لا رواتب لموظفي الدولة الشهر القادم؟

 

“ليبانون ديبايت” – رياض طوق

خلال السنوات الثلاث الماضية، كان كل من يتناول الوضع الاقتصادي من الصحافيين أو من الخبراء الاقتصاديين منبهاً الى خطورة الوضع المالي أو منتقداً الأداء الحكوميّ في معالجة التدهور، كانت تلصق به من قبل السلطة تهمة الاساءة الى سمعة لبنان واثارة الهلع في الأسواق النقدية. في حين ان بعض حملة الاقلام وبعض وجوه الشاشات من المرتزقين على أبواب أصحاب النفوذ من وزراء ومصرفيين كانوا يعمدون الى تجميل الاهتراء الاقتصادي وتوزيع التّطمينات كمن يستعين بورقة تين لستر العورات.

اليوم انكشفت كل محاولات التعمية على الحقيقة ودخل لبنان نفق الشحّ المالي المظلم، وباتت الدولة مهددة فعلياً بالافلاس. فهناك معلومات جديّة عن احتمال وقف رواتب موظفي القطاع العام الشهر القادم. فالحساب رقم ٣٦ وهو رقم الحساب الرسمي للدولة في مصرف لبنان والذي يجب أن يتوفّر فيه مبلغ ١٧٠ مليون دولار في الرابع والعشرين من كلّ شهر لدفع رواتب موظفي الدولة يعاني من نقصٍ كبير في السيولة. واليوم، وقبل أسبوع من توفير الملاءة النقدية لهذا الحساب، يبدو أن الدولة عاجزة حتى الساعة عن ايجاد حلّ يجنبها الوقوع في المحظور. وفي حال لم يتوفّر هذا المبلغ، ستكون سابقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية حيث تعجز الدولة عن تسديد حقوق موظفيها في مطلع الشهر المقبل. وهذه حالة لم يشهد مثلها لبنان حتى في أحلك أيام الحرب اللبنانية.

الدولة مرتبكة، ويتمّ التستّر على هذا الأمر خوفاً من ردة فعل الشارع الغاضب أساساً. ولذلك قد تمّ الطلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تغطية عجز الحساب رقم ٣٦ قبل الموعد المحدّد، وقد جوبه هذا الطلب برفض الحاكم الذي أجاب بأن على وزارة المالية تحمّل مسؤولية هذا المأزق وتأمين السيولة من موارد الدولة لا سيّما من ايرادات الجمارك وشركتي الخليوي. واذا صدقت هذه المعلومات ولم تتمّ تغطية العجز فاننا سنكون أمام فوضى وشلل في البلاد لا تستطيع أيّ سلطة ادارتها مهما لجأت الى مهدّئات.

اضافةً الى ذلك، يبدو أن المصارف ستبقي أبوابها مغلقة بحجّة الخوف على سلامة الموظفين بحسب ما تمّ الاعلان عنه. أما السبب الحقيقي للاغلاق فهو عدم وجود سيولة كافية لتغطية حاجات الزبائن الذين باتوا يفضلون الاحتفاظ بالقسم الأكبر من أموالهم في بيوتهم. ونحن نراهم يتهافتون يومياً لاجراء سحوبات ممّا سيؤدي الى تفريغ صناديق المصارف من الأوراق النقدية. والسبب الآخر غير المعلن من قبل جمعية المصارف بالاتفاق الضمني مع حاكم مصرف لبنان، هو الضّغط على السلطة السياسية للاسراع بتشكيل حكومة لاراحة الأسواق المالية وللبدء بمحاولة انقاذ الوضع النقدي من الانهيار. فلعبة الوقت ليست في مصلحة أحد اذ ان كل تأخير في التكليف والتشكيل يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية.

ومع تسريب اسم الوزير السابق محمد الصفدي لتكليفه بتشكيل الحكومة بدا الخروج من الأزمة بعيد المنال لعدّة عوامل:

أولاً، من المؤكّد أن اسم الصفدي لن يحدث صدمةً ايجابية لا في الداخل المنتفض ولا في الخارج المطلوب اعادة ثقته بالوضع اللبناني. فالشارع اللبناني طالب منذ البدء بشخصية مستقلة غير مستهلكة ولا تحوم حولها شبهات الفساد. فالرجل متّهم من قبل المتظاهرين بالتعدي على الأملاك البحرية حيث لا تزال الاحتجاجات أمام نادي اليخوت وفي “الزيتونة باي” ماثلةً للعيان، اضافةً الى انه قد تولّى في مراحل سابقة وزارة المالية المتهمة دوماً بالتستّر على هدر المال العام. كما تولى وزارة الأشغال العامة التي تعتبر الوكر الأساسي للتواطىء بين ساسة البلاد وواجهاتهم من المتعهدين.

ثانياً: ان طرح اسم الصفدي بموافقة الرئيس سعد الحريري فيه نوعٌ من المناورة لأن الحريري يعلم أن الشارع لن يقبل به، وبالتالي ربما هناك نية في احراق الاسم وازاحته من الطريق والعودة الى الحريري وفق شروطه التي لا يزال متمسكاً بها أمام شركائه في التسوية والتي من أبرزها تشكيل حكومة لا تضمّ وجوهاً سياسية لا سيما الوزيرين جبران باسيل وعلي حسن خليل اللذين يبدوان من الثوابت عند مرجعيّتيهما.

ثالثاً: اذا استبعد عامل المناورة، قد يبدو ان هناك عناداً وتصلّباً من قبل حزب الله والتيار الوطني الحرّ في المضي قدماً في المكابرة وانكار الأوضاع الجديدة التي أوجدتها الثورة والتي تعالج بأدواتٍ وذهنية قديمة تعود الى ما قبل ١٧ تشرين. وهذا يعني المزيد من المواجهة والمزيد من الغضب الجماهيري وبالتالي المزيد من المراوحة وهدر الوقت وما يحمل ذلك من مخاطر أمنية نتيجة تدهور الوضع المالي والنقدي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!