الهدوء الحذر يسيطر… تعميم سلامة يريح الاسواق وسعر الدولار يعود الى طبيعته
تنطلق اعتباراً من اليوم المعالجات العملية لاحتواء أزمة الدولار أو شحّ السيولة في البلاد، بعد أن أخذت الأمور بعداً خطيراً في الفترة الاخيرة في ظل تشابك عوامل مفتعلة وأخرى قائمة واقعياً بلغت ذروة تصاعدها مع التحركات الاحتجاجية التي حصلت في بيروت ومناطق عدة الاحد.
واعتباراً من اليوم سيدخل مصرف لبنان من اليوم على خط تخفيف الاحتقانات وازالة التوتر الواسع الذي اثارته تطورات الفترة الاخيرة وهو الامر الذي سيخلّف أثراً مباشراً على الحدّ من المخاوف وتقليصها في السوق المالية بحيث يتراجع الطلب على الدولار من جهة وتنحسر المخاوف لدى المواطنين والمودعين من هاجس الاخطار المالية التي تسببت بتداعيات سلبية واسعة، مع اصدار الحاكم رياض سلامة تعميماً يتصل باستيراد المحروقات والطحين والدواء.
تعميم سلامة
اذاً، تنتظر الساحة السياسية والاقتصادية على حدّ سواء التعميم الذي سيصدر عن مصرف لبنان اليوم، والذي من المتوقع أن ينظم توفير الدولار للمصارف لتأمين عمليات الاستيراد ضمن آلية محددة تقوم على فتح اعتمادات بالدولار لتأمين العملة الصعبة للمستوردين عبر المصارف التجارية، شرط استخدامها حصراً لتمويل عمليات الاستيراد وليس العمليات التجارية الداخلية التي تبقى بالليرة اللبنانية، ما ينهي أزمة محطات المحروقات وشركات التوزيع والافراد والمطاحن. ونتيجة هذه الآلية سيستطيع هؤلاء تسديد ثمن بضائعهم للمستوردين بالليرة، بحسب “النهار” على ان تتولى الشركات المستوردة تحويل المبالغ إلى الدولار عبر المصارف التي يتعاملون معها، ما يجبر الشركات على بيع بضائعها وتسليمها للشركات الموزعة والتجار بالليرة اللبنانية، ويؤدي حكماً الى تخفيف الضغط على طلب الدولار لدى الصيارفة، مع التأكيد ان علاقة مصرف لبنان تبقى دائما مع المصارف التجارية فقط وليس مع المستوردين مباشرة.
وبحسب معلومات “نداء الوطن”، سيعمل هذا التعميم على تكوين هامش نقدي للمستوردين في قطاعات النفط والقمح والدواء، بحيث سيصار إلى تسهيل فتح اعتمادات لهم في المصرف مع احتساب سعر صرف الدولار بالقيمة المحددة من قبل المركزي، على أن يكون تسليم الدولارات مرتبطاً بتاريخ استحقاق الاعتماد إلى الخارج.
ووفق المعطيات، فإنّ ما تم الاتفاق عليه بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحاكم يتلخص بقاعدة “ترك الخبز للخبّاز”، بمعنى إيلاء الحاكم مسؤولية معالجة الوضع النقدي واستقراره، على أن تؤمّن السلطة السياسية الغطاء اللازم لمنع أي محاولة للمسّ بالعملة الوطنية ومستقبلها والحؤول دون التدخل في عمل الحاكمية من خلال وسائل الضغط، مع إقرار مشترك من الجانبين بوجود أزمة خطرة لكنّ الأخطر منها هو حجم الشائعات وحملات التهويل التي ترافقها.
انفراجات تدريجية
وتوقعت المصادر عبر “اللواء” حصول انفراجات تدريجية في الوضع المالي، وتحدثت عن إجراءات تحصل اليوم وأخرى لن يعلن عنها إلا بعد حصولها، معيدة إلى الذاكرة بأن هناك نظاماً يرعى عمل الصيارفة ويجب ان يطبق القانون لهذه الناحية.
