عنف واغتصاب وسفاح محارم وتجارة جنس في عائلة واحدة

هذا التحقيق الاستقصائي، بتمويل من منظمة FE-MAlE، أنجزته الزميلة جنى الدهيبي، بإشراف الصحافية يمنه فواز. وينشر في المدن بالتزامن مع موقع “شريكة ولكن”.

ثلاثُ فتياتٍ، يجلسن على الكراسي في باحةٍ صغيرةٍ أمام منزلهن يشربن النرجيلة سويًا. أمشي قليلًا، بعد أن أنهيتُ زيارتي لأحد الأصدقاء. أسمع إحداهن تصرخ بصوتٍ عالٍ اخترق مسامع العابرين والحجر ليبلغ السماء. ألتفتُ على الفور، نحو مصدر الصوت. إحداهن، تقف بجسد نحيلٍ ومتعبٍ من الارتجاف. عروقها على شفير الانفجار غضبًا من يديها الرفيعتيّن. تشدُّ عنقها حتّى تكاد حنجرتها تنفر منه. ترفع رأسها نحو سطح المبنى، ثمّ تصرخُ مهددةً بإصبعها المرفوع: “يا ويلو إللي بيكبّ وسخ علينا”. تُهدّئها فتاةٌ بالقرب منها على الكرسيّ، وتعطيها “نبريش” النرجيلة: “خدي هدّي أعصابك”. تشهق وتزفر بسرعةٍ قياسيّة، ليتحول فمها إلى مدخنةٍ يتصاعد منها “شحوارٌ” أبيض يغطي معالم وجهها العظمي، المستنفر قهرًا.

ثوانٍ معدودة، تترك “نبريش” مرّةً أخرى. تقف وتصرخ من جديد، قبل أن يأتي رجلٌ سبعيني مُنحني الظهر، يجرُّ نفسه على عجلٍ، لتهدئة الجوّ، من دون أن تكترث الفتيات لصوته المضطرب وهو يقول لهن: “يا عمي روقوا”. ألتفتُ نحو صديقي لأسأله: “بتعرف مين البنات؟”.

يهزّ رأسه إلى الأسفل، ويكتفي بجملةٍ واحدة: “هيدا أبو رجال وبناتو، وهيدي مريم”.

ومن هنا، تبدأ الحكاية، من مشهدٍ مرَّ بسياق الصدفة، في حيّ البقار، شمال لبنان إلى قضيّةٍ بقضايا .

(تجدر الإشارة أنّ الأسماء المستخدمة وهمية حفاظًا على خصوصية وكرامة الناجيات)

العائلة الضائعة

أسابيعٌ طويلة، في رحلة البحث عن “بنات أبو رجال”، اللواتي اختفين فجأةً من الحيّ. يومًا تلو آخر، ندقُّ الباب الحديدي للغرفة الأرضية المهجورة، في حيّ البقار، التي يسكن فيها والدهن. لكن، لا نجد أحدًا. إشاعاتٌ وأخبار، معلومات متقاطعة، ثمّ معلوماتٌ مؤكدة مقرونةٌ بشهودٍ وشواهد، لفكرةٍ واحدةٍ، ثلاثة أشهرٍ استغرقت من أجل التثبت منها: “أبو رجال يتحرش ببناته، ويتاجر بأجسادهن”.

تدور القصة في الحي حول أربعُ شقيقات، عشن سنواتٍ طويلة من الشقاء، منذ كنّ طفلات صغيرات، مع والدهن “أبو رجال”. واحدة منهن اسمها هناء، “نفدت بريشها” كما يشاع، فقد تزوجت رجلًا عسكريًا، أنجبت منه طفلًا، وأخذها بعيدًا من جوّ عائلتها. أمّا سارة، مريم وريم، فالكثير من الإشاعات والإتهامات تدور حولهن… كلّ ما يُحكى في الحيّ عن “بنات أبو رجال”، يدفعُ لمزيدٍ من الاستفسار عن حقيقةٍ لا يعرف تفاصيلها المؤلمة غيرهن.

بحثٌ في المجهول

عدا الحكايات التي تُروى عن “أبو رجال” وعائلته، ما تقاطعت المعلومات حولها أنّ قبل أربع سنوات، طلّق “أبو رجال” زوجته، والدة بناته. بدايةً، عاشت طليقته بمنزل صغير ملاصق لغرفته، محتلّ من أيّام الحرب، في حيّ البقار، فيما كانت البنات تتنقل بين غرفة والدهن وبيت والدتهن، قبل أن يصبح مكانها مجهولًا لأهالي الحي.

بحثنا طويلًا، حتى كاد اليأس أن يُحبط مسار البحث في المجهول، عن شقيقات اختفين فجأةً مع أمهن من الحيّ، من دون العثور عليهن، رغم الوصول لكلّ الخيوط التي تروي قصّتهن عن جحيم والدهن. الكلُ يعرفهن في الحيّ، والكلُّ يتبرأ من معرفته بهن. ولا أحد يملك رقم هاتف إحدى هؤلاء الشقيقات، أو بالأحرى خجل أيّ منهم الاعتراف أنه على تواصل معهن. غريبةٌ هذه المعادلة، لا سيما أنّ أغلبهم يوشوشون عن”بيت أبو رجال” “الموبوء”، الذي كان يفتح بابه ويقدّم بناته “سلعةً جنسيّة” مقابل ربطة خبزٍ أو كيلو غرام من الفواكه والخضار أو مبلغٍ زهيدٍ لا يتجاوز 20 إألف ليرة لبنانية.

أخيراً، وصلنا إلى معلومة واحدة بعد بحث متواصل وسؤال متكرر في حيّ البقار، كانت بمثابة الخيط الأول إلى القصّة الأكثر تعقيدًا: بنات “أبو رجال” هربن مع والدتهن للعيش في عكار. وقبل أن نهمّ بالذهاب من الحي لنتابع بحثنا في عكار، كنّا نتلفتُ يمينًا ويسارًا كمن يستجدي أي معلومة إضافية أو كمن لم ينه مهمته. فجأة، أشار إصبع سيدةٍ كانت معنا، نحو فتاةٍ صغيرةٍ ورجل عجوز، بدت في نبرتها كمن وجد كنزًا مفقودًا: “يييي هيدي ريم مع أبوها”.

تتقدّم ريم نحونا بخطواتها العفويّة، غير مكترثةٍ لأحد. أجمدُ بأرضي للحظات وأتأملها بعينيّنٍ مفتوحتين من الصدمة. فتاةٌ صغيرة، قصيرة القامة ونحيلة. تضع حجابًا أسود اللون على رأسها، تُمسك الجزء المتدلّي منه بيدها الطفوليّة، كأنّها تحاول اخفاء وجهها البريء، والحزين أيضًا.

عند الاقتراب منّا، تبتسم ريم ابتسامة تخفي أسنانها كعابرٍ متعبٍ لا يرغب ولا يقوى على فعل شيء. تسألها السيدة التي تعرفها، إن كانت تستطيع الجلوس معنا. توافق على الفور من دون تردد، ثمّ توصل والدها إلى المنزل. أثناء جلوسنا، وبعد أن تركتنا السيّدة وحدنا، نظرت ريم إليّ كنظرة غريبٍة تطلب النجدة، وهي لا تعرفني أصلًا. أعرّفها عن نفسي، أسألها عن أحوالها، فتكتفي بإجابات مقتضبة، ثمّ تبتسم، وتتنهد تنهيدة ثقة، مثل من أراد أن يُخبر أنّه ارتاح للتحدّث. لم تنفِ ريم صحّة معلومات سألتها عنها، حول حياتها وحياة شقيقاتها مع والدهن. هزّت برأسها نحو الأسفل، ثمّ بكتْ بصمت، واكتفت بجملةٍ واحدةٍ قبل أن تحكي كلّ شيء: “بدّي حدا يساعدني لارتاح”، فكانت الصدمة الثانية.

