خلال أقل من شهر… صيد قطين بريين نادرين في لبنان!
سوزان أبو سعيد ضو
على الرغم من التعديات المتتابعة التي تطاول الطبيعة اللبنانية، لا زال توازن النظم البيولوجية في لبنان يغدق عليها غنى وحيوية واستدامة، إلا أن ما نشهده حاليا من تجاوزات فادحة، تطاول كافة المناطق اللبنانية، وناتجة عن أسباب عدة، ولا سيما الجهل والجشع والتمدد السكاني والعمراني قد تؤدي وقبل أن نشعر إلى تدهور خطير قد يطاول انقراض الأنواع، كما ويهدد الموائل الطبيعية والحياة البرية في بلادنا، وقد يشكل تهديدا خطيرا على حاضر ومستقبل لبنان ومواطنيه من بشر وحيوانات ونباتات.
تعديات كارثية
وتتنوع التعديات على الحياة البرية، ومنها ما أصبح شائعا على وسائل التواصل الإجتماعي، إذ يتابع أشخاص يطلقون على أنفسهم صيادين، في اقتناص الحياة البرية من حيوانات وطيور على أنواعها، وهو ما شهدناه مؤخرا، من تعديات طاولت السلسلة الغذائية البرية من قمتها إلى قاعدتها، فقد سجل خلال الأشهر السابقة قتل ضباع، وثعالب، وأبناء آوى، ولم تسلم حتى القطط البرية النادرة من الإعتداءات ولا القنفذ (النيص)، وغيرها كثير، من المؤكد أن حالات كثيرة لم تصلنا كون الكثير من التعديات يتشارك بها البعض في مجموعات تواصل خاصة لأشخاص يمارسون هذه الجرائم الخطيرة بحق الطبيعة، متباهين بهذه الأفعال المنكرة.
توثيق حالتي قتل قط بري
وقد نشر الناشط البيئي والعضو في جمعية ” حماية الطيور في لبنان” Association for Bird Conservation in Lebanon روجيه سعد، على صفحته الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، نصين أولهما صورة لقط بري، وأشار في حديثه لـ “إليسار نيوز” إلى أن الصورة وصلته في 30 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وقد توالت التعليقات على الصورة ومنها من خبير في هذا المجال، أشار إلى ان هذا الحيوان هو قط بري ونوعه Felis silvestris.
وأشار سعد أنه تواصل مع الشخص الذي يظهر اسمه على الصورة ج.ر.، وقد طلب من سعد إزالة الصورة والنص، مؤكدا أنه لم يصطد هذا الحيوان بل هو محنط للحيوانات Taxodermist، إلا أن ناشطين بيئيين من مجموعة “Lebanese Wildlife، تمكنوا من تزويدنا بصور من موقعه الخاص على موقع التواصل الإجتماعي “إنستاغرام” قبل أن يجعله “خاصا” Private، تظهر أنواعا مختلفة من الحيوانات التي تم اصطيادها، لذا على المعنيين التحقيق في هذا الأمر، والتأكد من قيامه شخصيا، أو أن يعطي معلومات عن الصياد الذي قام بهذا.
والنص الثاني ونشره سعد في 26 كانون الثاني/يناير 2019، مؤكدا أنه وصله منذ أكثر من أسبوعين، أظهر صورة لشخصين لم يتم التعرف عليهما وقد اصطادا قطا بريا، وكتب فيه: ” الاجرام اليومي مستمر.. الفرقعجية بجرد الهرمل، تعدي واضح على الثروة البرية قتل الهر البري النادر والتباهي بالعمل الشنيع ونشره على صفحات التواصل الاجتماعي، لا لقتل الحيونات البرية، برسم القوى الامنية” وختم النص بوسوم (هاشتاغات) #felis_sylvestris(وهو الإسم العلمي للقط البري)، “وقف الصيد غير القانوني” #stopillegalhunting، “جمعية حماية الطيور في لبنان” #ABCL، #قط_بري، و#ممنوع_صيد_الحيوانات_البرية_النادرة“.
