من المختارة.. رسائل استياء وتحذير
هدأت بتشكيل الحكومة كل الجبهات السياسية إلا جبهة وليد جنبلاط لا تزال مشتعلة بالتصاريح التي تعبّر عن عدم رضى البيك على مسار عدد من الأمور. قبل التأليف بساعات “غرّد” وليد جنبلاط مهاجماً عقوداً وقّعتها وزارة الطاقة والمياه في معمل دير عمار ومصفاة البداوي، ليطلق موقفاً آخر من الفساد عقب التأليف وأخذ الصورة التذكارية للحكومة التي تضمّ وزيري الإشتراكي أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، ثم فجّرها لاحقاً بعد إجراء تأديبي في الأمن الداخلي قائلاً “يريدون الانتقام منا بإزاحة العقيد ملاعب”.
قضية الضابط الدرزي الموضوع بتصرّف القيادة الأمنية للتحقيق ليست السبب الوحيد لعدم رضى جنبلاط في الفترة الأخيرة خصوصاً أن الإجراء لم يشمل ضابطاً من طائفة واحدة بل أكثر من ضابط من الطوائف السنية والمسيحية أيضاً، فهناك جملة عوامل تجعل وليد جنبلاط غير مرتاح للمسار السياسي الجديد مع كل ما رافق عملية التأليف حتى اليوم.
حصل الحزب الإشتراكي على وزارتَي الصناعة والتربية بالاتفاق والتراضي مع رئيس الحكومة، وتنازل عن الدرزي الثالث لرئيس الجمهورية على قاعدة أن جنبلاط لا يريد أن يقف حجر عثرة في طريق حكومة سعد الحريري، لكنه رفض تقديم تنازلات إضافية عندما جرى حشر الرئيس سعد الحريري في الربع ساعة الأخير فحصل التنازل من “كيس” القوات وأنجزت الحكومة.
لدى وليد بيك قناعة بأن التسوية الدرزية التي سار بها إرضاء للعهد ولرئيس الحكومة وكي لا يُتهم بالعرقلة أتت لغير صالحه، فوزير النازحين صالح الغريب ثبت بسرعة أنه في اصطفاف سياسي غير محايد معلناً الانحياز بسرعة إلى دارة خلدة.
يشعر وليد بيك أنه مكبّل من عدّة جهات فهو بتنازله السياسي كمن أحضر الدب إلى كرمه، وهو بات محاطاً بوزيرين في الجبل، فالوزير الدرزي الثالث يلعب في غير ملعبه ووزير التيار الوطني الحرّ الذي نبت فجأة في وزارة المهجرين مناضل من الرعيل العوني وحائز على 4100 صوتاً تفضيلياً في الانتخابات النيابية التي شهدت مواجهة حادّة بين التيار ولائحة الحزب الإشتراكي.
وعليه فإن زعيم المختارة يبدو محاصراً بين قضيتين، فهناك الجبهة الدرزية وتقارب المير طلال إرسلان من جهة ورئيس حزب التوحيد وئام وهاب، وهناك الحلف السياسي بين بعبدا والسراي والتيار الوطني الحر وأسوأ ما يُمكن أن يشعر به وليد جنبلاط انه فاقد السيطرة والتأثير مع سعد الحريري وقد بدا أن سعد الحريري كان أقرب إلى التيار وحزب الله في عملية التأليف من جنبلاط وسمير جعجع.
الهجوم من المختارة يحصل “على الناعم” على العهد والتيار بتخطيط وعملية ممنهجة، يقول عارفون بما يجري في المختارة إن جنبلاط لم يهضم قبل فترة دعوة الشيخ ناصر الدين الغريب إلى القمة الاقتصادية العربية من قِبل قصر بعبدا ويستشعر أن هناك التفافاً غير طبيعي لتعويم حالة طلال إرسلان السياسية بلجوء الأخير إلى القضاء في قضية مقتل أحد مناصري الحزب الإشتراكي علاء أبو فراج وعرض العضلات “الإرسلانية” من قصر العدل، ولهذا لجأ جنبلاط إلى التغريدات ليرسل إشارات تحذيرية تُظهر معالم استيائه، فهناك من تجرأ على توقيف ضابط في اليوم الأول لانتهاء عملية التأليف الأمر الذي وضعه الزعيم الدرزي في خانة الانتقام السياسي منه، فالأرجح أن المعركة المقبلة لن تكون بين جنبلاط والحريري على خلفية هذا القرار لأن جنبلاط ليس قادراً على فتح كل الجبهات دفعة واحدة ولا يُمكن في أي ظرف أن يصبح جنبلاط خصماً للحريري أو لفريق في الأمن الداخلي ومعروف وقفته التضامنية مع اللواء عماد عثمان في حادثة الجاهلية.
وليد بيك ليس بخير سياسياً ويتطلّع إلى أبعد من المرحلة الحالية ويحسبها جيداً، فالحكومة الجديدة هي حكومة الانتخابات المقبلة ومعركة الشوف وعاليه ستكون بدون شك أقسى من سابقتها بكثير.