ريم سرُّ الحكايا

تبدأ ريم الحديث عن ذكرياتها مع والدها، منذ كانت تبلغ 9 سنوات، وهي لم تدخل المدرسة أكثر من عامين. فهذا السنُّ، أيّ 9 سنوات، كان مفصليًا. ففي إحدى المرات، طردها والدها من المنزل مع شقيقتها مريم التي كانت قد تركت بيت زوجها. “مضيتُ مع مريم أسبوعًا كاملًا ننام في الحديقة وحدنا”، وكان الوالد يضغط على مريم أن تجلب له مالًا بأي طريقة، وكانت هي الأخيرة ترضخ لضغطه. وتكرر ريم جملة والدها الشهيرة التي كان يقولها لهن: “انزلوا ع التلّ جيبولي مصاري”. ورمزية هذه العبارة بالنسبة له في طرابلس، أيّ أن ينزلن للوقوف في إحدى زوايا حديقة المنشية، وانتظار عابرٍ من “مشتري” الجنس.

“كل ما أتمناه أن أراه مسجونًا خلف القضبان”

تسترسل ريم بالذكريات، كيف كان والدها يستقبل في البيت رفاقه، الذين يتجرأون على ملامستهن لمسات غريبة ومحرجة. وحين يعترضن شقيقاتها على ذلك، تكون حجة “أبو رجال”: “كيف بدّي عيشكم؟”. روايات كثيرة في ذاكرة ريم، تحكي عن مشاهد الأسى والتعذيب الذي تعرضت له من والدها “أبو رجال”، مع شقيقاتها ووالدتها حين كانت تعيش معهن في الغرفة نفسها.

وتروي: “ذات يوم، كنت أنا ومريم منزعجات جدًا. نزلنا سويًا للجلوس في الميناء. فجأة، جاء شاب نعرفه من الحي مع والدته. تركتني وذهبت معه في سيارته، ثم عادت ومعها 20 ألف ليرة لبنانية. كان يجبر مريم على فعل ذلك، حتّى أصبحت عادة لديها”.

أكثر ما يؤلم ريم، هو حين تسمع شبابًا من الحيّ يتنمرون عليهن ويتباهون بقولهم: “نمنا مع بنات أبو رجال “كنت أغضب والدي دائماً” تقول ريم وأن سبب ذلك، أنّها لم تكن ترضخ لطلاباته وابتزازاته.

رغم ذلك لم تسلم منه، حين اضطرت العيش وحدها مع والدها لفترةٍ زمنية في غرفته الأرضية، بعد أن تزوجت شقيقتها وهربت أمّها إلى عكار. تتذكر معاناتها قبل النوم. “في كلّ ليلةٍ، كنت أعيش كابوسًا معه، حين كان يمدّ يده تحت اللحاف، ويقوم بملامستي لمسات غير مريحة، ويتحجج قائلًا: عم نلعب ونتسلى”.

وتقول: “كلّ ما أتمناه، أن أجده خلف قضبان السجن”.

سارة (جعلني إمرأة)

سارة، البنت الكبرى تحكي عن رحلة من المعاناة والظلم لم تنته محملة والدها ذنب آلامها كلّها، منذ طفولتها حتى طلاقها للمرة الثالثة، وكأن الظلم يلاحق ابنتها أيضاً فهي تعجز عن تعليمها، فهي تملك فقط بطاقة تعريفٍ من المختار. وتتأمل بعيداً بنظرة أسى وكأنها تحمل كل هموم الدنيا، وتستمر بالكلام “حتّى الآن، لا تغيب عن ذهني صورته حين قام بالاعتداء عليّ جنسيًا حين كنت طفلة قبل أن أتزوج، في مشهدٍ لا أجرؤ على وصفه، جعلني إمرأة، ثمّ تحولت حياتي لجحيم منذ أن هربت منه مع رجل توفى لاحقًا”، ثم تنظر إلى وتسأل: “شو ناطرنا بعد بسبه؟”.

