنغمته الموسيقيّة كانت مختلفة ، لا تشبه تلك الّتي عُرف بها زملاء سبقوه .  نعم يا سادة ! لقد خلق عالمه الخاص بألحان بهيّة وتوزيع موسيقيّ مدموغ بأسلوب راقٍ شفّاف ،يتماوج معه  صخب الحياة وضجيجها ،وتتهادى برفقته زرقة السّماء  ممزوجةً بسكون  اللّيل ، ليُعلنا بدايات جديدة …

منذ نعومة أظافره بدأ إحسان المنذر  يتابع أغاني عبدالوهاب وأم كلثوم الّتي كان والده يستمع إليها كل يوم بشغف، وفي العام   1959  صقل موهبته بالمتابعة والدّراسة ،فانضمّ إلى الكونسرفاتوار الوطنيّ (القسم الغربي) ليدرس البيانو والنّظريات على يد الموسيقار الفلسطينيّ سلفادور عرنيطة (1914 -1985)، وأخذ دروسًا خاصة مع الأستاذ الروسي تشيسكينوف . بعد فترة وجيزة سافر المنذر الى القاهرة ونال التوجيهيّة، ملتحقًا بجامعة عين شمس لدراسة العلوم النّفسيّة والاجتماعيّة ، لكنّه بعد سنة واحدة، التحق بكونسرفاتوار الهرم.

في العام 1967 عاد الى بيروت والتحق بكليّة الحقوق في الجامعة اللبنانيّة لدراسة السّياسة والاقتصاد. لكنه بعد سنتين، تخلّى عن الدّراسة الجامعية ،بعدما وجد هويته الحقيقيّة في الموسيقى، فسافر الى إيطاليا (1970) ملتحقًا بمعاهد خاصة في جنوى وميلانو ليدرس التّأليف الموسيقيّ.

خلال مسيرتة الحافلة بالعطاء ، أغنى إحسان المنذر المكتبة الفنيّة بألحانه الشّهيرة والرّائعة التي تركت بصمة مشرّفة في عالم الفنّ الأصيل بتعاونه مع كبار الفنانين ومنهم الشّحرورة صباح والسّيدة ماجدة الرّومي التي شقّت مشوارها الفنيّ مع أغنيات من ألحانه ومنها “يا نبع المحبة” ، “ما حدا بيعبي مطرحك بقلبي”  ،”كلمات “وغيرها ،  كما ساهم بألحانه الغنيّة بانطلاق مسيرة العديد من النّجوم ، بعد أن تولّى  قيادة الفرقة الموسيقيّة لبرنامج “استديو الفن” بين عامي ١٩٨٢ و١٩٨٩ مع المخرج الراحل سيمون أسمر. كذلك ساهم في نقلة نوعيّة مع بداية مسيرة راغب علامة ، حيث قدّم له أجمل الألحان لمجموعة من أشهر أغانيه التي لا تزال محفورة في الذّاكرة الجميلة ومنها “لو شباكك ع شباكي” و”عن جدّ” و”دي ليلة ورديا حبايب” و”يا لومي يا لومي” وسواها من الألحان التي قدّمها أيضًا لوليد توفيق ، والسيدة جوليا بطرس  التي قدّم لها “وقّف يا زمان”، إلى جانب سميرة سعيد نزيه المغربي وسواهم من ألمع الأسماء في عالم النّغم.

لقد حاز إحسان المنذر خلال مشواره الفنيّ على جوائز عديدة ،منها الجائزة الأولى من تونس سنة 1994 في مهرجان “الميكروفون الذهبي” على أغنية “لا أريد اعتذاراً ً” (بصوت سمية بعلبكي)، والجائزة الثّانية سنة 1996 في مهرجان القاهرة على أغنية “نهر الأيام” بصوت لور عبس (شعر ايليا أبو شديد). وحاز سنة 2006 على تكريم دار الأوبرا (الاسكندرية) من جمعية فناني الاسكندريّة.

كما وضع موسيقى تصويرية لفيلمين: “الانفجار” و”المخطوف”، وأوبريت “وصية حب” (مع ديانا حداد ووائل كفوري ،ووزع موسيقى مسرحية “ايليا النبي” (نص ولحن أنطوان جبارة) فضلاً عن مسلسلات تلفزيونيّة متنوّعة.

في إحدى تغريداته كتب المنذر ثلاث ملاحظات يقارن فيها بين شفافيّة ونقاء البارحة ودعارة اليوم في الفنّ والسياسة، حيث أشار إلى “ثلاث ملاحظات واعذروني: جمال عبد الناصر أخذ قرضًا من البنك الأهلي المصري ليشتري شقة، فأعطوه القرض بنسبة ثلث مرتبِهِ، عبد الحليم حافظ لم يترك ثروة سوى شقة في الزمالك يعادل سعرها قيمة حفلة واحدة لأي مغني اليوم،و أم كلثوم بنوا فندقًا درجه رابعة فوق فيلتهاعلى النيل، أما بيت بيتهوفن فحولوه إلى متحف يزوره العالم كلّه… تأملوا معي كم نحن متقدمين وعصرنا كله تقنيات كومبيوتر وموبايل ذكي واسم الله علينا”.

نعم يا سادة ! لقد رحل إحسان المنذر تاركًا بصمة فنيّة لا يُستهان بها ، وأرشيفًا موسقيًّا متنوعًا ، لا يزال صداه يحاكي جيلاً بعد جيل من المحبّين والعاشقين والمتلهّفين للنّغم الجميل ،بعيدًا عن كل إسفاف وتحقير يطال الأغنية اللبنانيّة كلامًا لحنًا وتوزيعًا موسيقيًّا في هذا الزّمن الّذي يلفظ أنفاسه الأخيرة متعطّشًا لكل جميل وأصيل.

بقلم سلام اللحام

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى