ضرائب كثيرة آتية في موازنة 2020 رغم نفي المسؤولين
مع إقتراب المُهل الدستورية لإقرار مشروع موازنة 2020، بدأت الهيئات الإقتصادية برفع الصوت ضدّ إقتراحات بفرض ضرائب «خيالية» كما وصفها أمين عام الهيئات الإقتصادية نقولا شماس، الذي تحدّث عن رفع الضريبة على القيمة المُضافة إلى ما بين 15% و17%، ورفع الضريبة على الودائع المصرفية، وزيادة الضريبة على الدخل أو أرباح المؤسسات إلى 39%!
هذه الأرقام التي طرحها شمّاس ستؤدّي بالطبع الى تداعيات سلبية على النشاط الإقتصادي وبالتحديد على النمو الإقتصادي حيث أن تجربة العام 2017 مع فرض الضرائب أعطت نتائج غير مُطابقة للمُتوقّع.
واللافت ان هناك ضرائب كثيرة في موازنة 2020 رغم نفي معظم المسؤولين بان لا ضرائب جديدة في الموازنة، وانهم سيعارضون اي ضريبة في المجلس النيابي وخصوصاً على المحروقات والضريبة على القيمة المضافة لكن الازمة الاقتصادية والحفاظ على العجز حسب ما يقتضيه مؤتمر سيدر تفرض ضرائب جديدة ليس على الكماليات كما يدعي المسؤولون بل ايضاً على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، خصوصاً ان الضريبة على المحروقات ستؤدي الى رفع مادة الطحين والمواد الحياتية للمواطن، كما ان رفع الـ T.V.A سيصيب المواطن الفقير بنفس النسبة التي تطال الاغنياء. وطالما لا تفرض في لبنان الضريبة التصاعدية فان الشعب اللبناني سيدفع الثمن نتيجة سياسات العهود السابقة منذ التسعينات وحتى الآن.
} موازنة 2020 ومعضلة العجز }
فرض الضرائب هو أمرّ شبه إلزامي في ظلّ غياب إجراءات جدّية لمحاربة الفساد. ويبقى أنه على الحكومة تحديد الحدّ الأقصى لمستوى هذه الضرائب بشكّلٍ لا يؤذي النشاط الإقتصادي ولا يؤدّي إلى زيادة الفقر في لبنان.
بعض الدول المُحيطة بلبنان تفرض ضرائب عالية وتفوق بمعظمها الضرائب المفروضة في لبنان بإسثناء دولة الإمارات العربية المُتحدّة التي تفرض فقط ضريبة على القيمة المُضافة بنسبة 5% في حين أن إسرائيل تفرض النسب الأعلى مع 50% ضريبة على الدخل، 23% ضريبة على أرباح الشركات و17% ضريبة على القيمة المُضافة. أمّأ في تركيا، فالضريبة على القيمة المُضافة تبلغ 18% مع بعض الإستثناءات، 35% ضريبة على الدخلّ، و20% ضريبة على أرباح الشركات مقارنة بمصر 14% ضريبة على القيمة المُضافة، 22.5% ضريبة على الدخل، و22.5% ضريبة على أرباح الشركات.
صحيح أن هذه الضرائب تبقى أعلى من نظيراتها في لبنان، إلا أن هذه الدوّل تُقدّم خدمات عامّة بمستويات أعلى بكثير مما تُقدّمه الحكومة اللبنانية للشعب اللبناني. أضف إلى ذلك، فإن مستويات الفساد في لبنان أعلى بكثير من الفساد في هذه الدوّل.
على صعيد الموازنة، تمّ إقرار مُعظم بنود مشروع موازنة العام 2020 بصيغته التي رفعها وزير المال علي حسن خليل إلى الحكومة. إلا أن المخاوف التي تحفّ بهذا المشروع تتمثّل بعدم قدّرة الحكومة على تحصيل الإيرادات بنسبة عالية (حاليًا 62%!) مما يعني خلق عجز تلقائي فيها، أضف إلى ذلك دقّة الوضع المالي للحكومة والذي يفرض إجراءات أكثر صرامة لتحقيق خفض إضافي للعجز في الموازنة. هذه الأسباب تدّفع حكمًا إلى فرض مزيد من الإجراءات لتحقيق خفض في العجز، وعلى رأس هذه الإجراءات فرض ضرائب جديدة.