العام الماضي، قررت سارة أن تأخذ على عاتقها مهمة محاسبة والدها، وحماية شقيقتها، فرفعت دعوى قضائية في محكمة الأحداث ضدّ أبيها، تتهمه فيها بالتحرش بشقيقتها والاتجار بأخرى في الجنس، وبأنّه أول من اعتدى عليها اعتداءً جنسيًا “كاملًا” حين كانت صغيرة قبل أن تتزوج. لكنّها سرعان ما تنازلت عن الدعوى، بعد أن عاشت ضغطًا كبيرًا وخافت من “الفضيحة” التي قد تلحق بهن. ورغم ذلك، ونتيجة طلب الحماية، أصدرت محكمة الأحداث قرارًا بانتقال ريم للعيش مع والدتها وليس مع والدها، كمكانٍ آمنٍ، علمًا أنّ البيتين كانا محاذيين لبعضهما البعض، وهو ما أفقد القرار جديّته وجدواه.

اللقاء مع مريم كان متعثرًا، بسبب حالتها النفسية ومرضها في الأعصاب. وحالتها هذه، نتيجة معاناتها مع والدها بحسب ما أخبرتنا شقيقاتها ووالدتها. علمًا، أنّ مريم هي من قادنا إلى هذه القضية، الفتاة التي كانت جالسة أمام البيت.

الوالدة وسنوات القهر

بعد الاستماع إلى قصص الفتيات، حان وقت اللقاء والاستماع الى كل من الأم والأب. وإن كانت الأم في نظر بناتها ضحيّةً، ولكن كان يحيرنا سؤال جوهري : لماذا لم تحمِ بناتها ؟

استدلينا من ريم عن مكان إقامة والدتها في عكار، والتقينا بها. الوالدة ستينية، تعاني من ورمٍ في الرأس. لم يتعارض كلامها مع كلام بناتها سارة وريم. حكت عن “سنوات القهر”، كما تسميها، التي عاشتها مع هذا الرجل. “خسرتُ حياتي وبناتي بسببه، وكلنا ضحيته”. تعتبر الوالدة أنّ ظروفها الاقتصادية المعدومة، وتفلت بناتها من تحت سيطرتها نتيجة “ضياعهن”، أفقدها القدرة على تأمين الحماية لهن، وكانت كلّ محاولاتها تبوء بالفشل. فـ “حياة بناتي تحولت لجحيم حتّى بعد زواجهن بسبب الضياع والاعتداء الجنسي الذي تعرضن له، وأصبحت مثل المتفرجة العاجزة عن إنقاذهن”.

تروي الوالدة القصص المؤلمة. تتحسر نادمةً لأنها لم تستطع حماية بناتها. وبحسب روايتها، فإنّها كانت تشاهد طليقها “أبو رجال” من شباك منزلها المحاذي لغرفته، يُدخل صبيانًا صغارًا إلى غرفته، حتّى يشاهدوا معه أفلامًا جنسية ثم يقوم بالتحرش بهم. وعن بناتها، “كنت أغضب منه حين يطرد بناتي الصغيرات ليلًا من المنزل، ويقول لهن: روحوا جيبولي مصاري”، تقول: “كان يقوم بتعنيفهن، ويجعل البيت مستباحًا لكلّ رجل أراد الدخول بوجود بناته، إلى أن يتحرش بإحداهن”. قبل هربها إلى عكار بسبب “ألسنة الناس”، على حدّ وصفها، رأت طليقها يذهب مع ريم في سيارة رجلٍ عجوز، وأجبرها على جلوس في الأمام بالقرب منه. وبعد أيام، اتصل هذا الرجل بريم يصرخ معاتبًا: ما عملتي إللي بدّي ياه منك”.

شهود متورطون!

قبل لقاء الوالد، والوقوف على كل الاتهامات الموجهة ضده، كان لا بد من اللقاء بأحد “شاري الجنس” فهم عنصر أساسي في هذه القضية والمتورطون في استغلال الفتيات للإشباع الغرائزي. وصلنا إلى بعضهم من خلال وسيط، بعد أن وعدنا بعدم ذكرالأسماء. كان الحديث متشابهًا. أبو رجال يجذبهم للدخول إلى منزله، ويعدهم بقضاء وقتٍ “ممتعٍ” مع بناته وهذا ما يحدث مقابل أشياء زهيدة يشترونها له من الدكان، سكر، قهوة، شاي، أجبان، خضار، “كله بيمشي الحال” يردد أحدهم.

