حرف تراثية في راشيا الوادي… الذهب يشكو والفضة في القمة
راشيا الوادي بلدة لبنانية بقاعية يقصدها اللبنانيون والسياح لزيارة قلعتها التاريخية وحاراتها التراثية، لكن ما تشتهر به حالياً هو صناعة الذهب والفضة التي تأسست منذ عقود.
فما قصة هذه الحرفة التي تقاوم الزمن والظروف الاقتصادية الصعبة؟
تقع راشيا الوادي عند سفح جبل الشيخ (حرمون)، وتبعد عن العاصمة بيروت نحو 85 كلم، وترتفع عن سطح البحر نحو 1350 متراً، أما قمّة جبل الشيخ فترتفع 2800 متر.
اشتهرت بقلعتها التي استقبلت رجال الاستقلال، أما شهرتها الحالية فهي بمنتجات المونة اللبنانية، من دبس العنب والعسل والألبان والأجبان، التي تشتهر بها القرى الجبلية. لكن ما يفاخر به أهالي راشيا فهو أن منتجاتهم عضوية Organic. أما في الحِرف التقليدية، فتشتهر راشيا الوادي بالنحت على الحجر، وصناعة “الصوبيات”، وهي عبارة عن مدافئ مصنوعة من الحديد والنحاس يتفنن الحرفيون في صناعتها وتعمل إما على مادة المازوت أو الحطب. وفي اعتقاد أهالي البلدة أن لا تدفئة في العالم تؤمن الدفء مثل “الصوبيات الريشانية”. وتُقصد البلدة من كل المناطق اللبنانية لشراء “صوبياتها”.
كذلك تشتهر صيفاً بمهرجاناتها وبيوم دبسها الشهير الذي يقصده الآلاف من مختلف المناطق اللبنانية. وكما بات معروفاً، لم تعد هناك معاصر للعنب إلا في هذه البلدة.
مأساة الذهب
إلى هذا، في راشيا الوادي حِرف أصبحت نادرة لدقتها، ومنها صناعة الذهب والفضة.
قد يكون الذهب والفضة في هذه البلدة من أنظف الأنواع الموجودة في الأسواق اللبنانية، لكن مثل أصحاب المهن الحرة ولاسيما التقليدية في لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية يعاني أصحاب هذه الحرف، ولكن الشغف هو ما يربطهم بحرفتهم، ما يصعب تركها.
المحطة الأولى لـ”اندبندنت عربية” عند وسام اللحام، صاحب محل للذهب في سوق راشيا الأثري.
يروي وسام أنه “ورث هذه المهنة من أبيه عادل اللحام الذي ورث المهنة من أبيه. لكن بداية، كانوا يملكون معامل لصناعة الفضة ثم انتقلوا إلى صناعة الذهب”.
ويقول إن هذه المهنة كانت بالنسبة إليه شغفاً وولعاً، إذ تعلم صناعة الذهب من دون تخصص، كان يأتي بعد انتهاء مدرسته ويعمل على قطع طوال الليل.
لكن مصاعب عدة باتت تواجه هذه الصناعة، ومنها وفق وسام “ارتفاع أسعار الذهب عالمياً، فمعظم اللبنانيين يعانون من ضائقة مالية، والذهب يعتبر من الكماليات، والراتب يوزع على الحاجات الأساسية الذهب ليس من ضمنها”.
يتابع وسام “في الأساس، لا معامل للذهب في راشيا، نحن نشتري الذهب من معامل في منطقة برج حمود، لكن ما يواجهنا حالياً هو المنافسة من البضائع التركية ومن النازحين السوريين حيث يتاجرون بالذهب ويعمد بعضهم إلى افتتاح متاجر ولا يدفع ضريبة للدولة اللبنانية، أو يعمل لدى تجار كبار”.
وإضافة إلى أن هناك من “يخلط الذهب بنحاس، وهذا ما أذى هذه الحرفة”، ثمة “منافسة شرسة من البضاعة التركية، فهي رخيصة نوعاً ما، والبعض يسافر إلى إسطنبول لشراء مصاغ عروسه”.
ما الذي يميز ذهب راشيا عن غيره؟
يجيب وسام، “ميزة ذهبنا جودته والتقنية والحرفية التي نشتغل بها، والناس تقصدنا من كل لبنان لثقة الزبون بنا، وما زال هناك بعض الزبائن يطلبون منا قطعاً معينة فنشتغلها، أي أصبح معظم عملنا على الطلب”.
عرش الفضة
تختلف أوضاع مشغل الفضة لعصام المقت عن مشغل وسام، فعصام متفائل ربما لأن تجارته رائجة هذه الأيام، وربما لأن الناس يتوجهون لشراء الفضة لرخص ثمنها مقارنة بأسعار الذهب.
لم ينوِ عصام احتراف صناعة الفضة، ويقول إن “عمر صناعة الفضة في راشيا يعود إلى أكثر من 150 عاماً”، هو بدأ هاوياً، إذ كان يذهب بعد دوام مدرسته إلى أحد المشاغل في راشيا لصاحبها عادل مالك، وعندما انتقل مالك إلى بيروت، انتقل هو إلى مشاغل عائلة آل اللحام، أي أجداد وسام.
يقول عصام “عشقت صناعة الفضة إلى درجة أنني قررت أن احترف صناعتها، وتعلمت أصول هذه الصناعة عبر العمل مع مؤسسي المهنة في راشيا، ثم افتتحت مشغلي الخاص، كنت أملك أربعة تصاميم، وطورت عملي شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبحت أملك 265 تصميماً خاصاً، بسبب شغفي وتعلقي بالمهنة”.
تعلق عصام بمهنته دفعه إلى تطويرها، ويقول إن “هذه الصناعة لا تتقبل الروتين، فالزبون يطلب الجديد دائماً، وأنا أعمل من الصباح حتى ساعات متأخرة ولا أشعر بالوقت، لا تقليد في صناعة الفضة، يجب أن تكون بصمات الفنان واضحة في كل قطعة”.
سوسن مهنا – اندبندس عربية