تداعيات الضرائب
الضرائب التي سيتمّ فرضها أصبحت شبه معروفة وهي تطال الضريبة على القيمة المُضافة، الضريبة على الدخلّ، الضريبة على الفوائد المصرفية، الضريبة على الأرباح، رفع تسعيرة الكهرباء… بالإضافة إلى إلغاء مؤسسات ورفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات.
تداعيات هذه الضرائب ستكون سلبية في الوضع الإقتصادي الحالي وستتّرك أثرًا إجتماعيًا وإقتصاديًا على المجتمع اللبناني. لكن مستوى هذه الضرائب هو ما سيُحدّد مستوى الضرر الذي ستُخلّفه على مستوى الفقر ولكن أيضًا على مستوى تراجع النشاط الإقتصادي.
النظرية الإقتصادية تنصّ على أنه في الأوقات التي يكون فيها البلد في أزمة مالية وإقتصادية، يجب تفادي فرض الضرائب على النشاط الإقتصادي والتوجّه إلى فرض ضرائب على الموارد غير المُستخدّمة في الإقتصاد (مثلا الحسابات المصرفية أو الشقق الشاغرة…). أيضًا تنصّ النظرية على إعادة النظرّ في الموارد المالية التي تتألّف منها مداخيل الخزينة وتوزيعها بشكلٍ فعّال (مثلا وقف المشاريع غير المُجدية…).
بالطبع هناك أيضًا فئة إضافية في لبنان، وتتمثّل بالفساد الذي يحرم الخزينة من موارد إضافية كانت لتعفي الحكومة من فرض ضرائب على النشاط الإقتصادي (الكهرباء، الجمارك…). لكن المُشكلة تبقى في الخيارات السياسية لمكونات الحكومة والتي تمّنع مُحاربة الفساد.
على كل الأحوال لبنان اليوم في حالة يتوجّب عليه فرض ضرائب وزيادة الرسوم وهذا الأمر يجب أن يتمّ بأقلّ ضرر مُمكن على الشعب وعلى الإقتصاد على أن يتمّ التخلّي عن هذه الضرائب فور السيطرة على الوضع المالي السيئ.
الإصلاحات
أعادّ البنك الدوّلي تأكيد إلتزامه دعم لبنان شرط القيام بإصلاحات وعلى رأسها إصلاح قطاع الكهرباء الذي يستنزف خزينة الدوّلة. وأكدّ البنك على إستعداده إعادة النظرّ في أي طلب من الحكومة اللبنانية للإستثمار في إصلاح هذا القطاع. وشدّد على أن تخفيض عجز الموازنة وتحقيق النمو والإستقرار المالي يمرّ إلزاميًا عبر إصلاح قطاع الكهرباء الذي يجب أن يكون من أولويات الحكومة!
وأضاف البنك «إن كانت الحكومة ملتزمة بهذه الإصلاحات، فسوف تجد مجموعة البنك الدولي على أتم الإستعداد لتقديم المزيد من الخبرات التقنية والتمويل الميسر لتحقيق الأهداف الإصلاحية المرجوة في هذا القطاع الحيوي».
هذا البيان الذي أصدره البنك الدوّلي يؤكّد مرّة جديدة على أن المُجتمع الدوّلي ينتظر من الحكومة عددًا من الإصلاحات لم تقم بها حتى الساعة ولم تضمّها إلى مشروع الموازنة!!
من جهته صرّح الرئيس سعد الحريري من دولة الإمارات العربية المُتحدة التي زارها أمس، أن الحكومة ستتخذ بعض القرارات الصعبة لمعالجة الأزمة كخفض الإنفاق وخطوات أخرى تتعلق بالضمان وهيكلية الدولة ودمج وإلغاء مؤسسات. وأضاف أن لبنان في أزمة وما تعمل عليه الحكومة اليوم هو الموازنة لتكون موازنة حقيقية عبر تخفيض الدين أكثر من السنوات الماضية وأن ترافقها إصلاحات بنيوية وقرارت صعبة.