أبي سعيد
وقد تواصلنا مع المحاضر في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم، البروفسور منير أبي سعيد وأكد أن هذا القط البري هوFelis silvestris موطنه لبنان، وهناك نوعين موجودين غيره، وهي الكاراكال وقط المستنقعات، تطاولها التعديات المختلفة، وتتسبب بتناقص أعدادها بصورة كارثية”، وأردف “نتابع في الجامعة اللبنانية، أبحاثا عدة ومتنوعة حول توثيق التنوع البيولوجي للثدييات في لبنان، والمخاطر والتعديات التي تطاولها، وسبل حمايتها فضلا عن دراسة أماكن تواجدها وتكاثرها ومجالات بحثية علمية واسعة أخرى مختصة بهذه الحيوانات”.
أسطه
وقال الناشط البيئي والباحث المستقل ماهر أسطه: “يوجد في لبنان ثلاثة أنواع من القطط البرية، وقد شاهدتها خلال تجوالي في المناطق اللبنانية، وهي مشاهدات نادرة للغاية، أي أن أعداد هذه الحيوانات قليلة، وهي “القط البري الأفريقي” African Wild Cat واسمه العلمي (Felis Silvestris Lybica)، “الكاراكال” Caracal، و”قط المستنقعات” Swamp Cat واسمه العلمي Felis chaus، وكافة هذه الحيوانات وغيرها من الحيوانات اللاحمة، تتعرض للتعديات بصورة غير مسبوقة، وتتناقص أعدادها باضطراد، ونحاول مع ناشطين الحد من هذه التجاوزات والعمل على التوعية بالحفاظ عليها”.
وأشار أسطه إلى أن “القط البري يعتبر من الحيوانات المفترسة الرئيسية (apex predators )، أي في أعلى المراتب بالهرم الغذائي وهنا تكمن اهميته للطبيعة، اذ يعتبر العدو الأول لفئران الحقل التي تفتك بالمزروعات خصوصا بأشجار التفاح بجرود لبنان، وهو كذلك العدو الأول لحيوان ابن عرس الذي يفتك بالأرانب البرية البالغة منها وحديثة الولادة، ومن هنا يجب على الجميع ان يعلم ان انخفاض أعداد هذه الحيوانات وتهديدها بخطر الإنقراض، يعني احداث خلل كبير بالسلسلة الغذائية ما يجعل الآفات الزراعية تتكاثر لدرجة تجبر المزارع ان يستعمل السموم الكيميائية للحفاظ على مزروعاته وهذا الأمر يسبب ضرراً مباشراً على صحتنا وصحة اولادنا”.
يونس
من جهته قال رئيس جمعية الـجنـوبـيـون الـخضـر Green Southerners الدكتور هشام يونس لـ “إليسار نيوز”: للأسف لم يزل التعاطي مع القتل العبثي المتواصل للحيوانات البرية من طيور وثديات وضوارٍ لا يحظى بالإهتمام الذي يستوجبه الأمر، فالعدد الموثق من الضباع المخططة، على سبيل المثال، التي جرى قتلها خلال الأشهر القليلة الماضية مخيف، وهو يقارب 20 وهو رقم كبير للغاية ويدعو إلى القلق، ويستدعي التحرك، خصوصا وأننا نتحدث عن أنواع معرضة للأنقراض، وهو ما يقلل من التنوع البيولوجي، ويعرض السلسلة الغذائية للتهتك، وتوازن النظام البيئي للإختلال وهو ما يصيب بدوره إنتاجيته وإستدامته، وهذا الأمر يطاول ويهدد بشكل مباشر المجتمعات المحلية في بيئتها، ويجعلها عرضة للتحديات المختلفة، وأقل قدرة على مواجهتها، ما يؤثر على وفرة إنتاجية الأراضي وجودة التربة والمياه والهواء”.
