فرنسا لإسرائيل: لا تضربوا لبنان قبل تشكيل الحكومة
وسط توقعات بأن يكون هذا الاسبوع حاسماً على مستوى مصير المحاولة الجديدة لإنجاز الاستحقاق الحكومي، فإمّا تأليف الحكومة وإمّا استمرار الدوران في دوامة التعقيد، طغت المواقف التي أعلنها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في حواره المتلفز مع قناة «الميادين»، على كل الاهتمامات في عطلة نهاية الاسبوع، واجمع كثير من المراقبين على التأكيد انّها رسمت خريطة طريق حول طبيعة المرحلة المقبلة لبنانياً واقليمياً ودولياً، لما تضمنته من معلومات ملفتة، ومقاربات للقضايا المطروحة. فهي في شقّها اللبناني تميّزت بالهدوء والاعتدال والدعوة الى التوافق حول تأليف الحكومة، وكذلك حيال النهوض بالدولة ومكافحة الفساد. أما في شقّها الاقليمي والدولي، فعكست انّ الوضع على حدود لبنان الجنوبية وفي سوريا والمنطقة مفتوح على احتمالات شتى. إذ انّ السيد نصرالله لم يُسقط احتمالات اندلاع حرب أو حروب، وفي الوقت نفسه استبعدها، معتبراً أنّ محور «المقاومة والممانعة» قد انتصر وسيبني على الشيء مقتضاه في أي تطورات يمكن ان تشهدها المنطقة.
كان اللافت في كلام السيد نصرالله، الايجابية التي توجّه بها الى الرئيس المكلّف سعد الحريري، و«الجهود الجدّية» المبذولة الآن على خط التأليف، وكذلك تشديده على ضرورة تأليف الحكومة، آملاً ان تُسفر هذه الجهود عن اتفاق على التشكيلة الوزارية التي قال إنّ ما يعوق ولادتها موضوعا تمثيل «اللقاء التشاوري» السنّي، وتبديل بعض الحقائب. لكن نصرالله اعتصم بالحذر من دون أن يجزم بحصول هذا الاتفاق، مستعيناً على ذلك بالدعاء.
وقالت مصادر مطلعة على حركة اللقاءات التي عُقدت في العاصمة الفرنسية، انّ لقاء عُقد ليل امس بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل قبل ان يعودا في الساعات المقبلة الى بيروت.
وقالت هذه المصادر انّ جعجع، ارجأ بدوره عودته الى بيروت الى وقت لاحق.
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ لقاء الحريري وباسيل مساء الجمعة الماضي لم يكن ناجحاً، لأنّ باسيل إصرّ على إعادة النظر في بعض الحقائب الوزارية في انتظار ما سيؤول اليه اللقاء بين الحريري وجعجع في اليوم التالي، اي السبت، والذي على ما يبدو أنّه لم يكن ناجحاً. إثر فشل محاولة التبادل بين حركة «أمل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» و«التيار الوطني الحر»، حيث شمل الإقتراح في شأنها مقايضة وزارة البيئة لمصلحة «التيار» بوزارة الصناعة لحركة «أمل» ووزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية للحزب «الاشتراكي».
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»، انّ باسيل اقترح على الحريري استعادة الوزير المسيحي من حصّة الحريري وإعادة الحقيبة السنّية اليه، ما لم ينجح تبادل الحقائب، وهو ما رفضه الحريري على اساس انّ اي تعديل من هذا النوع سيعرّض التشكيلة الأخيرة لما يُشبه لعبة «الدومينو»، والتي يمكن ان تنسف التفاهمات السابقة.
الحوار مستمر
وقالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية»، انّ البحث الجاري لم يصل الى اي نتيجة ايجابية. لكنّها أكّدت انّ الحوار مستمر بين المعنيين بالعِقَد الحكومية، وهي تتناول اقتراحات قديمة تمّ إحياؤها مجدداً وأخرى جديدة.
ورداً على سؤال عمّا يعوق مساعي رئيس الحكومة قالت المصادر،»إنّ الأيام القليلة المقبلة ستكشف كثيراً من الحقائق التي لا بدّ من ان يُشار اليها إيضاحاً لكل ما جرى حتى الآن».
وكان الصمت لفّ أمس مختلف الاوساط السياسية انتظاراً لنتائج لقاءات باريس التي لم يرشح منها اي شيء جدّي بعد، ما دفع بعض الاوساط السياسية الى التشاؤم، معتبرة، انّ التكتم السائد يدل الى أنّ تلك اللقاءات لم تحقق بعد اي نتائج ملموسة.
لكن مصادر معنية بتأليف الحكومة دعت الى عدم الاستعجال والتشاؤم، في انتظار عودة الحريري اليوم وما سيصدر عنه والتحرّكات والاتصالات التي يجريها، علماً انّ مهلة الاسبوع لتأليف الحكومة التي كان حدّدها الاسبوع الماضي تنتهي غداً الثلثاء.
وتوقعت مصادر «التيار الوطني الحر» ان يكون هذا الاسبوع «اسبوع الحسم» بالنسبة الى مصير الحكومة العتيدة. وأكّدت لـ«الجمهورية»، انّ اللقاء الثالث بين الحريري وباسيل امس يدل الى انّ «الاجواء تميل الى الايجابية بالنسبة الى الحكومة وليس الى السلبية كما يُشاع».
وأدرجت المصادر الاجواء السلبية التي بدأت تُضخ امس «في اطار التشويش ومحاولة الضغط على المسار الايجابي».
واشارت الى انّ باسيل سيكون في بيروت اليوم وعلى جدول اعماله سلسلة اجتماعات ابرزها مع سفير روسيا الكسندر زاسبيكين ومع وزير الزراعة في صربيا.
