الإنتخابات الإسرائيلية.. صناديق الاقتراع تكتب مستقبل الضفة بعد القدس والجولان

عشية الإنتخابات الإسرائيلية التي تنطلق غداً الثلاثاء، أورد موقع “عربي بوست” تقريراً حمل عنوان “الانتخابات الإسرائيلية.. صناديق الاقتراع تكتب مستقبل الضفة الغربية بعد القدس والجولان”، وجاء فيه التالي: “بينما يستعد الإسرائيليون للذهاب إلى مراكز الإقتراع والإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات التي تُعقد غداً الثلاثاء، عاد إلى الظهور أمامهم خيارٌ مصيري حاسم ومؤجل منذ وقت طويل، بعدما قطع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعهداً غير متوقع، بأنّ يبدأ بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية إذا ما أُعيد انتخابه.

فهل يريد الناخبون أن يجعلوا سيادة بلادهم على الضفة الغربية وسكانها الفلسطينيين، البالغ عددهم مليونين و600 ألف فلسطيني، سيادة دائمة؟ أم أنّهم يريدون الإبقاء على إمكانية ميلاد دولة فلسطينية تكون هذه المنطقة نواتها في يوم من الأيّام؟

ماذا سيقرر الإسرائيليون؟
وتقول صحيفة “The New York Times” الأميركية، إنّ نتنياهو صيَّر هذا التساؤل مُلحاً، إذ يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدياً يهدّد مسيرته السياسية يأتي من ائتلاف حزبي وسطي متحد يرأسه فريق من قادة الجيش السابقين. ويبدو أنّ إعلانه الصادم بشأن سيادة إسرائيل على الضفة الغربية كان بمثابة محاولة أخيرة لحشد الدعم من قاعدته اليمينية والبقاء في السلطة.

ولا يقتصر اهتمام مؤيدي ضمّ الضفة الغربية على انتخابات الثلاثاء وحسب، بل يمتد هذا الإهتمام كذلك إلى الانتخابات الأميركية 2020: يصف هؤلاء الدعمَ القويَ الذي يقدمه ترامب بـ”الفرصة التاريخية” لمواصلة ضمّ بعض أجزاء الضفة الغربية أو غالبيتها أو كلها. غير أنّها فرصة لن يطول بقاؤها مع قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض.

يقول أنصار حل الدولتين، بالرغم من اعترافهم بعدم وجود طريقة مؤكدة لمعرفة رد فعل الفلسطينيين، إنّ التمادي في بسط سيادة الدولة من شبه المؤكد أن يؤدي إلى كابوس من نوع أو آخر بالنسبة لإسرائيل، مثل “زيادة العنف” والإدانة الدولية.

يطلق في الغالب على الترسيخ التدريجي للمستوطنات اليهودية المُقامة على الأراضي الفلسطينية “ضماً زاحفاً”. وقد حدث بوتيرة بطيئة تدريجية كافية للسماح لمؤيدي حل الدولتين بطمأنة أنفسهم أن مثل هذه الخطوات لا يزال من الممكن التراجع عنها أو النظر فيها خلال المفاوضات المستقبلية. غير أنّه على النقيض من ذلك، سيكون فرض السيادة على الضفة الغربية قراراً لا رجعة فيه.

وسواء أُنجز هذا المسعى بسرعة أو تدريجياً، فإنه في نهاية المطاف يعادل ضم أراضي الضفة، وسوف ينتهك اتفاقاً ورد في اتفاقية أوسلو يبلغ عمره 25 عاماً ويشير إلى أن الوضع الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين لا يجب أن يتغير إلا من خلال المفاوضات.

هل تكون الضفة الغربية ورقة نتنياهو الرابحة؟
وضع نتنياهو نفسه لأعوام في موقع الرادع لمساعي أنصار كلا الجانبين. فقد وضع نفسه على يمين مؤيدي حل الدولتين، ووضع نفسه على يسار الآخرين الراغبين في ضم الضفة الغربية ويعتبرون أن ما يسمى إسرائيل الكبرى يحقق الحلم الصهيوني بتأسيس دولة يهودية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط.

كان هؤلاء الإسرائيليون مهمشين باعتبارهم جزءاً صغيراً من اليمين. ولكن نظراً إلى أنّ أقل من نصف الإسرائيليين لا يزالون يؤيدون حل الدولتين، صار معسكر إحلال السلام الآن هو الذي لا يتفق مع غالبية المجتمع. إذ إن حركة تؤيد سيادة إسرائيل وتنمو بسرعة (تسمى حركة Ribonut) لم تحقق قبولاً سياسياً وحسب، بل تجاوزت غالبية اليمين الإسرائيلي القوي.

طُرح للمناقشة في البرلمان ما لا يقل عن 60 مشروع قانون من أجل المضي قدماً لإتمام نوع من ضم الأراضي منذ عام 2015، حسبما تفيد المنظمة الحقوقية الإسرائيلية ييش دين.

