أخطأت يا علاء …..

نوال الأشقر

نعم أخطأت يا علاء حين سمحت لمخيلتك أن تتمادى إلى حدود الحلم بوطن تعيش في كنفه بكرامة. أخطأت يا علاء حين أعتقدت أنّ  صرخاتك بوجه الظلم والفساد من ساحات الوطن ستصل إلى مسامعهم، لتحرّك ضمائرهم الراقدة في سراديب جوعهم المزمن للتسلّط وتسلق العروش، فيسارعون إلى القيام بواجباتهم حيال شعبهم. أخطأت يا علاء حين ظننت أنّ  براءة عيون أطفالك الثلاثة ستغسل دنس ممارساتهم السلطوية وطموحاتهم المقيتة، أخطأت يا علاء حين أعتقدت أنّ سلمية ثورتك وأحقيّة مطالبك ستمنعهم من توجيه رصاصهم الحاقد إلى قلبك النابض بالوطنية. 
أخطأت يا علاء حين أخذت تنسج من ثوب ثورة 17 تشرين معطفًا لشتاء وطنيتهم. أخطأت يا علاء حين رحت تتحدّى سياساتهم التهجيرية، وبدل أن تقصد أبواب السفارات انضممت إلى أبناء وطنك في الساحات المليونية لتساهم في إحياء الدولة الوطنية. ما بالك يا علاء ألم تسمعهم  ينصحونك بالهجرة؟ ما بالك تجاهلت تاريخهم وظننت لوهلة أنّهم سيستجيبون لإرادة شعبهم، فيتركون كرسيًّا أزهقوا لأجله أرواحًا؟ 
كم أخطأت يا علاء حين آمنت بأحقيّة نضالك لأجل بناء وطن يليق بمستقبل أطفالك، كم أخطأت يا علاء حين صدّقت أنّ قضيتك أهم من عروشهم، وحين واجهت بارود أحقادهم بصدرك العاري، ولم تتعلم منهم شيئًا من دروس الهرب تارة والإختباء وراء جدران وأسلاك شائكة تارة أخرى. أخطأت يا علاء حين تجرّأت فقبّلت يد والدتك في ذاك المساء، وقصدت ساحات النضال لتكتب وطفلك وزوجتك فصلًا مغايرًا من تاريخ وطن، انتفض فيه الشعب بوجه فساد حكّامه. 
علاء، اعذرني لن ترحل قبل أن أعاتبك، باسم الأمومة والطفولة أسألك كيف لك أن تكون قاسيًا في لحظات الوداع ؟ يعهدك عمر أبًا حنونًا ..ألم تسمعه يناديك يا بابا ما تتركني؟ كيف تجرؤ؟ ألم تقل له بعيد ميلاده قبل أسابيع: “يا كبير البيت يا عمرعقبال المية.. أياك تخاف من الزمن أنا حدّك” ؟  كيف لك أن تستلقي مدرّجًا بدمائك أمام عينيه غير آبه بعذابه ؟ كيف لك أن تخلف بوعدك؟ كيف لك أن تحرق قلوبنا يا علاء ؟
“راح ضل بالساحة أيدي بإيدك بدنا نعمل ثورة”  كم هو ذنبك كبير يا علاء حين قلت لزوجتك هذه العبارة في ساحة رياض الصلح على مسمع أطفالك، فأجهضْتَ اغتيالهم لروحك الثائرة، التي تقمّصت أجساد الثوار في كلّ لبنان، ومنحتهم بسالتك وشجاعتك ليكملوا المسيرة بدل أن ينكفئوا خوفًا، وها هم في عرس الثورة يرفعون صورك في ساحتي النور والعبدة في طرابلس، ويكتبون اسمك بالشموع في جب جنين وحاصبيا وعاليه، يحيون روحك بأجراس كنائس زحلة والأشرفية ، يلفّون وجهك الباسم بعلم لبنان في نهر الكلب، يكتبون اسمك بأجسادهم في بعقلين، وفي جبيل يرفعون صورتك خلال زيارتك ضريح مار شربل، ومن النبطية ينادونك بفخر الثورة هل تسمعهم ؟ ومن الساحة التي أحببت في رياض الصلح يجول نعشك بين الثوار ليعيد النبض إلى الساحة، وفي خلدة حيث استشهدت يحُمل طفلك على الأكف وقد صار رجلًا، ويرفع صورتك وسط تصفيق رفاقك الثوار من كلّ لبنان. أمّا حبيبة قلبك فهي هناك في الشويفات رغم الجراح ورغم الألم تعاهدك البقاء في الساحة كما أردت.
علاء أبو فخر يا أبا عمر رغم عدم معرفتي بك، لم أعد أقوى على البكاء والحزن، أعذرني لا أملك شجاعتك ولا إيمانك بوطنك ولا الأمل بغدٍ أفضل، فقط أبحث عن قول لك على حسابك على فيسبوك أختتم به لحظة وداعك: “أين السبيل يا وطني؟ الجرح كبير والآلام كبيرة ولكن الأمل أكبر… الحياة في أصالتها ثورة فكن ثائرًا على الدوام”. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!