من أعلن الحرب على الجيش اللبناني؟

ما كان يتم تداوله في السر، بات منتشراً في العلن، وما كان يشار اليه بالاتهام فقط، تحول الى حقيقة دامغة لا يمكن الهروب منها، ​الجيش اللبناني​ بات مُستهدفاً وهناك حرب أُعلنت عليه، ومصدرها ليس اسرائيل او جهات خارجيّة، بل من الداخل. ما اعلنه بالامس متعهّدو تأمين التغذيّة للجيش كشف الصورة الضبابيّة التي كانت سائدة، واكّدت بما لا يقبل الشكّ انّ وضع المؤسسة العسكريّة بات في خطر اكثر من اي وقت مضى. يدرك العسكري حين يدخل السلك، انه سيتعرض لضغوط واوضاع صعبة للغاية عند اندلاع حروب، وقد يجد نفسه محاصراً ومعزولاً عن اي نوع من الامدادات لفترة من الوقت تطول وتقصر وفق المعطيات والعمليات العسكرية. ولكن، لا يمكن لايّ عسكري في أيّ بلد في العالم ان يتوقع ان يبقى بلا طعام في فترة لا تشهد حروباً عسكرية، والاهم من ذلك، ان هذا العسكري بدأ يشعر انه مستهدف بعد ان تم اقتطاع جزء من راتبه لاصلاح ​الوضع الاقتصادي​ والمالي، ومنع التطويع او التسريح لضبط المبالغ الماليّة الواجب انفاقها، والصبر على اصلاح الآليات والمعدات العسكريّة كي لا ترتفع فاتورة المصاريف، وتحمّل التراجع في التقديمات الطبية والمدرسيّة من اجل مصلحة البلد… ولكن ان يصل الامر الى حدود تهديد العسكري بالغذاء، فهذا ما لا يتقبّله العقل والمنطق البشري.

تقوم ​قيادة الجيش​ منذ فترة بمحاولات من هنا وهناك لتأمين القوت اليومي للعسكريين، وتفيد معلومات “​النشرة​” ان هذا التدبير لا يمكن ان يستمرّ طويلاً، وهو قائم على قاعدة “اعطنا خبزنا كفاف يومنا” وبالكاد يتأمن هذا الخبز اليومي. ومن المنتظر بعد ان انتشر هذا الخبر السيّء بالنسبة الى عناصر الجيش، ان تنشط الاتصالات والاجراءات الرسمية، وان يصدر كلام قاطع بتأمين الاموال اللازمة للمتعهّدين كي يعاودوا تزويد الجيش بالمواد الغذائية، ولكن مصادر هؤلاء تشير الى انهم لن يُلدغوا من الجحر مرّتين، لأنّ الوعود والكلام الذي حصلوا عليه لم يُترجم أموالاً، وبالتالي لا يمكنهم الاستمرار في صرف الاموال دون استردادها، وهذا حقّهم، فلماذا سيصدقون اليوم كلاماً لم يثبت جدواه بالامس؟!.

هناك من يستهدف الجيش اللبناني، ومن المؤلم الاعتراف بأنه استهداف ناجح، في وقت لا تكلّ ألسنة المسؤولين في الاشادة بالجيش وبدوره وبكونه الخط الاحمر الذي لا يجب المساس به تحت أيّ ذريعة، فأين هم هؤلاء المسؤولون واين هو كلامهم وموقفهم؟ وكيف يجرؤون على مطالبة الجيش بالدفاع عنهم وعن اللبنانيين والتصدّي للارهابيين اذا لم يتم تأمين ابسط الحقوق للعسكري الذي يضع حياته في خطر؟ وكيف سيكون شعورهم اذا قرّر الجيش التوقف عن القيام بواجبه لمدة يوم او يومين؟ ماذا لو عمّمت قيادة الجيش على العسكريين عدم اطلاق النار على المجرمين حرصاً على عدم الافراط في مصروف الذخيرة؟ وماذا لو لم تتم تلبية طلبات تدخل الجيش عند الحاجة له (وما اكثرها) من اجل التقشف والاقتصاد؟ لم يطلب اي عسكري ضابطاً كان ام جندياً من اي مسؤول ان يدافع عنه، ولكن هذا العسكري ينتظر ممّن يجب عليهم حماية مصالحه ان يقوموا بواجبهم، وليتخيّلوا للحظة واحدة ان يلجأ الجيش الى طريقة المعاملة بالمثل، فماذا سيكون مصيرهم؟!.

لم يعد مقبولاً بعد اليوم ان تصل الامور الى ما وصلت اليه، ففي خضم الحروب العالميّة والاهليّة التي مرّت على لبنان، لم يجد الجيش نفسه امام وضع مماثل، ايّ ان يفتقد الى الطعام في ايّام السلم، فيما يصل غيره في مصروف طعامه الى حدّ البذخ. هل في الامر رسالة الى قيادة الجيش؟ أم الى الجيش بشكل عام؟ أم الى وحدة لبنان وسلمه واستقراره؟ وهل هي رسالة أمنيّة بلباس اقتصادي؟ ام انها رسالة سياسية فقط؟!.

اياً يكن نوع الرسالة، واياً يكن صاحبها، فقد وصل الى حدّ تخطّي الخطوط الحمراء وهو امر لا يمكن السكوت عنه، والخوف لن يكون على الجيش فقط في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، بل على لبنان كله، انه ناقوس الخطر الحقيقي، وعلى من يسمعه أن ينقذ لبنان من المصير المشؤوم الذي ينتظره، وهذا الكلام ليس من باب التضخيم او التهويل، إنه أمر واقع باعتراف الجميع، لأنه في حال سقط الجيش، سقط لبنان.

طوني خوري – النشرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!