أرقام الأمن

قصّة “بنات أبو رجال”، اللواتي يعشن في بيئةٍ كانت حاضنة لشتّى أشكال العنف، نتيجة الفقر والحرمان والانفلات الأمني، ليست حالة فرديّة، لكنّها استثنائية جمعت كل أنواع العنف الأسري في أسرى واحدة من سفاح القربى، اتجار بالجنس، تزويج قاصرات، تحرش، تسرب مدرسي ومكتومي القيد. طلبنا من قوى الأمن الداخلي تزويدنا بإحصاءات تتعلق بمثل هذه القضايا، وحصلنا على أرقام قد تعدّ صادمة لعام ٢٠١٨، لكنه من المفيد الذكر إلى أن هذه الأرقام تعود فقط للجرائم المبلّغ عنها، لذا نرجّح أن تكون الأرقام أعلى بكثير. وأدناه ينشر موقع “شريكة ولكن” هذه الإحصائيات للمرة الأولى، وتظهر أن الجرائم التي تحتل المراتب الأولى هي التحرش الجنسي بقاصر 32 حالة أي بمعدل نحو 2,6 حالة شهريًا؛ التحرش الجنسي 23 حالة أي بمعدل حالتين شهريًا، تحرش أب بأولاده 15 حالة أي بمعدل 1,2 بالشهر.

لحظة المواجهة:”أبو رجال” ينكر

أخيرًا، أتت لحظة الحسم مع الوالد، واجهته بالمعلومات والفيديوهات المصورة، آخذةً بعين الاعتبار كلّ الاحتياطات اللازمة وخصوصاً بعد كل ما سمعت عنه. إذ بحسب من يعرفه لا يمكن التنبؤ بردة فعله.

فكانت الصدمة، منذ أن طرقت بابه واستقبلني في غرفته بحذر، أن “أبو رجال” سبعيني، لا يوحي شكله بمضون ما يحكى عنه. فهو هرم، متعب، نحيل وعاطل عن العمل.

استرسل في الحديث عن ظلم الحياة له في فقره ومرضه وعوزه، وأنّه متروكٌ من عائلته. وبعد استفاضته في الحديث، حان وقت سؤاله عن بناته وسؤاله عن الاتهامات الموجهة ضدّه. فجأةً، تحول من رجل “مسكين” إلى شخص آخر غير سوي، مرتبك، غاضب وناكر لبناته.احمرّ وجهه، ارتجفت شفتاه، ارتخى على الكرسي مثل رجلٍ انحلت أعصابه، وكأنه وقع في مصيدة. كان تبريره لغياب بناته عنه هو الآتي: “راحوا لأن ما عندي ماكينة لإلتقاط الإنترنت”. حين أبرزت له مقاطع الفيديو المسجلة من ابنته ريم، تنكّر لها قائلًا: “لأ هيدي منها ريم وهيدا منو صوتها”. بدأ يصرخ بصوتٍ عالٍ رغم محاولات تهدئته. وحين سمع كلام طليقته عنه في فيديو مصوّر، وصفها بـ “الكاذبة”، التي تحرّض بناتها عليه. سألته عن اعتدائه الجنسي على ابنته الكبيرة سارة، فاحتدّ، ورفع يديّه ليطلق دعواته عليها: “الله يغضب عليك يا سارة”. نكر “أبو رجال” كلّ شيء، وكاد أن يُغمى عليه.