دعم إماراتي كبير
وكان الرئيس الحريري قد شارك في مؤتمر الإستثمار الإماراتي الذي عُقد في أبو ظبي على رأس وفد ضمّ كلٌ من وزراء الصناعة، الداخلية، الإتصالات، الدفاع، الإقتصاد والتجارة، ووزارة الدوّلة للتكنولوجيا، بالإضافة إلى وفد إقتصادي ومصرفي يضمّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشخصيات مصرفية واقتصادية تهدف إلى تعزيز التعاون الإقتصادي والتجاري بين لبنان ودولة الامارات العربية المُتحدة.
وقد رشح عن هذا المؤتمر إشارات إيجابية تمثّلت بتصريح للرئيس الحريري عن زيادة التبادل التجاري بين لبنان والإمارات العربية المُتحدة. كما أن حاكم مصرف لبنان صرّح بأن هناك رغبة في رفع التعاون بين البنك المركزي ونظيره الإماراتي، وهذا يعني أن هناك إحتمال لوديعة إماراتية جديدة في مصرف لبنان.
أيضًا قامت الإمارات العربية المُتحدة برفع الحظر على سفر الرعايا الإماراتيين إلى لبنان وهو ما سيكون أقوى إجراء قامت به الإمارات تجاه لبنان منذ العام 2011 تاريخ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.
على كلٍ، هذا الواقع الإيجابي والدعم الإماراتي يفتح آفاق جديدة للإقتصاد اللبناني، ولكنه في نفس الوقت لا يعفي الحكومة من ضرورة القيام بإصلاحات تحت طائلة فقدان المصداقية أمام المُجتمع الدوّلي.
الدولار والإستيراد
علت صرخة بعض القطاعات التي طالبت بإجراءات مماثلة للإجراءات التي إتخذها مصرف لبنان لصالح مستوردي المحروقات، القمح والأدوية. وإستخدم هؤلاء حجّة أنهم يعمدون إلى شراء الدولار بأسعار مُرتفعة مما يعني أنهم مُلزمون تحميل هذه الكلفة للمواطن.
قمّنا بأخذ البيانات الموجودة على موقع الجمارك في ما يخص الإستيراد على الأشهر السبعة الأولى من العام 2019، وإحتسبنا نسبة كل فئة من إجمالي الإستيراد على الفترة نفسها. وتبيّن لنا أن المواد الغذائية تُشكّل 15.81% من إجمالي الإستيراد مما يُقارب الملياري دولار أميركي. وقمّنا بإحتساب قيمة الزيادة على الإسيتراد في حال إشترى المُستورد الدولار على 1560 ليرة، ليتبيّن لنا أن الفارق الشهري هو بقيمة 8 مليون دولار أميركي على ملياري دولار إجمالي إستيراد المواد الغذائية (أي بنسبة 0.41%!) وهي نسبة ضئيلة جدًا.
بالطبع هذا الأمر يفرض على وزارة الإقتصاد والتجارة مراقبة الفواتير لدى المُستوردين للتأكّد من الأسعار، وعلى وزارة المال مطابقة هذه الأرقام مع التصاريح الضريبية المُقدّمة.
إننا إذ نُشيد بخطوة مصرف لبنان فيما يخص التعميم الصادر حول الإعتمادات المُستندية وأهمّيته في إبعاث الطمأنينة إلى النفوس، نرى في نفس الوقت أن تأمين الدولارات للإستيراد ليس من مهام مصرف لبنان، بل هو من صلب عمل الحكومة.
هذا القول نابع من أن النظرية الإقتصادية تنصّ على أن الإحتياط هو لضمان الثبات النقدّي وليس لتمويل الإستيراد. ولمن يُطالب بالتخلّي عن الثبات النقدي، نقول له لا نعرف من سيكون له القدّرة على مواجهة الشعب اللبناني إذا ما تمّ تحرير سعر صرف الليرة!