ضريبة الـ 3 % ترفع أسعار السلع: من يلجم جشع التجار؟
قد تبدو هذه الأسئلة ساذجة وأجوبتها معروفة مسبقًا، لا سيّما وأنّ المواطن اللبناني خبر جيدًا شبه غياب الدولة في حالات مماثلة، شهدت خلالها الأسواق استغلالًا من قبل التجار لظروف معينة، تقاعست خلالها الدولة عن وظيفة مراقبة الأسعار وضبطها، ما نتج عنه غلاء غير مشروع .
على رغم انعدام ثقة المواطن بحسن الرقابة، اعتبر الباحث الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة أنّه لم يعد ممكنًا أن تستمر الدولة بالنهج نفسه، وأن لا مجال أمامها سوى القيام بعملية الرقابة، “لأنّ مصداقية السلطة متوقف على حسن تنفيذ هذه الضريبة، وإلّا سيرتد الأمر سلبًا على السلطة السياسية”. وأضاف عجاقة في حديث لـ ” لبنان 24″ أنّه لا يمكن لجم قفز الأسعار بما يتجاوز 3 % إلّا إذا قامت مديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد بضبط كلّ مخالفة. عجاقة المدرك لأمر المحميات العصية عن أيّ رقابة أو محاسبة، لفت إلى فارق هذه المرة بحيت أصبحت الأمور تسمّى بأسمائها، وثمن تقاعس الدولة عن مهمة لجم الأسعار سيكون سياسيًا بالدرجة الاولى عبر صندوق الانتخابات النيابية.
هناك العديد من السلع المشمولة بهذه الضريبة كالمواد الغذائية المستوردة وأدوات التنظيف وأدوات كهربائية وغيرها، وبالتالي الباب واسع أمام التجار للتلاعب بالإسعار. فعلى سبيل المثال يوضح عجاقة أنّ رفع التاجر لسعر الجبنة الهولندية من 10 الآف الى 15 ألف، يعني زيادة سعرها بنسبة 50 %، وفي هذه الحال يدخل التجار من باب رسم الـ 3 % ليفرضوا جشعهم، ووزارة الأقتصاد يجب أن تكون بالمرصاد.
حتّى في ظل ممارسة الدولة للرقابة، وفي ظل حسن تنفيذ هذه الضريبة، يبقى احتمال ارتفاع الأسعار فوق 3 % كبيرًا، بحسب عجاقة، وذلك بسبب آلية التدوير. “فمثلّا السلعة التي ارتفع سعرها من عشرة الآف إلى عشرة الآف و ثلاثمئة ليرة، سيدفع المستهلك مئتي ليرة زيادة عن سعرها، لإستحالة إعادة مئتي ليرة له”.
عدم شمول مادة البنزين بهذا الرسم ينزع الذريعة من أيدي التجار برفع أسعار كل السلع، ووفق عجاقة تستطيع الدولة بسيف القانون أن تمنع أي استغلال من قبل التجار. مشيرًا إلى المرسوم الإشتراعي رقم 73 على 83، الذي أجاز لحماية المستهلك قمع المخالفات في ثلاث حالات: رفع الاسعار أكثر من ضعف ثمن السلعة ، استغلال التجار لواقع معين ورفع الأسعار من خلال الإحتكار، ورفع الاسعار قبل ان تصبح الموازنة نافذة اي قبل نشرها بالجريدة الرسمية ، وهي استفادة غير مشروعة يحاسب عليها القانون.
الإيرادات المتوقعة من هذه الرسوم هي رهن التطبيق، وبنظر عجاقة ” حسن التطبيق سيجعل الإيرادات تفوق نسبة الـ 500 مليون دولار. كما أنّ الخزينة تستفيد بشكل مباشر من جراء هذه الضريبة، وبشكل غير مباشر من خلال تدوير الأسعار، أي من خلال مئات الليرات التي يستحيل إرجاعها للمستهلك، بحيث يدخل هذا الفارق في صلب الأرباح، ويجعل الخزينة تستفيد في هذه الحالة من ضريبة الدخل الناتجة عن تدوير الأسعار”.
ضريبة الـ 3 % تحقّق هدفًا آخر، وهو تقليص الطلب على الدولار ” على اعتبار أن رفع أسعار السلع المشمولة بالضريبة سيجعل الطلب عليها يتراجع وكذلك الإستيراد المدفوع بالدولار. خصوصا أن أرقامًا صادمة يدفعها لبنان لقاء السلع المستوردة تقدّر بنحو 40 % من الناتج المحلي، وهذا الأمر يسحق الليرة، ويعتبر إجرامًا في عالم الإقتصاد”.
تبقى الإشارة إلى ذريعتين جاهزتين أمام التشدّد بالرقابة، كانت وزارة الإقتصاد أشارت إليهما في حالات مماثلة، بصرف النظر عن أحقيتهما، عديد الجهاز البشري في مصلحة حماية المستهلك وهو غير كاف، وعدم امتلاك وزارة الإقتصاد صلاحية المحاسبة، إذ يقتصر دورها على ضبط المخالفة وإحالتها إلى القضاء المختص، وهذا الأخير ندرك جيدًا حال السلحفاة الدهرية الذي يتصف بها سير عمله.