صمود «التفاهم»
على صعيد آخر، لفتت المواقف التي خاطب السيد نصرالله بها مباشرة رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير باسيل موجّهاً رسائل ايجابية اليهما، ومؤكّداً صمود تفاهم «مار مخايل» على رغم كل شيء».
وجاءت هذه المواقف بمثابة جرعة ضرورية بدا أنّ الطرفين في حاجة اليها، خصوصاً بعد شريط التوترات على خط بعبدا-الضاحية، وتمثّلت آخر جولاته في الأزمة الجدّية التي أحدثها الخلاف على تمثيل نواب «اللقاء التشاوري» ودخول «جيوش إلكترونية» على الخط واشتعال منصّات التواصل الاجتماعي بتعليقات «الفتنة» و»التمنين المتبادل» بمواقف سابقة.
وتلقفت مصادر في «التيار الوطني الحر» مواقف نصرالله بايجابية أكبر، من خلال التأكيد أنّ في كافة مراحل «التصادم» في الرؤى حول بعض الملفات الداخلية مع «حزب الله» إن كان حول التمديد سابقاً لمجلس النواب، أو التمديد لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي وصولاً الى قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة حالياً، فإن «تفاهم مار مخايل» لم يوضع ولو للحظة واحدة على الطاولة للنقاش أو «إعادة النظر».
واشارت هذه المصادر، الى أنّه «على رغم من المناخات التي كانت توحي أحياناً بالصدام المباشر، فإن خطوط التواصل لم تنقطع يوماً بين الرئيس عون والسيد حسن نصرالله»، مشيرة الى «أنّ «الثناء» الواضح الذي أبداه السيد نصرالله حول مواقف عون وباسيل في القمة العربية، وتذكيره بفحوى تسريبات «ويكليكس» والمواقف في «حرب تموز»، لا يعكس سوى القرار الثابت على أعلى مستوى من جانب الرئاسة الأولى، بأن عونّ قبل بعبدا وبعدها هو ميشال عون ولم يتغيّر، والتزاماته ليست موسمية».
وقالت المصادر في هذا السياق انّ «ما ينتظره «التيار الوطني الحر» بعد تشكيل الحكومة هو مزيد من التنسيق والتعاون مع جميع الأفرقاء، وخصوصاً «حزب الله»، لأننا نعتبره أحد شركائنا الأساسيين في معركة، سبق للسيد نصرلله أن أكّد أنّه سيخوضها بالمباشر بعد تشكيل الحكومة وهي محاربة الفساد».
الموقف الاسرائيلي
من جهة ثانية، تفاعلت في إسرائيل مواقف السيد نصرالله في شقّها المتعلق بالأنفاق على الحدود وبالاوضاع في سوريا والمنطقة، وتحذيره الاسرائيليين من الاقدام على اي عدوان تحت طائلة الرد عليه. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته، انّ «الامين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله خرج عن صمته، وهو مُحرج جداً بسبب النجاح الهائل الذي حققته عملية درع الشمال».
وأضاف نتنياهو رداً على مواقف نصرالله: «أولاً، في غضون ستة أسابيع حرمناه تماماً من هذا السلاح. ثانياً، نصرالله يعاني من ضائقة مالية، لأنّ العقوبات المفروضة على إيران تضرّ بمقدار كبير بتمويل إيران ومن يحوم في فلكها وفي مقدمهم «حزب الله». ثالثاً، بسبب التصميم، فقد تصدّت لـ»حزب الله» القوة المميتة للجيش الإسرائيلي، وصدقوني أن لدى نصرالله أسباباً وجيهة لتجنّب قوة ذراعنا».
وفي الاطار، قال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز: «لقد سمعنا في الأمس نصرالله ضعيفاً «يتأتئ» لثلاثة أسباب: إنه مُحرج من اكتشاف الانفاق، وقد فشلت جهوده في حيازة الصواريخ الدقيقة من إيران، والعقوبات المفروضة على إيران تطلبت تقليصات في الموازنات الممنوحة لـ»حزب الله». لقد رأينا نصرالله ضعيفاً لأنّ اسرائيل تمكنت من حرمانه من الأنفاق والتهديد الصاروخي».
فرنسا تستأخر الهجوم
وقالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، إنّ فرنسا طلبت من تل أبيب أن لا تستعجل في القيام بأي هجوم ضد لبنان، قبل تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة.
وذكرت الصحيفة، أنّ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، طلب من الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال زيارته فرنسا الأسبوع الماضي، أن لا تتعجل تل أبيب في توجيه ضربة عسكرية للبنان.
ونقلت عن لودريان، أنّ هذا الطلب قُدّم للرئيس الإسرائيلي عقب تهديداته للبنان ولـ«حزب الله»، حيث حمّل السلطات اللبنانية المسؤولية عن تسليح «حزب الله»، وأن تل أبيب لا تفرّق بين الحزب والحكومة.
وزعمت «معاريف» نقلاً عن لودريان، أنّ فرنسا توقفت أخيراً عن تقديم المساعدات للجيش اللبناني، كذلك الغى الرئيس إيمانويل ماكرون زيارته التي كانت مقررة إلى لبنان الشهر المقبل. قائلاً: «نحن ندين بشدة شحنات الأسلحة من إيران إلى الجناح العسكري لحزب الله».
وأضاف: «لن يكون هناك شيء أسوأ من تجديد قدرات إيران النووية، وقد يشجع ذلك بعض القوى المعارضة للاتفاق على استغلال ذلك والعودة إلى منطق انتشار الأسلحة النووية لتحسين وضعها السياسي». وأشار إلى أنّ فرنسا طالبت إيران بأن توقف «نشاطها لزعزعة استقرار المنطقة برمتها بطريقة يمكن أن تعرّض أمن إسرائيل للخطر».