عند اللقاء بابنته ريم ذكرت أمرا عالي الحساسية المفاجئ، ويطرح الكثير من علامات الاستفهام، وهو اتهام والدها أنّه كان قبل سنوات، يقوم بإدخال بعض العناصر من حاجز الجيش القديم في الحيّ، إلى المنزل ويطلب منّ أخواتها “مسايرتهم والتودد لهم”. وهذا الأمر لم ينفه عدد من المصادر في الحيّ، بإنّ بعض عناصر حاجز الجيش القديم، كانوا يجلسون بصورة متكررة مع بنات “أبو رجال”، وهم في بزّاتهم العسكرية، وكانوا يدخلون إلى منزلهن، وأنّ رفع “الكلفة” بينهما، كان مثيرًا للعجب. وهو ما لم تنكره الوالدة والوالد لاحقًا.

في المقابل الشيء الوحيد الذي اعترف به الوالد، هو أنّ بعض عناصر حاجز الجيش السابق كانوا يترددون إلى منزله، ولكن بحسب قوله “يدخلون غرفتي لصداقتي معهم ليس أكثر”.

القانون و”أبعاد”

حسب مصدر قضائي طلب عدم ذكر اسمه ، فإنّ نسبة الحالات التي تصل إلى القضاء من ضحايا الاعتداء الجنسي، هي ضئيلة جدًّا مقارنة بآلاف الحالات الموجودة التي لا تصل أو لا تتجرأ أن تطرق باب القضاء. ووفق المصدر، تكمن المشكلة الأساسية في ملاحقة المعتدي، لجهة الصعوبة في “اثبات” التهمة، لاسيما إذا كان الضحية قاصرًا/ةً، مع وجود شرط أن يكون هناك علامة للاعتداء.

أما مسؤولة برنامج الدار في منظمة أبعاد جيهان سعيد فتعلق على الإحصاءات المقدمة من قبل قوى الأمن الداخلي، بأنّها لا ترصد جميع الحالات، وتعطي جزءًا مصغرًا، لأنها تعبّر فقط عن الأشخاص الذين قدموا بلاغًا. ففي أغلب الحالات، “لا تقدم النساء المعتدى عليهن بلاغًا، لاعتبارات اجتماعية والخوف من الفضيحة، ولعدم ثقتهن بأنفسهن، خصوصًا أنهن يخشين من خروج المعتدي من السجن بعد سنوات قليلة، فيما الوصمة تبقى ترافقهن أكثر من الرجل، ولأنّ العقوبات لا تزال مخفضة مقارنةً مع الأذى الذي يلحق بالضحيّة”.

وتعليقًا على قضية “بنات أبو رجال”، تعتبر سعيد أنّه حين يكون المعتدي هو الوالد، تصبح المشكلة مضاعفة. لأن الوالد “ليس مصدر السلطة بالنسبة للطفل فحسب، وإنما هو أيضًا مصدر الدعم والأمان والحماية. وعندما يكون هو المتحرش، يكسّر كلّ قواعد الحماية وأسسها في العائلة”. وفي حال استمر الإعتداء لسنوات، وتطور لإبتزاز وإستغلال القاصر واستدراجها للإستفادة من تواجدها لدواعي عمل جنسي أو تزويجها مقابل المال، تصبح سلعة للمتاجرة. أمّا مساعدة هذه الحالات، فتكون من خلال مؤسسات اجتماعية مختصة.

المصير المظلم

حتّى الآن، لا يزال مصير “بنات أبو رجال” مظلمًا، وهنّ لم يتوقفن بعد عن دفع ثمن ما فعله والده بهن. سارة الحزينة والمكسورة، تعيش مع والدتها المريضة، لا تجد من يتدبّر شؤون طفلتها. مريم تنتظر وضع طفلها من زوجها الثاني وهي في حالةٍ عصبيّة غير مستقرة. هناء بعيدة عن شقيقاتها لا تعرف شيئًا عنهن ولا يعرفن شيئًا عنها. أمّا ريم “الضائعة”، كما تصفها سارة لدى سؤالها عنها بعد انقطاع التواصل معها، فقد عادت إلى غرفة والدها “أبو رجال” الغاضب من “فضح” أمره، معقل ظلمها الأول، والحكايا التي لا تنتهي.

وعليه، نضع كلّ هذه المعطيات بين يدي السلطات والجهات المختصة، لاتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل حماية الشقيقات، ومحاسبة الوالد. 

 المدن 







مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!