أبن شبعا : اللبناني رند غياض نجم الاقتصاد الأميركي
يوما بعد يوم يثبت اللبناني انه كطائر الفينيق ينهض من تحت الرماد ليحلق حاملا تحت جناحيه وطنه لبنان ليرفع اسمه في أصقاع العالم. رند غياض كغيره من الشبان اللبنانيين الذين يتفوقون في ميادين عدة على المستوى العالمي، متمسكين بارادة صلبة في عدم الاستسلام لليأس والاحباط لأن طموحاتهم وآمالهم لا تحدها الامكنة والازمنة ولن تقوى عليها العواصف والتجارب ومرارة أيام عاشوها في بلد بدت آفاق المستقبل فيه مظلمة، وتناسى مسؤولوه أحلام وكفاءات وقدرات شباب يحققون الانجاز تلو الآخر خلف البحار، فيلفتون أنظار العالم الى ذلك البلد الصغير. لكن رغم كل شيء، الشباب متسلحون بايمانهم وثقافتهم واختراعاتهم واكتشافاتهم وحبهم لوطن يتطلعون الى رؤيته كما يتمنون، ويتحملون مرارة الغربة على أمل العودة والعمل سويا لانتشال البلد من تحت الرماد ليعود لؤلؤة تشع نورا وعلما وازدهارا ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع.
رند «الشاب الذي غير مفهوم الازمة الاميركية» والذي لقب بـ «الرائد» و»ستار»، هو الابن الاكبر لمختار بلدة شبعا الجنوبية محمد غياض، عاش في كنف عائلة مؤلفة من 3 بنات وشاب حيث حرص الاهل على تربية أولادهم تربية صالحة، وهيأوا لهم الظروف ليحصلوا علومهم لانهم يؤمنون ان العلم هو السلاح الوحيد والاقوى لمستقبل افضل للاجيال. الاب او مختار محمد يعمل في احد المصارف أما الوالدة هالا التي كرست وقتها لاولادها، فتتحدث بروية وهدوء واعتزاز عن أولادها خصوصا عن رند الذي كان يخبرها عن أحلامه منذ صغره، وكانت تدعو له دائما بالتوفيق وتحقيق الاحلام، وها هي اليوم سعيدة بتلك الاحلام التي تحولت الى حقيقة مع ابنها الوحيد الذي يشق طريقه بخطوات ثابتة في عالم الاقتصاد، لكن رغم اعتزازها برند الذي رفع رأس العائلة، فهي تتحدث عنه بتواضع وبعيدا عن الاستعلاء او التكبر، حتى ان من يجالسها يشعر انه يعرفها جيدا ويرتاح اليها لانها لا توارب أو تبالغ بل أوصلت بكلماتها القليلة رسالة أم « ربت ووجدت» مع انها لم تستطع اخفاء عاطفة أم تجاه ولدها البعيد عنها حتى « انني خلال الفترة الاولى من سفره عانيت كثيرا من عذاب الفراق لكنني لن أقف في وجه طموحاته ومستقبله، وكنت أتمنى لو ان الوضع في لبنان أفضل ليبقى أولادنا بالقرب منا، ويعملون في بلدهم ليستفيد من طاقاتهم وقدراتهم«.
وبينما كانت هالا منهمكة بتقديم «الضيافات» والقيام بواجباتها تجاه الزوار، كان المختار محمد يروي مسيرة ابنه التربوية الذي كان دائما متفوقا في المدرسة وكان «شاطرا بالرياضيات والعلوم، وهو خريج ثانوية الحريري الثانية، وكنت أشعر انه سيصل الى مركز مرموق في حياته لانه كان مجتهدا ومثابرا«، لافتا الى ان «شعوري تجاه ابني لا يوصف، وهو بتحقيق أحلامه يحقق أحلامي وطموحاتي«.
ويتابع حديثه عن رند وتخرجه بتفوق من الجامعة اللبنانية الاميركية ثم تلقيه الكثير من العروض للعمل في مؤسسات وشركات في لبنان لكنه لم يقبل ايا منها لأن طموحه كان اكبر من وظيفة عادية ولانه كان واثقا بان قدراته الذهنية ستوصله الى مراكز مهمة في عالم الاقتصاد.