قال المؤرخ والكاتب مايكل أورين، الذي شغل منصب نائب وزير في حكومة نتنياهو: “الدعم من أجل إعلان سيادة إسرائيل على أجزاء من يهودا والسامرة (في إشارة إلى الضفة الغربية)‎ صار اختباراً حاسماً أمام جميع قادة اليمين”.

يؤكد المرتبطون بحركة السيادة على أنه كلما اقتربت إسرائيل من الوصول إلى حل الدولتين، سواء من خلال الانسحاب من غزة أو إعادة نشر قواتها خارج أغلب أراضيالضفة الغربية “تزيد معه الوفيات وإراقة الدماء التي تحل علينا” في صورة انتفاضات، وتفجيرات انتحارية، وهجمات بالصواريخ، حسبما تذكر حركة Ribonut في موقعها. وكان جميع أعضاء حزب الليكود الراغبين في إعادة انتخاب قائدهم نتنياهو يؤيدون بالفعل ضم الضفة الغربية. فيما كان قائدهم الممانع الوحيد.

وفي مساء السبت 6 آذار، انصاع نتنياهو نتيجة للضغط الشديد في منافسة متكافئة مع الوسطي بيني غانتس، رئيس هيئة الأركان العامة السابق لجيش الدفاع الإسرائيلي. أزاح نتنياهو نفسه ناحية اليمين أكثر وأعلن عبر التلفزيون الوطني أنه بكل تأكيد سوف يبدأ “تطبيق السيادة” في الضفة الغربية.

نتنياهو لن يتوقف عند هذا الحد إذا لم تسقطه الانتخابات
ففي حديث إلى المذيع، قال: “السؤال الذي تطرحه مثير للاهتمام: هل سنمضي قدماً في المرحلة التالية؟ والإجابة هي أجل، سوف نمضي قدماً في المرحلة التالية”. وعندما سُئل حول اعتزامه فرض القانون الإسرائيلي على ما تسمى بـ”الكتل الاستيطانية”، وهي تجمعات يهودية كبيرة بنيت على أراضي الضفة الغربية، ويفترض حتى عديد من أنصار حل الدولتين أن الفلسطينيين سوف يتركونها مقابل أراضٍ إسرائيلية أخرى بموجب اتفاق نهائي من أجل إعلان دولتهم- قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه لن يتوقف عند هذا الحد. وأضاف: “سوف أطبق السيادة، لكني لا أميز بين الكتل الاستيطانية والبؤر الاستيطانية المعزولة، لأني أرى أن كل هذه البؤر الاستيطانية جزء لا يتجزأ من إسرائيل”.

وفي الصباح التالي، كان قليل من الإسرائيليين يثقون في كلامه. ثمّة مصطلح يستخدمه الإسرائيليون للتعبير عن المفاجآت المعلنة قبل 11 ساعة من الانتخابات، وهو «حملة المفاجآت العنيفة»، وهي باللغة اليديشية “Oy, gevalt”، وتُستخدم للتعبير عن التشكيك والضجر.

في عام 2015، حشد نتنياهو قاعدته من خلال زرع الخوف من وجود مشاركة كبيرة في التصويت من عرب الداخل، وهو ما قد يساعد في وصول اليسار إلى السلطة. وفي هذه المرة، يرى كثيرون أنه يحاول استمالة اليمين كي يساعدوه مقابل تعهد بتحقيق أحلام المستوطنين.

قال دانييل كورتزر، وهو سفير أميركي سابق لدى إسرائيل استمر في منصبه مع رئيس أميركي ديمقراطي وآخر جمهوري، متحدثاً عن نتنياهو باستخدام لقبه المعروف بين المقربين منه: “هذا هو بيبي يتصرف على طبيعته”.

تعهد غانتس وثلاثة شخصيات أخرى من قادة حزب “أزرق أبيض”، اثنان منهم كانوا أيضاً قادة سابقين في الجيش الإسرائيلي، بالابتعاد عن مثل هذه التحركات الأحادية في الضفة الغربية. وقالوا إن نتنياهو كان يحاول بكل وضوح حفظ ماء وجهه السياسي، وإن الإسرائيليين ليسوا حمقى ليصدقوه.

وبالفعل، تنبأ المحللون سريعاً بشأن الثغرات التي يستطيع نتنياهو استخدامها ليتبرأ من التزامه الجديد: فمن الممكن أن يبتعد عن الوفاء بوعده لتجنب تداخله مع أي مقترح سلام محتمل من جانب الرئيس ترامب، وسوف يجادل بأن تغيير الظروف جعل الوعود غير قابلة للتنفيذ بعد الآن. أو بأن يقبل فقط بأقل سريان تدريجي للقانون الإسرائيلي على الأراضي، لكنه لن يرقى إلى عملية ضم رسمية.

وشبَّه مايكل كوبلو، وهو محلل في مركز أبحاث Israel Policy Forum المؤيد لمفاوضات حل الدولتين، تصريحات نتنياهو بخطاب شهير له في 2009 أدلى به بجامعة بار إيلان وأعلن فيه تأييده لحل الدولتين، بعد ضغوط من الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.