التغير المناخي
وتابع يونس: “إن هذا القتل المفتوح للحيوانات بشكل غير قانوني وغير اخلاقي، يفاقم من تحديات التغير المناخي، نتيجة للدور الذي تلعبه الأنواع المستهدفة في صحة وتوازن النظم البيئية، وهو ما يجعل هذه النظم أكثر عرضة للكوارث الطبيعية، وأقل قدرة على مواجهتها. وفقدان هذه الحيوانات يقاس بمدى نشاطها، وهو أمر بحاجة إلى تقييم يجمع عوامل أخرى متزايدة أيضا، مثل إنحسار الموائل نتيجة سوء التخطيط الحضري والتمدد الإسمنتي، وأيضا إستخدام الأراضي ذات الأهمية البيولوجية بتنوعها لأغراض زراعية، بالاضافة إلى التلوث بأشكاله المختلفة الذي تخلفه الانشطة البشرية ومن بينها استخدام المبيدات الزراعية ،وفائض الأسمدة الزراعية وغيرها”.
مخاطر عدة
ولفت إلى أن “موضوع قتل القطط البرية الذي جرى تناقله في الاسبوعين الماضيين، يأتي في هذا المسار المتدهور لحالة البرية اللبنانية والانتهاكات الكارثية الذي تتعرض له، وقد اثرت العاصفة الثلجية الاخيرة، والتي استمرت أياما على وفرة الطرائد، ودفع بأنواع عدة إلى الاختباء او الانتقال بحثاً عن طريدة أو ملجأ، ولعل هذا ما أسهم بتكاثر المشاهدات للضواري وغيرها من الحيوانات في محيط العديد من البلدات، وساهم في ذلك المكبات العشوائية المنتشرة، وهو ما جعلها أكثر عرضة للقتل، علماً ان اقتيات الحيوانات من هذه المكبات يعرضها لمخاطر التلوث، نظرا لاختلاط النفايات العضوية بغير العضوية والمواد السامة والنفايات الطبية”.
وتابع يونس: “هذا يضاف إلى تداعيات هامة للتغير المناخي، أثرت على سلوك الحيوانات ولم تحظى بالتقييم اللازم إلى الآن، أولا: تأثير التغير الذي على طول ومواعيد الفصول ، من قبيل طول ارتفاع حرارة الصيف وطول فترة الجفاف، وأثر هذه التغيرات على الدورة الطبيعية للأنواع وقدرتها على التكيف، مثل مواعيد هجرة الطيور أو تزاوج أنواع مختلفة من الثديات والطيور وتعشيش السلاحف البحرية على سبيل المثال ، وثانيا: في تبدل مواقع الموائل بالنظر إلى تبدل الحرارة، وهو ما اثر على وفرة الأنواع النباتية والحيوانية، المنتجات منها والمستهلكات، الطرائد والمفترسات، وبالتالي على سلوكها وعلاقتها فيما بينها ضمن الشبكة الغذائية للنظم البيئية، هذا فضلاً عن الأنشطة العدائية الاسرائيلية والتداعيات البيئية الخطيرة التي أحدثها الجدار الذي أقامه الاحتلال على الحدود مع فلسطين، وأثر ذلك على حركة الأنواع، ووفرة الطرائد، إضافة إلى عامل الحرب في سوريا والذي دفع بانتقال اعداد من الحيوانات وبعضها قد يكون دخل المناطق اللبنانبة”.
مناشدة
ومن جهتنا في “إليسار نيوز”، نضع هذا المقال والصور المرفقة بعهدة المعنيين من وزارات خصوصا البيئة والداخلية والبلديات، والعدل، والجمعيات البيئية في لبنان، لتطبيق قانون الصيد البري، الذي يمنع المس بهذه الحيوانات، وملاحقة الجناة وصولا لتطبيق عقوبات رادعة، تمنعهم وغيرهم من التمادي في التعديات على الحياة البرية.