انتحارات جماعية في لبنان و”الأجانب” مرعوبون

 

 

وفيما لم يعد من البلاغة التذكير بأنّ عدد ضحايا السير يفوق سنوياً ما قد تجنيه حربٌ أو يوقعه تفجير إرهابي ضخم، فإنّ طرح السؤال ضروري حول ما إذا كان الموت قادراً على “تلقين درس” أم لا! وما إذا كان الوجع “يُعلّم” أم لا؟! وما إذا كانت نظرية “الواحد ما بيتعلم إلا من كيسو” لا تزال سارية المفعول عندما يتعلق الأمر بالقيادة!
ويبقى السؤال الأساس: لماذا كلّ هذه الهستيريا على الطرقات؟ من المسؤول وما هي الحلول، علماً أنّ ثمة قانوناً جديداً للسير صدر منذ سنوات قليلة!

يبدو بالنسبة إلى مؤسس جمعية “يازا” د. زياد عقل Ziad Akl أنّ أحد أهمّ العوامل التي تحول دون تطبيق قانون السير بشكل فعّال ورادع هو النقص في عديد عناصر قوى الأمن المفرزة لخدمة قطاع السير على الرغم من تطويع عدد كبير من الأفراد. في حديث لـ “لبنان24” يلفت إلى أنّ “هذه المشكلة ما زالت قائمة منذ أكثر من 15 عاماً للأسف. ثمة مفارز سير انخفض عديد عناصرها إلى النصف أو الثلث، في وقت تستهلك المواكبات عدداً من العناصر الأمنية، وهو ما يخفف من قدرة قوى الأمن على تطبيق القانون”.
ولا يخفي عقل أنّ “وضع الدولة بشكل عام يجعل من موضوع السلامة العامة المرورية خارج سلمّ الأولويات، فيما يتمّ تقاذف المسؤوليات غالباً”. وبرأيه، فإنه من الضروري والملّح تفعيل عمل المجلس الأعلى للسلامة المرورية واللجنة الوطنية للسلامة المرورية”.
يوافق مؤسس جمعية “يازا” التي تعنى بالسلامة المرورية على أنّ ما تشهده طرقات لبنان اليوم أشبه بانتحارات جماعية، لافتاً في هذا الصدد إلى أنّ عدد الضحايا الذي يسجّل سنوياً أكبر من الرقم الصادر عن قوى الأمن الداخلي إذ لا يتمّ احتساب الجرحى الذين يموتون لاحقاً، علماً أن منظمة الصحة العالمية قدرّت أنّ عدد ضحايا السير لعام 2018 يفوق 1150 قتيلاً”.

وفيما يقارب عدد المحاضر المسطرّة بحق مخالفين نتيجة السرعة الزائدة ألف محضر ضبط يومياً، يرى عقل أنّ ثمة مخالفات أساسية تُسجّل في المناطق اللبنانية كافة، وبالأخصّ خارج العاصمة بيروت، لا يتمّ رصدها من قبل قوى الأمن بشكل ملحوظ، وهي تتعلق بشكل رئيس بنقل الناس بطريقة مخالفة للقانون ومهددة لحيواتهم، والحمولة الزائدة أو عدم وجود لوحات على السيارات أو القيادة عكس السير، معلّقاً:”مخالفاتٌ، هي ربما الأكثر خطورة!”.
ويلفت عقل إلى أنّ هناك كمية هائلة من الدراجات النارية غير المسجلّة في لبنان، بيد أنه، وإذ يلفت إلى أهمية الجهود المنصبّة على ملاحقة المخالفين لحضّهم على تسجيلها، يؤكد في المقابل أنّ الأهم هو العمل على ضبطها بما ينصّه القانون حتى يصبح أصحاب هذه الدراجات يعتبرون أنفسهم معنيين بالقانون مثلهم مثل سائقي السيارات”.
وإذ تستمرّ الفوضى ويطلّ الموت المجانيّ برأسه يومياً من شارع واوتوستراد ورصيف، يبقى الأمل قائماً من أجل تعزيز السلامة المرورية والحفاظ على أرواح الناس. من الحلول، أو بالأحرى التدابير الواجب تطبيقها والعمل بها، يبرز مثلاً إزالة العوائق من أمام شرطي السير وتأمين كلّ الطرق التي تساعده على تطبيق قانون السير من دون تردد أو خوف أو حذر. وهنا يُحذّر عقل من خطورة تعديل المادة 154 من قانون السير رقم 243، المتعلقة بلوحات السيارات بحسب مشروع الموازنة، لما في ذلك من مخالفة للمادة 7 من الدستور اللبناني.
ويشرح عقل أنّ “ما يعاد طرحه اليوم في مناقشة الموازنة والمتعلق بالرموز على لوحات السيارات، إنما ينسف مبدأ المساواة بين جميع المواطنين ويجعل شرطي السير عاجزاً عن تطبيق القانون لا سيّما في بلد مثل لبنان، فالمسؤول ورجل الدين ورجل الأمن والقاضي والمحامي والمدير العام، يجب أن يضع لوحة قانونية على مركبته لدى استعماله أي مركبة آلية، بدون أي تمييز على الإطلاق”.

