عرسان في الانفرادي… وحياةٌ زوجيّة تبدأ في القفص المنزلي

على الرغم من الغمّة التي أصابت العالم جراء جائحة كورونا، التي غيرت النظام السلوكي للأفراد والمجموعات البشرية، يصرّ بعض اللبنانيين على إحياء مناسبات الزفاف والأفراح.
فهل يعني هذا أن التعايش مع الوباء صار ممكناً وعادياً، بعد استيعاب صدمته الأولى؟!
فموسم الأعراس غالباً ما ينشط في فصل الربيع. وتحتاج هذه المناسبة إلى حجوزاتٍ وتجهيزاتٍ مسبقة وباهظة الكلفة: تتعدى كلفة العرس الواحد على الطريقة اللبنانية المعتادة، عشرات ألوف الدولارات. وهذه الأموال كلها “فدا لليلة الأحلام”، يقول لبنانيون ومواطنون كثيرون في بلدان عربية. والليلة هذه يخطط لها العروسان طويلاً، نهجاً على عادة عامة شائعة.

ما ألغته الجائحة
لكن اليوم في ظل الذعر من كورونا، وما سبقه من إعلان إفلاس مالي واقتصادي في لبنان، بات الثنائي الراغب في الزواج أمام خيارين: إما تأجيل حفل الزفاف إلى حين زوال الغمة، أو القبول بشروطها وإتمام مراسم الزواج بفردية مطلقة، من دون إحياء حفلات زفاف حيّة، أو الاقتصار على الحفلات الافتراضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لقد قلب كورونا المفاهيم والعادات المتعلقة بطقوس وشعائر الزفاف، بدءًا من بطاقة الدعوة وصولاً إلى تقبل التهاني.
كان النقيب رشيد فقية والآنسة رشا بيطار قد ضربا قبل شهور موعداً لليلة حفل زفافهما في 4 نيسان الجاري. لكن جائحة كورونا وضعتهما أمام خيارين: التأجيل، أو الزفاف منفردين بلا حفل ولا مدعوين، التزاماً بمقتضيات العزل والتباعد الاجتماعي. واختار العروسان الخيار الثاني.
“كانت الليلة ستكون فريدة لولا كورونا – قالت العروس – ولاختصرت بتحضيراتها وتفاصيلها أحلام ووهج 9 سنوات من الحب”.
كان لذلك النهار أن يبدأ باكراً: العروس عند مزين الشعر لتكون جاهزة بأبهى حلة في الساعة الثامنة، موعد بدء الحفل. العريس يجهز بذلته العسكرية منتظراً رفاق الدرب. اتصالات لا تهدأ. توتر أهل العروسين في أعلى درجاته. هل وصلت أكاليل الزهور؟ هل باتت الصالة جاهزة؟ هل كمية الطعام كافية؟ أما مفاجاة الحفل فكانت ستبدأ في الساعة الثامنة والنصف: “شبك السيوف” للعريس النقيب في السلك العسكري.. وبعد أيام على انتهاء العرس، يستقبل العروسان التهاني في منزلٍ أمضوا ليالٍ ينسقان هندسته، أثاثه وألوانه.
هذا كله ألغي. اقتصر العرس على بطاقة دعوة جديدة، وُزِّعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحمل سمات زمن كورونا: اسما والدي ووليي العروسين لا يتصدران البطاقة كالعادة، للدلالة على نسبهما. بل إن العريسين هما من وجها الدعوة لأصدقائهما الافتراضيين. في ظروف عادية، لكان يعتبر هذا خرقاً فاضحاً للعادات والتقاليد، وانتقاصاً من قيمة العائلة.
لا معنى للتوقيت والزمن في بطاقة “الدعوة الكورونية”. لقد عطّل الحجر الزمن. الأيام متشابهة كما الساعات، والجميع في انتظار المجهول. ورشيد ورشا يتمنيان أن يشاركهما الناس الفرحة من منازلهم. فحفل “الزفاف الكوروني” لا يشاركهما فيه أحد مشاركة حيّة. لا رقص، لا جلوس حول طاولاتٍ كبيرة، ولا تناول طعامٍ مشترك، ولا قالب حلوى، ولا صور تذكارية جامعة.
فقط عروسان وحيدان في بداية حياتهما الزوجية.

ما أجلته الثورة
وتقول رشا إن حفل زواجهما كان سيقام في تشرين الثاني 2019، لكنه أُجِّل بسبب التظاهرات التي عمّت البلاد في ثورة 17 تشرين الأول. فرشيد ضابط في السلك العسكري برتبة نقيب، وكان محجوزاً بحكم التدابير العسكرية. لذا أجلا الحفل، وتكبدا خسارة مادية كبيرة ناجمة عن حجزهما صالة الفرح ومستلزماتها.
وعلى الرغم من حلم رشا بأن تزف وسط الجموع وتحت شبك سيوف عسكرية يفوق عددها المئة، لم تشأ ولا شاء عريسها تأجيل العرس مرةً ثانية، والذي كان قد ضُرب له موعد جديد في 4 نيسان الحالي، والذي دهمه وباء كورونا والحجر المنزلي.
زفاف العزلة
ثنائي آخر فضل الانتقال من العزوبية إلى الحياة الزوجية في زمن كورونا: حسام الجوهري ولارا حيدر. هما أيضاً أرغمتهما ثورة 17 تشرين 2019 على تأجيل الزفاف إلى 5 نيسان الجاري الذي دهمه الوباء والعزلة.
في البداية قررا المضي قدماً، وإقامة حفل الزفاف، على أن يوزعا كمامات وقفازات على المدعوين. ولكن مع اشتداد الأزمة سوءاً قصرا عدد المدعوين على المقربين من العائلة. ثم انتهى بهما المطاف الى احتفالها منفردين في قصرهما للحياة الزوجية، من دون دعوة أحد. طلبا من منسق الموسيقى إرسال الأغاني المتفق عليها. وطلبا أيضاً قالب كاتو كرنفالي وشمبانيا وعشاء فاخر ديليفري. وإلى باحة القصر دخل حسام على صهوة جواد، ثم وقف على ظهر الجواد لتعانق يده يد عروسه الواقفة على شرفة القصر. رقصا منفردين، ومنفردين تناولا أنخاب الشمبانيا في باحة القصر. وتناولا العشاء وقطعا قالب الكاتو الكبير. شاركا ذويهم وأصدقائهم الفرحة عبر تقنية الواتس آب. وفي نهاية الحفل دخلا منفردين إلى القصر الكبير الموحش، وبدآ شهر عسلٍ طويل من الحجر الإجباري.
وفي الأمسية التي تلت الزفاف، استضافت قناة تلفزيونية لبنانية العروسين بلباس عرسهما المنفرد الذي صوراه قبل ليلة، وبثت القناة مشاهده فبدت غريبة غرابة حضورهما في الأستديو وكلام العريس الذي انفرد وحده بالكلام، وترك لعروسه وحدها أن تبتسم.

المصدر :  نبيلة غصن – المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!