“دكاكين” التدريس: أكثر من ثلاثين مدرسة وهمية والمسؤولون كثرٌ والضحية واحدة
في زمن لا ينقضي فيه يوم من دون احتجاج أو إضرابٍ، لا يبدو مستغرباً أن تنتقل المواجهة إلى القطاع التربوي، وتحديداً بين الطلاب ومدراء المدارس من جهة ووزير التربية من جهة أخرى. لكن أن يتكشف مستوى الفساد المستشري في القطاع التربوي المفترض به أن يؤسس لأجيالٍ قادمة و أن يبني مستقبل لبنان، فهو عارٌ غير متوقّع. كشف القرار الذي اتخذه وزير التربية أكرم شهيب بالتنسيق مع أرفع المرجعيات السياسية،عمن يسمَّون بأصحاب “الدكاكين” الذين يستغلّون ذووي الطلاب أحياناً ويقضون على مستقبل الأجيال الصاعدة حتماً. وللتذكير فان القرار قضى برفض طلبات تقديم امتحانات الشهادة الرسمية المتوسطة للمدارس التي لم تقدّم لوائحها قبل انتهاء المهل وبفتح دورة استثنائية لهم. لكن المفاجئ كان إصدار شهيب قراراً بعد ذلك يقضي بفتح مهل جديدة أمام طلاب الشهادة الرسمية الثانوية المسجلين في مدارس قد خالفت بدورها، وذلك حتى الساعة الخامسة من بعد ظهر نهار الجمعة المقبل، من أجل التقدم لامتحانات الدورة العادية. على أن تكون هذه اللوائح مرفقة بالوثائق التي تثبت التسلسل الدراسي السليم والمبرر لكل مرشح، مع الأوراق الثبوتية المطلوبة لهذه الإمتحانات. في هذا الإطار تسأل مصادر تربوية متابعة عن سبب تمييز وزير التربية بين طلاب الشهادة المتوسطة والأخرى الثانوية؟ ولماذا سمح للأوائل بدورة عادية فيما رفض تطبيق هذا الإجراء على طلاب الشهادة المتوسطة. مصادر في وزارة التربية ل tayyar.org تعيد السبب إلى عدد الطلاب البالغ 40 الفاً بالنسبة للشهادة الثانوية مقابل 60 الف للشهادة المتوسطة. وبالتالي فان هذا الاعتبار يسمح بتوزيعهم على عدد من المدارس التي لم تمتلئ مقاعدها بالكامل والمجهزة أصلاً بالكاميرات وبالطاقم التربوي، شرط أن يتمتعوا بتسلسل تربوي. كما تلفت المصادر إلى أن المهل المتبقية ستسمح للقيّمين في الوزارة بالتدقيق بملفات هؤلاء قبل موعد الإمتحانات في 18 حزيران. أما عن سبب سدّ هذه النافذة في وجه طلاب الشهادة المتوسطة، فتؤكد مصادر وزارة التربية أن الإجراء لم يطل أصحاب الموافقات الاستثنائية لأن الدولة هي من تتحمل المسؤولية في حال حصول تأخير بيروقراطي في التواقيع. أما الإجراءات الصارمة فقد أصابت أصحاب “الدكاكين” كما تقول المصادر، الذين طلبوا إذن مزاولة، فكاتبتهم الوزارة في نيسان الماضي طالبة منهم تبرير عملية فتح المدارس و وجهت إليهم إنذارات لاحقاً، لكنهم لم يراجعوا وزارة التربية حتى عشية الإمتحانات. وبحسب المصادر فان هؤلاء نفسهم اعتادوا لسنوات على وضع وزارة التربية أمام الأمر الواقع متذرعين في كل مرة بمستقبل التلاميذ في اللحظة الأخيرة. وهنا تذكّر مصادر أخرى بالإجراء الذي اتخذه وزير التربية الياس بو صعب بحق إحدى المدارس المخالفة في حين لم يحرم التلاميذ من حقهم بالتقديم إلى الشهادة الرسمية. مصادرtayyar.orgتؤكد