كان هذا التصريح أعلى نقطة وصل إليها في قبوله لمسألة وجود دولة فلسطينية، وواصل منذ ذلك الحين مساعيه للتراجع عنه. لكن اليسار الإسرائيلي ذكروه لأعوام لاحقة من أجل الضغط على نتنياهو للإبقاء على خيار الدولتين.

قال كوبلو إن اليمين الآن سوف يكون قادراً على الضغط على نتنياهو باستخدام وعوده التي أُذيعت عبر التلفاز لمواصلة خطوات ضم الضفة الغربية. وأضاف “لا أعتقد أنه سيكون قادراً على التراجع عنه”.

لا يوجد رادع لإسرائيل من واشنطن كما كان الحال سابقاً
يضاف إلى هذا الحقيقة التي تشير إلى أن نتنياهو صار أضعف مما كان قبل 10 سنوات. إذ يواجه إدانة محتملة لاتهامه بالفساد، بما في ذلك الرشاوى، وهو ما قد يجبره على التخلي عن منصبه. ويُتوقع منه على نطاق واسع، إذا منحته نتائج الانتخابات الفرصة، محاولة تشكيل ائتلاف حاكم يسن تشريعاً بأثر رجعي يمنع محاكمة رئيس وزراء في منصبه.

يمكن أن يشكل ذلك مفاضلة مع شركائه في الائتلاف: وهي بطاقة تحُول دون دخوله السجن مقابل خطوات ملموسة لضم الضفة الغربية، حسبما قال دانيال شابيرو، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل في إدارة أوباما. وأوضح شابيرو: “الأحزاب التي سوف يحتاجها لتشكيل هذا الائتلاف يمكنها الآن الإصرار على تطبيق السيادة مقابل حمايته من الإدانة. سوف يحاول تقديم أدنى حد، وسوف يحاولون انتزاع أقصى حد”. وأضاف: “ولا يوجد رادع واضح من جانب إدارة ترامب، مثلما كان الحال دائماً مع جميع الإدارات السابقة التي تقول: لا تفعلوا ذلك”.

استجابة لصعود “حركة السيادة”، حذر أنصار الدولتين بقوة من تأثير الدومينو الذي سيُحدثه التورط في أي عملية ضم، سواء كانت محدودة ومقصورة على قليل من المستوطنات (وهي جزء تديره إسرائيل من الضفة الغربية ويُعرف بالمنطقة جيم) أو اشتملت على الضفة الغربية كلها.

إعادة احتلال الضفة من جديد وانهيار الأمن
قال نمرود نوفيك، وهو مستشار كبير سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز وأحد أعضاء اللجنة التنفيذية بحركة Commanders for Israel’s Security، وهي مجموعة من كبار قادة الجيش المتقاعدين وكبار المسؤولين الأمنيين السابقين الذين يؤيدون حل الدولتين: “سوف يعتبره الفلسطينيون والعرب الآخرون والمجتمع الدولي قراراً قومياً إسرائيلياً بإغلاق الباب في وجه حل الدولتين أو في وجه أي اتفاق يأتي عبر المفاوضات”.

تتوقع المجموعة أن أوراق الدومينو التي ستسقط سوف تبدأ بـ”موجة عنف” في الضفة الغربية، ورفض ضباط الأمن الفلسطينيين استمرار التعاون مع إسرائيل، وانهيار السلطة الفلسطينية، وإعادة احتلال “ضرورية” للضفة الغربية كلها عن طريق الجيش الإسرائيلي، وهي عملية قد تستغرق أسابيع وسوف تتطلب وجود دائم لكامل استعدادات الجيش تقريباً.

بل والأخطر من ذلك أنه في حالة عدم منح الجنسية الإسرائيلية إلى الفلسطينيين في الأراضي المنضمة، فيمكن أن يمهد ذلك الطريق أمام نوع من دولة فصل عنصري، وهو ما طالما حذر منه أنصار حل الدولتين.

يصر أنصار السيادة الإسرائيلية على أن ضم كتل استيطانية على شاكلة معاليه أدوميم أو جوش عتصيون يمكن أن يواجه اعتراضاً دولياً أو عربياً “طفيفاً” نتيجة للتوقع بأن هاتين المنطقتين كانتا سوف تبقيان تحت حكم إسرائيل ضمن نتائج الوصول إلى حل الدولتين. لكن كوبلو قال لـ”نيويورك تايمز”، إنّ هذا كان خادعاً. وأصر قائلاً: “بمجرد البدء في مسار ضم (الأراضي) هذا، فلن يتوقف عند الكتل (الاستيطانية). وذلك حيث يأتي الخطر الحقيقي”.

وأضاف: “إذا ضمت الحكومة الإسرائيلية معاليه أدوميم، فلن تقوم الدنيا ولا تقعد. وعندما يحدث ذلك، ستكون الخطوة التالية تجاوز الحد. سيكون هناك ضغوط كبيرة لضم المنطقة جيم. وبمجرد القيام بذلك، سيكون الموقف مختلفاً تماماً”.

المصدر: عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!