هل صحيح أن مصرف لبنان هو آخر خرطوشة!
لا يخفى أن الوضع المالي والإقتصادي كان في حالة من الإهتزاز لا تحسد عليها الدولة اللبنانية حتى قبل بدء حركة الشارع الإحتجاجية في 17 تشرين الأوّل، حيث كان المجتمع الدوّلي ينتظر أن تقوم الحكومة بإصلاحات مالية وإقتصادية وإدارية تسّمح بتفادي خفض تصنيف لبنان الإئتماني وتحرير أموال مؤتمر “سيدر”، التي تُعتبر أساسية لتعويم الإقتصاد، على رغم أن هذه الحكومة، وقبل أن يستقيل رئيسها كانت قدّ أقرّت في أخر جلسة لها في قصر بعبدا ورقة إصلاحية أعدّها فريق عمل الرئيس الحريري، التي فرضتها حركة الشارع، والتي أثبتت من خلال إصرارها، على أنها تسابق أي ورقة إصلاحية لا تقترن بتشكيل حكومة يرضى عنها هذا الشارع المتسارعة خطواته، مع العلم أن ورقة الحريري، والتي حظيت بموافقة جميع الوزراء، بمن فيهم وزراء “حزب الله”، تضمّنت عددًا من البنود الإصلاحية مع إجراءات خفّضت العجز المتوقّع في الموازنة إلى 0.6% ، خصوصًا، وكما بات معروفًا، أن هذه الإجراءات تعتمد بشكلّ أساسي على ضريبة على المصارف، بالإضافة إلى تحميل مصرف لبنان نصف قيمة خدّمة الدين العام في الـ 2020.
فإذا كان مصرف لبنان إستطاع تكّوين إحتياط كبير من العملات الأجنبية لضمان ثبات الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي خلال عقدين ونصف، فإن هذا الإحتياط لم يكنّ في أيّ لحظة من اللحظات هدفه تأمين إستحقاقات الدوّلة المالية.
في ظلّ هذا الوضعّ، يقف مصرف لبنان أمام معضلة كيانية: فمن جهة لا يُمكنه ترك الدوّلة تُفّلس نظرًا إلى التداعيات السلبية على الكيان اللبناني، والتي قد تمّتد على عدّة أجيال، ومن جهة أخرى لا يُمكنه المساس بثبات الليرة نظرًا إلى التداعيات على الشعب اللبناني، والتي قد تمتدّ على عدّة أجيال أيضًا.
وهذا ما حاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامه التأكيد عليه في مؤتمره الصحافي، وهو أراد أن يطمئن المودعين عندما قال أن المصرف لن يقدم على سياسة الـ”الكابيتال كونترول، ولن يعتمد أيضًا سياسية الـ “HAIRCUT”، من دون أن يقدّم حلًا نهائيًا للأزمة الحاصلة، والتي تقضّ مضاجع كثيرين، خصوصًا أن كلامه جاء عقب إعلان نقابة موظفي المصارف الإضراب المفتوح.
من هذا المنطلق يمكن القول إن لبنان قد أصبح في عين العاصفة، في ظل إنسداد أفق الحل، سواء بالنسبة إلى السلطة من جهة، التي لا تزال تتصرّف مع الأزمة – الكارثة، بشيء من الخفّة، ولا تزال تنظر إلى الإنتفاضة الشعبية على أنها حالة ظرفية لا بدّ في نهاية الأمر بأن ترمي سلاح الساحة في أرضه قبل تحقيق مطالبها، وهي باتت، من جهة ثانية، سجينة مواقفها المبدئية، التي دخلت مرحلة الأفق المسدود، بعد 27 يومًا على إنطلاقتها، مع تزايد تخوّف البعض من أن تفضي الأحوال إلى ما أفضت إليه الإحتجاجات في هونغ كونغ بعدما سقط أحد المحتجين صريعًا، الأمر الذي يجعلنا نطرح أكثر من علامة إستفهام عن المرحلة المقبلة، إذ يصبح السؤال، الذي يردّده الجميع: “إلى أين” أمرًا مشروعًا ويقع في موقعه الصحيح؟
فالإجراءات التي وردت في ورقة الحريري الإصلاحية إعتبرتها وكالات التصنيف غير كافية وغير مُستدامة، أي أنه في أحسن الأحوال سيتمّ خفض العجز في العام 2020 ليُعاود إرتفاعه في الأعوام اللاحقة. وهذا الأمر يعكس النظرة السلبية للأسواق المالية على الأداء المالي للحكومة اللبنانية، وبالتالي تأتي هذه الإحتجاجات لتزيد الوضع سوءًا مع حكومة تصريف أعمال لها صلاحيات محدودة، أي لا يُمكنها القيام بأيّ إصلاحات، مما يحتّم الإسراع في عملية الإستشارات النيابية تمهيدًا للتكليف ومن ثم التأليف، من دون أي مماطلة أو تلكؤ.
وفي الإنتظار القاتل تتوجه الأنظار إلى ما سيقوله اليوم الرئيس ميشال عون في مقابلته التلفزيونية، الذي سيحاوره فيها الزميلان سامي كليب ونقولا ناصيف.
اندريه قصاص – لبنان 24