ويحتفظ الوالد محمد بكثير من المقابلات الصحافية وبصور مشاركة ابنه في المؤتمرات، على هاتفه الخلوي، وهو يتابع خطواته لحظة بلحظة في الولايات المتحدة الاميركية، وفي جعبته الكثير من الاخبار عن انجازات ابنه، متحدثا عن التقدير والاحترام الذي يحظى به في اميركا، حتى ان صوره ترفع في بعض الاماكن العامة وتتصدر ابرز الصحف الاميركية، لكن «للاسف في بلدنا قليلا ما يكرم الاشخاص على أعمالهم وانجازاتهم، واذا كرموا يأتي التكريم بعد الوفاة«. ورغم ان المختار يؤكد انه غير عاتب على الدولة التي لم يحاول اي مسؤول فيها الاتصال بالعائلة او برند لتشجيعه معنويا على الاقل الا ان «تحت لسانه» وفي عينيه الكثير من العتب على دولة مقصرة بحق شبابها كما بحق ابنه الذي استدعاه الرئيس الاميركي باراك أوباما ليرى ما في جعبته من دراسات وابحاث للمساهمة في انعاش الاقتصاد الاميركي، وهو يعمل في مناصب استشارية عدة في أهم المؤسسات والمراكز الاقتصادية الاميركية. وبعد قليل من الصمت، يعود البريق الى عينيه، قائلا: «الرئيس سعد الحريري اتصل برند وهنأه على ما حققه في اميركا، ونحن نشكره على هذه اللفتة التي تدل على اهتمامه بالشباب اللبناني ويقدر تفوقه في دول العالم، كما أشكر النائب بهية الحريري التي ارادت تكريم رند في وطنه لكن الظروف لم تسمح ورند غير قادر على القدوم الى لبنان في الوقت الحالي«.
والد رند كأغلب الاهل، يتمنون كل الخير لاولادهم ويكونون السند الاول لتحقيق أحلامهم، لكنه يفضل لو ان رند يعيش بالقرب منه ويعود الى الوطن ليكون في المركز الذي يستحق، ويستفيد بلده من خبراته وابحاثه ودراساته خصوصا ان رند هو المتخرج الوحيد الذي نال الدكتوراه في الاقتصاد لهذا العام من جامعة «نورث ايسترن» التي تعتمد نظام تخريج شخص واحد في هذا الاختصاص، وكان يتنافس في تحضير رسالة الدكتوراه مع شابين صينيين حيث تفوق عليهما رند وحصل على شهادة الدكتوراه. وبعد ايام سيسافر أهل رند الى اميركا لحضور حفل تخرج ابنهم مع تمنياتهم لكل التلاميذ والطلاب اللبنانيين النجاح والمثابرة في دراستهم والاجتهاد لانهم هم مستقبل لبنان وعليهم مسؤوليات في انقاذ وطنهم.
إنجازات رند
رند غياض ابن بلدة شبعا الجنوبية، تخرج من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، وقصد بوسطن بمنحة لمتابعة دراسة الماستر في جامعة بوسطن في العام 2009، محصلا الماجستير في الاقتصاد والعلوم المصرفية مع جائزة تقدير وتفوق، مما أفسح المجال أمامه لنيل دكتوراه في الاقتصاد من جامعة «نورث ايسترن» احدى اكبر الجامعات الاميركية، وهو أول دكتور تحت سن الثلاثين ينال جائزة عالمية عن مجمل أبحاثه في مادة الاقتصاد، كما حصل على مرتبة شرف أميركية لطرحه حلولاً عملية لأزمة البطالة في الولايات المتحدة.
ليس كثيرا على رند ابن الثامنة والعشرين الذي لقبه بول كروغمان، الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، «بالشاب الذي غيّر مفهوم الأزمة الأميركية»، ان يستدعى إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاريه والوزراء المعنيين، حيث عملوا على وضع قانون جديد يحض الشركات الأميركية على تخصيص نسبة معينة من وظائفها الشاغرة للذين خسروا وظائفهم نتيجة الأزمة المالية في العام 2007، وطرح خريطة جديدة لإنعاش الاقتصاد الأميركي ترتكز على الأبحاث التي قدّمها غياض لفريق عمل الرئيس أوباما. انه الشاب اللبناني الذي لقبته صحيفة «بزنس انسايدر« بـ «الرائد«، ولقبه بيتر ديموند الحائز على جائزة نوبل بـ «ستار«. وبعد ان أشرف وليم ديكينز (مستشار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون) على أطروحة غياض، قال: « رند فهم أسباب بقاء معدلات البطالة مرتفعة«.
غياض الذي وضع هيكلية جديدة للحد من مشكلة البطالة في أسواق العمل الاميركية، تصدّرت أبحاثه صحف «نيويورك تايمز« و«وال ستريت جورنال« وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية والاوروبية. وتولّى أثناء متابعته دراسته بين العامين 2009 و2013 مناصب استشارية عدة، فعمل مستشاراً لكل من «معهد بروكينغز« و«منظمة العمل الدولية« و«صندوق النقد الدولي« و«مركز دراسات سوق العمل« و«البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن«، ويعمل حالياً مستشاراً اقتصادياً للمصرف المركزي الأميركي، وهو يدرس مادة الاقتصاد في جامعة «نورث ايسترن»، ويعمل باحثاً في «جامعة MIT« في بوسطن.
