بلدية الحدت على الشاشة الفرنسية: طردنا السوريين!
جورج حداد يتحدث على القناة الفرنسية
خُصّصت الحلقة الاخيرة من برنامج Enquête Exclusive في قناة M6 الفرنسية للحديث عن لبنان حيث تم التطرق خلالها إلى شتى المواضيع: الانفلات الأمني، مكانة المرأة السياسية والاجتماعية، شبح الحرب الأهلية، الحدود الجنوبية والشرقية، تجارة السلاح، النشاط العمراني، مطامر النفايات، مع التركيز على ليالي بيروت الصاخبة.
الهدف كان إبراز صورة لبنان الذي تتساكن فيه الفوضى جنباً إلى جنب مع الحياة الطبيعية، وذلك في البرنامج الفرنسي الذي انطلق في العام 2005 وعرف نجاحاً لافتاً. ويعتمد البرنامج على إعداد تحقيقات تتناول موضوعات ساخنة سواء في فرنسا أو خارجها.
إلا أن المعضلة تكمن في طريقة تناول التحقيق لملف اللاجئين السوريين. ففي عدد من المقابلات التي أجريت، تمت مقاربة الموضوع من زاوية عنصرية قد لا يلحظها المشاهد الفرنسي.
ففي بلد قائم على توازنات سياسية -ديموغرافية هشة معطوفة على حالة اقتصادية متردية، من الطبيعي أن تكون للزيادة السكانية تبعات لا يصح تجاهلها. لكن لا يجوز مقاربتها في نقاش عنصري لن يزيد المشكلة إلا تعقيداً، والأسوأ حين يتم التسويق اعلامياً لهذا الخطاب العنصري في قالب يبدو وكأنه حرص على البلد.
تجول فريق التصوير في منطقة “الحدت” برفقة عضو مجلسها البلدي جورج حداد والذي استفاض في الحديث عن منع البلدية للسوريين بالعمل ضمن نطاقها، مستنداً بذلك الى تعميم صادر عن وزارة العمل. وعليه، اصطحب الفريق إلى دكان باتت تديره سيدة لبنانية على إثر طرد العائلة السورية التي كانت تستثمره.
لكن المشاهد الفرنسي، غير المُلمّ بالضرورة بخفايا ودهاليز لبنان، قد يظن، بعد سماعه لهذا الحديث، أن مشكلة اللاجئين تنحصر في منافستهم لليد العاملة اللبنانية وأن خطوة بلدية الحدت لها مسوغاتها القانونية.
قد يتعزز هذا الانطباع إثر ذكر عبارة “الأولوية الوطنية” (La préférence nationale)، التي تلفظ بها جورج حداد خلال المقابلة، والحاضرة منذ سنوات في الأدبيات السياسية الفرنسية، ما قد يدفعه للاعتقاد بأن اشكالية اللاجئين السوريين في لبنان تتشابه مع الجدل الفرنسي حول المهاجرين، دون إدراك للفوارق بين البلدين.
فالتحقيق لم يتطرق مثلاً إلى سوق العمل اللبناني غير المنظم: فاللاجئ السوري قد يكون ضحية بدوره حيث لا يتوانى رب العمل عن توظيفه براتب أقل ومعايير أدنى كغياب الضمان الاجتماعي.
وقد اعترف حداد، بصورة غير مباشرة، بممارسة البلدية لهذا الاستغلال حين أشار إلى لجوئها لخدمات السوريين الاقل كلفة. هو استغلال ينطوي على تناقض إذا ما قورن بطرد البلدية للسوريين المقيمين في نطاقها. فمن جهة لا تتوانى عن الاستعانة بخدماتهم الزهيدة نسبياً، بالتوازي مع رفض استقبالهم.
ورغم أن الصحافيين لم يلتقطوا ما ورد على لسان حداد لاستبيان هذا التناقض، إلا أنهم نجحوا نوعاً ما في تصوير الاستغلال الذي يتعرض له السوريون خلال تواجدهم في الدكان الذي اصطحبهم إليه جورج حداد. فصاحبة الدكان، المرحبة بشدة بالقرارات البلدية، يعمل لديها طفل سوري دون العاشرة في ظروف لا تتناسب مع عمره ولا بنيته الجسدية.
عنصرية أخرى مرت مرور الكرام في الحلقة، بعد مقابلة مطولة مع المهندس “فالدمار” حول نشاطه المهني، اعتبر الأخير أن وجود اللاجئين السوريين يشكل عبئاً على كافة الصعد: الاقتصادية، الديموغرافية، الاجتماعية و …. البيئية.
قد لا يدرك المشاهد الفرنسي ما تخفيه الكلمة الأخيرة، إذ لم يصل ربما إلى مسمعه الافتراءات العنصرية التي تساق ضد السوريين: من الصحف التي اتهمتهم بالتسبب بأزمات السير والعنوسة، إلى التقرير التلفزيوني الشهير الذي حملهم مسؤولية ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وحتى البرامج “الترفيهية” التي صورت في أحد السكيتشات الوجود السوري وكأنه تهديد ثقافي لبلد الأرز، إضافة طبعاً إلى منع البلديات للسوريين بالتجول ليلا.
تفاصيل غير هامشية لم يتناولها التحقيق، فعولجت مسألة اللاجئين السوريين في لبنان، خلال هذه الحلقة، ضمن إطار يمكن من خلاله للمشاهد الفرنسي الاعتقاد أن الجدل الدائر في لبنان عقلاني، تحكمه القيم والضوابط القانونية. لا أقول بالضرورة أن كل من شاهد هذا التقرير ستترسخ في ذهنه هذه الصورة، إنما المقصود هم الفرنسيون غير الملمّين بالضرورة بتفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وغير المتابعين للإعلام والصحافة اللبنانية.
هذا القصور في تناول مسألة اللاجئين يفتح الباب على التساؤل التالي: هل سار فريق الإعداد برضاه وعن سابق إدراك في هذا الطريق، أم أنه اعتمد خلال الإعداد والتصوير على توجيهات مرافقيه اللبنانيين، أو ما يعرف إعلامياً بالـFixer، فكان لهؤلاء “الفضل” في دفعهم للمضي في هذا المسار؟
حسن مراد – المدن