الليرة بخير
في ظلّ هذه المناخات، أبلغت مصادر مالية مسؤولة “النهار” ان لا خوف على الليرة اللبنانية وان الدفاع عنها يحتاج الى امكانات عمل عليها حاكم المصرف المركزي استباقياً، كما ان لا خوف على ودائع المودعين الذين يهرعون الى سحب ودائعهم خشية اقتطاع نسب كبيرة منها او خشية انهيار القطاع المصرفي. وشددت على ان المس بودائع الناس غير ممكن ولم يحصل لا في قبرص ولا في اليونان حتى مع تدخل صندوق النقد الدولي، علماً ان نموذج قبرص الذي يستحضره البعض لا ينطبق على لبنان ولا يمكن مقارنة الوضع المالي في لبنان باي نموذج آخر، علماً ان اقتطاع ودائع المودعين ليس قراراً يتخذه حاكم مصرف لبنان بل مجلس النواب. وكشفت هذه المصادر ان الودائع في المصارف تبلغ 120 مليار دولار، في حين ان مصرف لبنان يحوز على 55 ملياراً مع الذهب فيما المصارف تدين الاسواق بـ45 ملياراً اضافة الى نحو 20 ملياراً في الخارج.وهذا لا يحتاج الى اتخاذ أي اجراء في شأن ودائع المودعين كما ان أي مصرف لا يرفض اعطاء الناس ودائعهم.
بعبدا والملاحقات
هذا في الشق الاقتصادي، أما في الشق السياسي فبرزت اتجاهات دفع في اتجاهها قصر بعبدا لاطلاق ملاحقات قضائية في شأن نشر وتعميم اخبار كاذبة او النيل من المكانة المالية للدولة. وبدا واضحاً ان اطلاق هذه الملاحقات يرتبط بالموجة التي واكبت زيارة الرئيس عون لنيويورك ومن ثم ببعض المجريات التي حصلت خلال التحركات الاحتجاجية الاحد الماضي والتي استهدفت العهد.
وقالت مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ”النهار” إن رحلة الرئيس عون الى نيويورك “استُخدمت حجة لقيام ردات الفعل، وتمّ معها ضخ كمية هائلة من الشائعات من جهات عدة، واستكملت الحملة بتحركات الشارع، وبالهتافات التي تحمّل الرئيس عون مسؤولية تراكمات عمرها أكثر من ثلاثين سنة، فيما هو ليس مسؤولاً سوى في آخر ثلاث سنوات، حتى انه يسعى الى معالجة هذه التراكمات”. وأضافت: “الأكيد أن ثمة جهات وراء القصة، وهي مكشوفة وأصبحت معروفة ولا تحتاج الى جهد كبير لتُعرف”. وأشارت الى “أن الرئيس عون تابع تحركات يوم الاحد وتلقى تقارير مفصلة عن طبيعتها والجهات التي كانت تنظم عملية الاحتجاج، وستتم ملاحقة كل من يقف وراء حملة الشائعات والاساءة الى العهد”.
وفي هذا السياق، تقول مصادر القصر لـ”الأخبار” إنه لا يمكن الاستمرار في سياسة الشائعات التي يقوم البعض بافتعالها في البلاد لأسباب سياسية، إذ إن الاقتصاد، وخصوصاً القطاع المصرفي، قد يتعرّض لهزات بسبب الشائعات التي لا أساس لها من الصحة، والتي تفقد الناس والمودعين الثقة بالقطاع المصرفي وبالدولة. من هنا، أتى تعميم القصر الجمهوري المواد الجرمية التي يحاسب فيها القانون مطلقي الشائعات في بيان أمس، لا سيّما ذكر المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدد ماهية النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه والتي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة المالية. وتقول المصادر إن نشر هذه المواد، هو بمثابة دقّ جرس إنذار وتنبيه للقضاء حتى يتحرك، لوضع حدّ لتلك الشائعات التي تعرّض الأمن الاقتصادي للخطر الشديد.
وأفادت مصادر وزارية معنية لـ”النهار” ان التعميم الصادر عن رئاسة الجمهورية هو للتنبيه والتحذير وان “قيمة الدولة المالية فوق كل إعتبار لان انهيار الهيكل المالي هو انهيار لمرتكز لبنان في هذه المنطقة ونظامه السياسي الليبرالي الذي يميزه عن سواه من الدول حيث القرار هو من يثبت سعر الليرة “.
وقالت إن الملاحقات المخالفة لقانوني العقوبات والتسليف “ستشمل من ثبت انه مس بكرامة رئيس الجمهورية وتحقيره وفي الوقت نفسه من ثبت قيامه بالنيل من مكانة الدولة اللبنانية لان التلاعب بالنقد الوطني وثبات سعر صرفه ينال من مكانة الدولة وفق نصوص قانونية تطبقها النيابات العامة”.
واوضحت ان القضاء ينتظر صدور التعميم عن حاكم مصرف لبنان اليوم الذي سيشكل مع تعميم بعبدا نقطة ارتكاز للملاحقات التي ستبدأها النيابات العامة.
ودعا النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات النيابات العامة الى اجتماع غدا للبحث في شؤون قضائية والتشدد في ملاحقة كل ما من شأنه زعزعة الثقة بالنقد اللبناني.
نداء الوطن