ألا علم لوزارة التربية بعدد هؤلاء الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة المشكوك بوضعيتها والتي تكبّد الأهالي أقساطاً لا يستهان بها. وفيما يقرّ القيّمون ب 1600 طالبٍ تتحدث أوساط أخرى عن أكثر من ذلك بكثير. وبناء على ذلك طلب وزير التربية إجراء إحصاء لهؤلاء لتحديد عددهم بما أن ملفاتهم وأسماءهم غير موجودة أصلا في وزارة التربية. في الإطار عينه تقسّم مصادر تربوية عبر tayyar.org المخالفات التي يرتكبها أصحاب بعض المدارس الخاصة إلى ثلاثة، علماً أن فتح المدرسة يستوجب الإستحصال على مرسوم جمهوري وعلى إذن بالمباشرة من وزارة التربية بعد الكشف عليها من قبل مصلحة التعليم الخاص. فبعض المدارس يفتح أبوابه من دون الاستحصال على مرسوم والبعض الآخر استحصل على مرسوم من دون إذن بمباشرة العمل لعدم اكتمال الشروط المادية أو غيرها ولكنه يمارس التعليم بشكل طبيعي. أما الأكثر فظاعة فهي المدارس الوهمية التي لم تستحصل لا على المرسوم ولا على الإذن وهي التي تشكّل الأكثرية. فلا تلاذمتها يؤمّنون حضوراً بنسبة 70% وفقا لما ينصّ عليه القانون ولا هي تمتلك لوائح بالأسماء أصلاً. وفي هذه الحالة تتحمّل ثلاثة أطراف المسؤولية: صاحب المدرسة وذوو الطالب والطالب نفسه. فضائح “دكاكين” التعليم لا تتوقّف عند هذا الحدّ. إذ يتقدّم طالب بطلب تسجيله في إحدى المدارس الخاصة، فيعمد صاحب المدرسة في حال اكتمال عدد الطلاب المسموح به له، على تسجيل الطالب في مدرستين في منطقتين مختلفتينفي آن معاً(من بينهما المدرسة المكتملة العدد) ويكون بذلك قد رفع حظوظ الطالب بالنجاح وضمن ربحه المالي. لكن حلّ هذه المعضلة لن يكون ممكناً إلا باصداربطاقة تربوية موحّدة، تسمح بتحديد الهوية بحسب الرقم التسلسلي ولا بمقارنة الصور كما يحصل حالياً. أما البعض الآخر، فيلجأ إلى فتح مدارس بأسماء جديدة بعد إقفال مدارسه بموجب إنذارات من وزارة التربية. لكن فضائح التزوير والتلاعب على القانون والغش لما كانت لتنجح لولا تورط موظفين من داخل وزارة التربية. ومثال على ذلك ما حصل في عهد الوزير السابق مروان حمادة الذي قرر حسم راتب رئيس مركز تربوي في جبل لبنان لتقصيره بمراقبة الامتحانات. إلا أن حمادة نفسه عاد وألغى قراره التأديبي لاحقاً قبيل الانتخابات النيابيةمعتبراً أن الموظف كفوء. لا شك في أن مقاربة الملف التربوي تختلف بين وزير وآخر، لكن المصادر التربوية تؤكد ل tayyar.org أن القرار باقفال ملف الفساد هذا هو أكبر من وزير، وهو يحتاج إلى توافق كل المرجعيات السياسية وعلى أعلى المستويات. فالمدارس المخالفة والوهمية محصّنة بالمحميات السياسية والدينيّة بشكل خاص وهي موزّعة على مختلف المناطق والطوائف. وهنا يقع على عاتق الدولة أن تتخذ القرار بمراقبة كيفية صرف أموالها وضبط توزيعها على المدارس الخاصة المجانية و الرسمية معاً، التي إذا ما فُتحت ملفاتها، فحدّث ولا حرج، تختم المصادر.
لارا الهاشم – tayyar