أطفال بعمر الورد في شوارع صيدا

 

 

أطفال بعمر الورد في شوارع صيدا

ثريا حسن زعيتر:

كيفما تجوّلت على الطرقات في مدينة صيدا، يطالعك أطفال بعمر الورد، يعاندون القدر، ويقتربون منك بكلمات توجعك، فهم يصرّون عليك لابتياع ما يحملونه من أكياس المحارم أو العلكة..
وهذه الظاهرة أصبحت مخيفة، لأنّ أكثرية المتسوّلين هم أطفال نازحون من سوريا إضافة إلى لبنانيين، وكذلك البدو..
والمصيبة الكبرى أنّ هناك أشخاصاً يقومون كل صباح بنشر الأطفال والفتيات على جوانب الطُرُق، ليعودوا ويجمعونهم عند منتصف الليل في فانات مقفلة، ويتقاسم المشغّلون المبلغ الذي يجمعه المتسوّلون الصغار، الذين باتوا جزءاً من “مافيا” كبيرة في البلد دون محاسبة..

حزن وعتاب

البعض من أهالي النازحين السوريين يجلسون في المنازل ويرسلون فلذات أكبادهم إلى الشارع كي يبيعوا ما لديهم، وفي المساء يعود الأطفال إلى المنزل حاملين معهم المال.
فقد ازدادت ظاهرة التسوّل في الآونة الأخيرة، وانتشرت في صيدا والجوار، دون حسيب أو رقيب، علماً بأنّ القانون اللبناني يحمي الأطفال من العمل ويحاسب مشغليهم، لكن الظاهر أنّ القانون توقف في لبنان.
وفي الآونة الأخيرة لوحظ ارتفاع عدد الأطفال السوريين الذين يعملون في مهن وحرف وأعمال ليست من اختصاصهم ولا تناسب أعمارهم، حتى أنّ بينهم عدداً كبيراً يبيعون العلكة أو يمسحون الأحذية، كما يعملون في الأفران.
* الطفل عبدالله زينو (6 أعوام) كلامه ليس مفهوماً بمجمله من الخوف والخجل، يمشي قرب المحلات في سوق صيدا، ويحمل علبة علكة، فتراه متعباً ينظر إلى المارّة وواجهات المحلات، ولا يعرف كيف يبيع ما يحمله. الحزن في عينيه يخاطب المارّة، فيتوقفون ليعطونه المال شفقة عليه تاركين له العلكة.
قال زينو: “طلب منّي أبي أنْ أذهب كي أبيع العلكة، وعندما أحصل على مبلغ 30 ألف ليرة لبنانية أعود إلى المنزل، أنا وأخي منذ الصباح نغادر المنزل ونعود إليه مساء، بعدما يغلبنا التعب والجوع”.
تابع وهو ينظر إلى الأرض من الخجل: “حلمي أنْ أتعلّم وأصبح “دكتور” كي أعالج الفقراء، فعندما كنّا في سوريا كنتُ أذهب إلى المدرسة وألعب وألهو، إنّما في لبنان أذهب منذ الصباح كي أبيع العلكة، وأحياناً أبيع المحارم، فكثير من الناس يعطونني المال شفقة، وعندما أعود إلى المنزل أعطي أبي المال الذي جمعته. أنا أحب أنْ أنام أكثر وأجلس في المنزل مثلما كنت في سوريا، لكن للأسف لا أقدر، إذ يجب أنْ أعمل”.

الشوارع سرقت طفولتهم

* أما إسراء (11 عاماً)، التي كانت تقف إلى جانب أحد الشوارع حاملة بيدها عدّة صغيرة، وضعت فيها قنينة مياه وقطعة قماش لتمسح زجاج السيارات، تركض بين سيارة وأخرى، فقالت: “منذ الصباح أقوم أنا وإخوتي بحمل العدّة، وننتظر بفارغ الصبر أنْ تتوقّف إشارة السير على الضوء الأحمر، فنركض إلى السيارات كي أمسح زجاج السيارات وآخذ المال وأحيانا أبيع العلكة”.
تابعت: “نحن البنات كثيرات تتراوح أعمارنا بين الـ6-12 عاماً، نتسلّى مع بعضنا البعض، نلهو أحياناً ونعمل وعندما تكون الغلّة 30 ألفاً نذهب إلى المنزل  ونعطي المال إلى أبي. يا ليتني أكون مثل باقي البنات ألبس ثياباً جديدة وأذهب إلى المدرسة، أتحسر كثيراً عندما أشاهد الأولاد مع أهلهم في السيارة”.
* أما الطفل محمد (5 أعوام) الذي يجلس قرب المحلات في صيدا، ويطلب المال من المارّة، قال: “أنا من سوريا. أمي تجلس بعيدة عنّي وهي تراقبني، وكلّما  يعطيني أحد المارّة المال تأتي وتأخذه، وتقول لي سوف أشتري لك الأكل والألعاب، أنا وأخوتي نبيع المحارم والعلكة وأحياناً أجلس والمارة يعطفون علي ويعطونني المال”.
وأضاف والحزن في عينيه، وكأنّه يعاتب الدنيا: “أريد أنْ أذهب وألعب وأنام أكثر، يا ليتني أستطيع أنْ أشتري سيارة صغيرة وألعب مع أخي وأذهب إلى البحر أتمشّى مثل الأولاد، وأشتري كل ما يحلو لي من الأكل والشراب، وأركض وألعب مع أخوتي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!