تطورات في الشارع قد تقلب الطاولة على رؤوس الجميع!

في مثل هذا اليوم منذ قبل أربعة أسابيع، وبعدما أخذ الحراك، كما يحلو للبعض تسمية الإنتفاضة، مساحة واسعة على الساحة السياسية وفرض نفسه بالمطالب التي نادى بها، قرر الرئيس سعد الحريري تقديم إستقالة حكومته، إعتقادًا منه أن رئيس الجمهورية سيبادر فور تبلغه الإستقالة المكتوبة رسميًا إلى الدعوة لإجراء إستشارات نيابية ملزمة تمهيدًا لتكليف الشخصية السنية التي تسّميها الأكثرية النيابية ليصار بعدها إلى تأليف حكومة إنقاذية مؤقتة تقوم على الأقل بفرملة التدهور الإقتصادي والحؤول دون الإنهيار الشامل، الذي دخل فيه لبنان وبقوة.

إلا أن شيئًا من كل هذا لم يحصل، وعلى ما يبدو لن يحصل في وقت قريب، وذلك لأسباب عدّة، ومنها:

أولًا، أن المسؤولين المعنيين بالتكليف قبل التأليف لا يزالون يتصرّفون وكأن لا شارع يقف لهم بالمرصاد، وهو دائم الإستعداد للتحرّك في كل مرّة يحاول الآخرون تمديد عمر الأزمة من خلال التلكؤ على الدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة.

وفيما يتخذ شارع الإنتفاضة خطوات إستباقية يُلاحظ أن هؤلاء المسؤولين لا يزالون يراهنون على ملل المنتفضين، الذين يثبتون يومًا بعد يوم أنهم لا يمزحون وهم مصرّون على إتخاذ خطوات تصعيدية في وجه السلطة، التي يبدو أنها أصبحت أسيرة شعارات قد أصبحت من الماضي بفعل تخطّي التطورات الميدانية أي إمكانية للحلحلة بعدما حدّد كل طرف نظرته إلى الأمور.

ثانيًا، يبدو من خلال ما يتسرّب من معطيات مطعمّة بمعلومات متناقضة أن كلًا من أهل السلطة وأهل الإنتفاضة يقفون على طرفين من التناقضات في ما يتعلق بنظرة كل منهما للحل المنشود.

فأهل الحكم لا يزالون يصرّون على تأليف حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، في حال إقتناعه بهذه الصيغة، فيما أهل الإنتفاضة يصرّون بدورهم على أن تكون الحكومة العتيدة حكومة تكنوقراط خالية من أي وجود حزبي، على أن يترأسها شخص غير محسوب على أي طرف سياسي ممن سبق لهم أن كانت لهم تجارب سياسية غير مشجعة.

وحتى هذه اللحظة لا يزال الثنائي الشيعي متمسكًا بالرئيس الحريري كمرشح لتولي رئاسة حكومة تكنوسياسية، فيما أوساط بعبدا تفتش عن شخصية أخرى لتولي هذه المهمة، وقد طرح أكثر من إسم، وآخرهم الوزير السابق بهيج طبارة، الذي خرج منذ زمن بعيد من لعبة السلطة وأحزابها.

ثالثًا، من خلال ما تقدّم يتضح أن الأزمة الحكومية لن يُكتب لها نهاية سعيدة، إذ أن أهل الحكم يرفضون أي حكومة غير مطعمّة بوجوه سياسية، وإن كانوا من الصف الثاني، فيما يرفض أهل الإنتفاضة أي حكومة لا تشبههم ولا تجسّد طموحاتهم ولا تنسجم مع ما يطالبون به. وهنا تكمن المشكلة، التي لا حلول لها ما دام أي من الفريقين غير قابل بالتنازل، ولو عن جزء بسيط مما يعتبره الحل الأنسب للبلاد.

رابعًا، يُخشى مع إستمرار الأزمة على ما هي عليه دخول طرف آخر على الخط، مستبقًا أي وساطة فرنسية أو روسية تلوح في الأفق، مع ما يحمله هذا التدخل من مفاجآت غير منتظرة قد تعيد خلط الأوراق، سواء في الشارع أو في المطابخ السياسية، وتقلب الطاولة على رؤوس الجميع.

اندريه قصاص – لبنان 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى