ملايين تُداس بعجلات السيارات!
في حديث لـ “لبنان24” يشرح عجاقة أنّ مرور عامين على الدراسة لا يغيّر كثيراً في الرقم الصادم، رغم دخول حوالى 50 ألف سيارة جديدة سنوياً إلى لبنان. “هامش الخطأ في هذه التقديرات يبقى ضمن المعقول. الأكيد أنّ الدولة تتكبد خسائر مالية جرّاء زحمة السير المتفاقمة، وهي تلامس الملياري دولار”.
كيف ذلك؟!
يلفت عجاقة إلى وجود نوعين من الزحمة المرورية في لبنان: الهيكلية (ومرّدها إلى البنية التحتية وعدم قدرة الطرقات على استيعاب أعداد السيارات) والحدثية (الناجمة من ظروف طارئة كوقوع حادث سير أو إغلاق الطريق لدى زيارة مسؤول لبنان أو مرور موكب سياسي…).
وفي المعطيات والتقديرات أنّ 85% من زحمة السير اليومية تُسجّل في منطقة بيروت وجبل لبنان. وبحسب الدراسة أيضاً ثمة 300 ألف سيارة تدخل من الباب الشمالي لبيروت، و200 ألف سيارة تدخل من الباب الجنوبي، و50 ألف سيارة تدخل من باب بعبدا (مع ازدياد ملحوظ في فصل الصيف). ويقول عجاقة أنّ الزحمة تكون في ذروتها في توقيتين: الصباح منذ السادسة ولغاية العاشرة، وبعد الظهر منذ الرابعة ولغاية الثامنة.
ولا يخفي عجاقة دخول حوالى 50 ألف سيارة جديدة سنوياً إلى لبنان، مشيراً إلى أنّ ظروف الحياة السائدة في لبنان بما فيها الأوضاع المعيشية باتت تحتّم على المواطن اللبناني أن يعمل في أكثر من وظيفة، وهو بحاجة تالياً إلى التنقل في خلال النهار ما يضعه في حاجة إلى سيارة يقودها بمفرده لا سيّما في ظلّ غياب وسائل النقل العام المختلفة. أضف إلى ذلك، الجانب الثقافي في الموضوع، إذ يلاحظ ميل الشباب إلى شراء سيارة فور التخرّج في الجامعة، وكأن هذا الأمر من أساسيات الحياة.
فماذا في التداعيات؟ وكيف تؤدي زحمة السير إلى خسائر تضرب الاقتصاد اللبناني؟!
“الرقم الذي خلصت إليه ليس من عبث، أو مجرد تنظير وأوهام”، يقول عجاقة.
يتحدث هنا عن تكاليف وتفاصيل قد لا تخطر على بال إلا الاقتصاديين! فمثلاً، كلفة البنزين التي يتكبدها المواطن جرّاء التوّقف المستمرّ بسبب الازدحام المروري يصل مجموعها إلى 126000000 د.أ في السنة. وبحسب عجاقة، يمخيل اللبنانيون إلى اقتناء السيارات الكبيرة التي تستهلك الكثير من المحروقات.
وبرأيه، فإن مجرد الجلوس وراء المقود وتشغيل السيارة والسير بها على الطريق، يعني حكماً تكبد تكاليف الصيانة وهي تُقدّر بـ 7500000 د. أ. أكثر من ذلك، فإن إمكانية تعرّض المواطن إلى حادث بالسيارة تبدو جليّة بمجرد التواجد على الطرقات، وهذا يعني تكاليف إضافية لتصليح المركبة وزيادة الكلفة على شركات التأمين وبالتالي المواطن، وهو ما يقدّر بـ 120000000 د. أ.
وبحسب علم الاقتصاد، فإن الخسائر الناجمة من وفاة شخص جرّاء حادث سير تُحتسب بناء على الإنتاجية التي كان يمكن أن يقدمها في حال بقي حيّاً لعشر سنوات مثلاً!
وتنسحب التداعيات أيضاً على وقت العمل وإنتاجية المواطن. فمن المعروف أن زحمة السير قد تؤخر العامل عن دوام عمله ويمكن أن يُحسم من راتبه مبلغ، الأمر الذي يساهم في تقليل استهلاكه وبالتالي ضرب الناتج المحليّ. هذا الرقم يُقدّر بـ 390000000 د. أ سنوياً!
وعلى صعيد الشركات، فإن قلّة الإنتاج تؤدي إلى قلّة وقت العمل (خسائر بـ 500000000د. أ) وبالتالي تخفيض المبيعات، ما قد يعوق البدء باستثمارات جديدة أو توظيف عاملين جدد (أي رفع نسبة البطالة)، وهذه الخسائر تقدر بـ 750000000 د.أ. وهو نقص في الناتج المحلي الإجمالي.
هذا ليس كلّ شيء. بحسب دراسة عجاقة، تؤخذ بعين الاعتبار تداعيات أخرى قد تبدو غير ملموسة لكنّ واقعها كبير. يتحدث مثلاً عن الأمراض النفسية والجسدية التي تسببها زحمة السير والتي تؤدي إلى قلّة الإنتاج ورفع الفاتورة الصحية بما يوازي خسائر تقدر بـ 30000000 د.أ.
وإذ يلفت عجاقة إلى أنّ الإنماء المستدام بات اليوم يُقاس بمدى خدمته ثلاثة أهداف: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يعتبر أنّ زحمة السير تلوّث البيئة وبالتالي هي تضرب الإنماء المستدام. ولم يعمد عجاقة إلى تقدير حجم الخسائر الناتجة من التلوث البيئي لكونها مرتبطة بأنواع السيارات.
ويبدو جليّأً من خلال المعطيات أنّ مركزية الاقتصاد هي السبب الأساس في ملف أزمة السير، بحسب عجاقة. وعليه، يبرز من ضمن الحلول والتوصيات التي يقدمها، البدء بنظام اللامركزية الإدارية والاقتصادية للتخفيف من الازدحام.
لكن من ضمن الحلول التي يقترحها أيضاً والهادفة إلى تخفيف زحمة السير عن العاصمة بيروت، فرض دولار أو دولارين على كل سيارة تدخل إلى المدينة في وقت الذروة!
يحاول عجاقة أن يستشهد بتجربة لندن حيث لم تخدم كلّ التدابير التي وضعت (رغم وجود مترو ووسائل نقل متنوعة) إلى تخفيف الزحمة، إلاّ أن فرض 2 باوند على السيارات ساهم في تقليص الازدحام بحدود 60%.
لكن هنا بيروت! وهنا لبنان حيث بات المواطن اللبناني يئن تحت وطأة الضرائب والرسوم المفروضة عليه. فلم زيادة العبء عليه بعد؟!
بحسب عجاقة، لا تهدف هذه الرسوم إلى ضرب الفقير. يمكن مثلاً فرض رسوم مختلفة بحسب نوع السيارة (عدد أحصنتها)، على كلّ من يدخل إلى العاصمة في وقت الذورة، على أن تُجمع تلك الأموال في صندوق لاستخدامها في بناء جسر أو تحسين الطرقات. لماذا؟! “لأنه علينا أن نفعل شيئاً. لا يمكننا ألا نتحرّك، لا سيّما وأنّ الدولة غير قادرة على بناء جسور وأنفاق بالمستوى المطلوب بسبب الفساد”.
إذاً، في ظلّ منظومة الفساد، تعجز الدولة عن البدء بمشاريع من شأنها الحدّ من أزمة السير، فكيف ستكون قادرة على الإفادة من الرسوم المقترحة لإنقاذ مداخل بيروت من الزحمة؟ كيف ستكون الرقابة ومن سيضمن عدم التزوير والتلاعب؟
سرعان ما يقرّ عجاقة بأن هذا الأمر صعب في ظلّ الفساد، “لكن علينا أن نجرّب”. يعود إلى النقطة الأساس، وهي اللامركزية وتفعيل الحكومة الالكترونية. إنها حلولٌ منطقية، بالإضافة طبعاً إلى التشدد في تطبيق قانون السير والعزم على بناء دولة لا تخسر ملياري دولار سنوياً بسبب زحمة السير، فيما هي بحاجة إلى فلس الأرملة!