الاكتئاب يهدد 40% من الفتيات على مواقع التواصل
وأثبتت الدراسة علاقة قوية بين الشعور بالكآبة والأمراض النفسية الأخرى، وبين قضاء وقت أطول على الصفحات الإلكترونية. وكان من بين الأعراض الوقوع ضحايا لظاهرة التنمر، وعدم القدرة على النوم، وعدم الثقة في النفس، وفي المظهر الجسماني، وكلها أعراض تؤدي إلى الكآبة ويعاني منها ثلاثة أرباع الفتيات اللاتي يقضين خمس ساعات أو أكثر على صفحات التواصل الاجتماعي. وكشف البحث، عن أن الفتيات يقضين وقتاً أطول على صفحات التواصل مقارنة بالفتيان، وأن أعراض الكآبة تنتشر بينهن كلما زاد استخدامهن التواصل الاجتماعي.
وحذرت خبيرة أطفال أخرى اسمها آن لونغفيلد من أن أطفال في سن التاسعة أصبحوا مدمنين لعدد «اللايكات» التي تصل على ما يرسلونه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويصيبهم القلق من مكانتهم الاجتماعية على صفحات التواصل. وتتأثر صورة هؤلاء عن أنفسهم مقارنة بالشخصيات التي يتابعونها على «سناب شات» و«إنستغرام»، حيث يشعرون بعقدة النقص تجاه هؤلاء. وقالت وزيرة الظل البريطانية باربرا كيلي، المسؤولة عن الصحة العقلية: إن شركات التواصل الاجتماعي عليها مسؤولية حماية الصغار الذين يستخدمون صفحاتها.
بدوره، قال متحدث من خدمة الصحة الوطنية البريطانية: «إن استنتاجات هذا البحث تضيف إلى دلائل متزايدة مما سبق لنا التحذير منه، خصوصاً العلاقة الوثيقة بين وسائط التواصل الاجتماعي وبين الصحة العقلية للصغار، وأن هذا الأمر يجب أن يؤخذ بجدية». وطالب المتحدث شركات التواصل الاجتماعي بأن تتحمل مسؤولياتها لمساعدة الصغار في المحافظة على صحتهم النفسية بدلاً من ترك المشكلات تتراكم إلى درجة تدخل السلطات الصحية لحلها.
وتقول البروفسورة إيفون كيلي، المشرفة على البحث: إن الفتيات يعانين من هذه الظواهر أكثر من الفتيان. وأبدت كيلي قلقها من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على سلوك الفتيات الذي يؤدي أحياناً إلى أفكار انتحارية وإلى ايذاء النفس.
وكشفت الدراسة، عن أن الفتيات يقضين وقتاً أطول من الفتيان في تتبع صفحات التواصل الاجتماعي، وأنهن أكثر عرضة للكآبة نتيجة تفاعلهن من صفحات «إنستغرام» و«فيسبوك» و«تويتر» و«واتساب». وظهرت أعراض الكآبة على 40 في المائة من الفتيات اللاتي يقضين خمس ساعات أو أكثر على مواقع التواصل، مقابل ظهور هذه الأعراض على 20 في المائة فقط من الفتيان. ولا يستخدم 10 في المائة من الفتيان وسائل التواصل الاجتماعي بالمرة مقابل 4 في المائة فقط من الفتيات.
وتزيد بين الفتيات أيضاً أعراض الوقوع ضحايا التنمر الإلكتروني أحياناً بنسبة الضعف، بالإضافة إلى عدم القدرة على النوم والشعور بالإحباط. وقال خبراء البحث: إن عدم القدرة على النوم كانت بسبب السهر إلى ساعات متأخرة على مواقع التواصل الاجتماعي والإزعاج الصادر من صوت وصول رسائل الجوال أثناء ساعات الليل.
وفي إحدى الحالات البارزة في البحث، شرحت الفتاة شانون ماكلوخلين كيف تأثرت بوسائل التواصل الاجتماعي إلى الدرجة التي أصابتها بالكآبة والقلق. وقالت: إن الحقيقة هي أن الناس تشارك فقط بالأخبار الإيجابية على صفحات التواصل الاجتماعي، ومن دون التعرض للجوانب السلبية. وأثر ذلك عليها عندما كانت تعاني من مشكلات الصحة العقلية.
وبينما كانت شانون تعاني من مشكلاتها الشخصية كانت ترى عبر صفحات «إنستغرام» و«فيسبوك»، أن الجميع يعيش في سعادة واستقرار مع الاستمتاع بالحياة؛ مما جعلها تشعر بالتعاسة أكثر. وأضافت شانون: «لقد أشعرني الجميع بأنني ارتكب أخطاء ما لا أعرفها». فقد كانت تشعر طوال الوقت بخلاف ما يشعر به الآخرون.
ولم يقتصر الضرر على الجوانب العقلية، بل تخطاها أيضاً إلى الجانب الجسماني بعد مشاهدة فتيات بأجسام رشيقة لا يمكن تحقيقها في الواقع تنهال عليهن تعليقات الإعجاب. وعلى رغم أن شانون لم تكن بدينة، فإن المشاهد أثرت عليها سلبياً، وعلى الصورة التي تنظر من خلالها إلى نفسها. وزاد من سوء الوضع رسائل يومية يبعث بها «المؤثرون» حول كيفية اتباع الحمية الصحيحة من أجل خفض الوزن.
وتقوم شانون الآن بعمل تطوعي من أجل توعية الفتيات الأخريات. كما أنها تشارك في جمعيات خيرية تقابل فيها أصدقاء حقيقيين دعموا ثقتها في نفسها. وهي تنادي على الشباب بالانتقال من العالم «السايبر» إلى العالم الحقيقي، حيث التفاعل الإنساني الواقعي أفضل بكثير من مئات الأشخاص الذين نريد أن نثير إعجابهم في العالم الافتراضي من دون أي روابط بيننا وبينهم، على حد قولها.
وربط البحث بقوة بين إدمان متابعة صفحات التواصل الاجتماعي وبين الأعراض السلبية على الصحة العقلية وضعف الثقة.
وقال البروفسور السير سايمون ويزلي، الرئيس السابق للجمعية الملكية لعلم النفس: إن الباحثين لم يربطوا تماماً بين التواصل الاجتماعي وضعف الصحة النفسية، لكن الدلائل تشير بقوة في هذا الاتجاه.
من نتائج البحث أيضاً، أن الفتيات المصابات بالكآبة غير راضيات عن مظهرهن العام، وتزيد نسبة هؤلاء غير الراضيات عن وزنهن مقارنة بالفتيان، على مرتين ونصف المرة. وطالب وزراء في الحكومة البريطانية، بالإضافة إلى المدير التنفيذي لخدمة الصحة الوطنية، سايمون ستيفنز، بأن تبذل وسائط التواصل الاجتماعي جهداً أكبر لتحديد الوقت الذي يقضيه الصغار على الشاشات في متابعة المواقع. واقترح ستيفنز فرض ضريبة على هذه الشركات تذهب عوائدها إلى خدمة الصحة الوطنية من أجل تعويض كلفة علاج الأطفال الذين يعانون من مشكلات الكآبة والقلق والتوتر العقلي.
ومع ذلك، حذرت دكتورة الصحة النفسية نيهارا كراوس من توجيه اللوم إلى وسائط التواصل الاجتماعي وحدها على مشكلات الصحة النفسية التي تصيب من هم دون الثامنة عشرة من العمر، وقالت: إن الكآبة وسوء الصحة النفسية تنتج من الكثير من العوامل الأخرى التي تشمل عناصر بيولوجية ونفسية واجتماعية.