تحدث غياض عن مسيرته التربوية والعملية وعن تقويمه للاقتصاد اللبناني وعن الخطوات التي يتوجب على الدولة اللبنانية اتخاذها لتحريك العجلة الاقتصادية، قائلا: «اخترت دراسة الإقتصاد في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت بعدما تخرجت من ثانوية رفيق الحريري عام 2003. نلت البكالوريوس في الإقتصاد عام 2006 إلا أن الغيوم السوداء التي حطت في سماء لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واغتيال الفكر والثقافة والعلم من بعده تركتني كباقي الشباب اللبناني ابحث عن المستقبل بعيداً عن الأهل والأصحاب. فقررت متابعة دراساتي العليا في الولايات المتحدة حيث حصلت على الماجستير من جامعة بوسطن عام 2009، والدكتوراه من جامعة «نورث ايسترن« في أوائل العام الحالي. شكلت الولايات المتحدة وتحديداً بوسطن محطة مهنية مثمرة في حياتي إذ عملت طوال فترة الست سنوات الماضية كمستشار إقتصادي للعديد من المؤسسات الأميركية والدولية مثل المصرف المركزي الأمريكي، Brookings Institution, International Labor Organization, صندوق النقد الدولي، center for labor market studies والأمم المتحدة«.
وأشار الى انه «على الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت رسميا قبل أربع اعوام وبالتحديد في حزيران 2009 إنتهاء حالة الركود، فإن تعافي الانتاج لا يزال متباطئاً. وبالمقابل فإن تعافي عملية تفريخ الوظائف لا يزال ليس له وجود، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بوتيرة عالية، واختلفت النظريات الإقتصادية حول السبب الرئيس لهذه الكارثة ما دفع الولايات المتحدة إلى صرف أموال هائلة على مشاريع كان الهدف منها خلق وظائف جديدة للحد من تفاقم أزمة البطالة. خلال السنتين الماضيتين، تفرغت لدراسة أزمة الإقتصاد الأميركي وللبحث عن خطة لإنعاش الإقتصاد من جديد وتبين من الأبحاث التي اجريتها أن الطلب البطيء على الأيدي العاملة (وتحديدا على أولئك الذين انقطعوا عن العمل لفترة تزيد على 27 اسبوعا ) هو وراء حالة الكساد الحالية. وتشير الاحصاءت إلى أن 40 في المئة من العاطلين عن العمل (نحو 6 ملايين عاطل تقريباً ) انقطعوا عن العمل لفترة تزيد على 27 أسبوعاً. وجرت العادة على أن تبلغ البطالة طويلة الأمد أقل من واحد من خمسة من العدد الشامل. فالبطالة المزمنة تضعف مهارات العمال والفنيين وتحبط تطلعاتهم للبحث عن أعمال جديدة«.
وأضاف: «حاول الرئيس باراك أوباما أن يتقدم بطلب إلى الكونغرس بتقديم مزايا معينة لهذه الفئة، لكن طلبه قوبل بالرفض الشهر الماضي من الحزب الجمهوري . وفي بداية هذا العام، تمكنت بالإشتراك مع عدد من مستشاري أوباما في البيت الأبيض من وضع خطة جديدة تتضمن العديد من المبادرات التي لا يتطلب تنفيذها أي موافقة من قبل الكونغرس، وذلك لتحسين الوضع الإقتصادي والحد من أزمة البطالة التي تحاول أميركا الخروج منها تدريجياً منذ بداية العام 2009. ويجدر الذكر أن الخطة هي في موضع التنفيذ وتمكنا حتى الآن من جمع 300 شركة من ضمنها أكبر 50 شركة في البلاد وحثهم على الإلتزام بالمساعدة في توظيف الطبقة التي تعاني من البطالة الطويلة الأمد«.
ولفت الى انه يعمل حاليا «كمستشار للمصرف المركزي الاميركي بالإضافة إلى تدريس مادة الإقتصاد في جامعة «نورث ايسترن« في بوسطن كما أمضي بعض الوقت كباحث في «جامعة MIT « حيث أعمل بالإشتراك مع عدد من رجال الإقتصاد على تأسيس مشروع جديد يهدف إلى تدريب اليد العاملة الأميركية وتحسين مهارتها وذلك لتقليص فترة البطالة بين الشباب والتي وصل معدلها مؤخرا إلى 50 اسبوعا«.
كتبت هيام طوق في “المستقبل” 2014