ودعا عقل في هذا الإطار أيضاً إلى عدم التساهل مع الفنانين والمشاهير الذين يصّورون فيديوهات أثناء القيادة، عملاً بمبدأ المساواة بين جميع المواطنين وحفاظاً على السلامة العامة.
ولفت عقل إلى أنّ”الفوميه” هو أيضاً ضمن الامتيازات التي تعارضها بشدّة لأنها تشكّل في معظم الأوقات وسيلة لتشريع المخالفة، وتؤدي ضغطاً معنوياً على عنصر السير يحول دون قدرته على فرض النظام”.
ومن ضمن التدابير التي تدعو “يازا” إلى اتخاذها “حفاظاً على هيبة القانون”، ما يتعلق بتحصيل مخالفات السير. وكشف عقل أنه توّجه بنداء إلى رئيس الحكومة من أجل تقديم مشروع قانون لإسقاط كلّ ​مخالفات السير​ الواقعة قبل 3 سنوات من تاريخه، لأنه من غير المقبول على الإطلاق تحصيل مخالفات السير بعد 10 سنوات مثلا من حصول المخالفة”.
وأشار عقل إلى أنّ مبدأ تحرير مخالفة مرورية يهدف في الأصل إلى ردع المخالف عن تكرار فعلته، لكنّ التأخير في تحصيل المبلغ يحوّله أشبه برسم على المواطن أن يسدده!
ولفت في هذا السياق إلى أنّ القوانين والتشريعات في ​لبنان​ تعتمد مبدأ مرور الزمن، فالجنحة تسقط بعد 3 سنوات والمخالفة تسقط في مدة سنة في معظم الحالات، وأي محاولة لتحصيل المخالفات بعد الفترة المحددة إنما هي مشاطرة على روحية القانون. المطلوب إذاً أن تنصبّ القدرة المتوافرة حالياً لتحصيل المخالفات التي لا يزيد عمرها عن 3 سنوات، بحسب “يازا”.

ودعا عقل إلى البدء بالمعاينة الميكانيكية البحرية التي نصت عليها المادة 348 من قانون السير والتي تنصّ على مراقبة جهوزية المركبات المستوردة من الخارج وجودتها على المرافئ قبل دخولها إلى السوق اللبناني.

وبالنسبة إلى موضوع الطرقات وتحسينها، فيدعو عقل إلى تخصيص بند واضح ومنفصل عن بقية البنود لصيانة الطرقات بشكل سريع من دون تأخير وانتظار للإعتمادات.

إذاً، هناك سلّة من التدابير والإجراءات الواجب الشروع بتطبيقها بما يضمن تطبيق قانون السير، لكن يبقى الأهمّ طبعاً أن يصبح موضوع السلامة المرورية من ضمن الأولويات، بل الأولوية الأولى بغية وقف شلال الدم وإسدال الستارة على مشاهد الرعب اليومية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى