الجيش يخرج من سجن الساسيين ويشهر سلاحه
الإفراط في تجميع قوّاته مع كثيرٍ من الحذر, هي الصفة الملازمة للعدو الإسرائيلي خلال قيامهم بإغتصاب ثلاثين متراً من الأراضي اللبنانية في العديسة ووضعهم ٢٤ من البلوكات الإسمنتية بعد السور الذي سيعاودون الإختباء خلفه كالجرذان. كلُّ ذلك من أجل الإيحاء بأنهم ما زالوا يحافظون على قوة الردع نفسها التي اشتهروا بها.
تحولت الدقائق الى ساعات طويلة من الرعب والتأهب فهم في يوم خرقٍ إعتيادي, ومن دون أعين وأسلحة الجيش وخلفهم الشعب كانوا لِيُنجزوا أربعين بلوك إسمنتي في الساعات الثمانية .
الإفراط في جنون العدوّ قابله قرار التأهب للمواجهة الذي إتخذته وحدات الجيش اللبناني, والتي استعدت لأسوأ السيناريوهات, فنشرت آلياتٍ ثقيلة بوجه المدرّعات الإسرائيلية, وما كان ينقصها سوى جرأة سياسية تواكب أقدام العسكريين وجرأتهم على المواجهة كما حصل سابقا في شجرة العديسة, ليعيد التاريخ نفسه وتُحفظ كرامة اللبنانيين جميعاً.
وفي المعلومات، أن العدوّ الإسرائيلي إستكمل رفع اكثر من ٢٤ بلوكاً على الحدود متجاهلاً الطلب اللبناني من قوات الأُمم المتحدة وقف أعمال إسرائيل التي تنتهك السيادة اللبنانية، وطبعاً للإسرائيلي وقتها أن يتجاهل الطلبات اللبنانية ما دامت المؤسسة السياسية ينقصها الجرأة في التعامل “وفق الضرورات المتاحة” في مثل هكذا أوضاع.
عموماً، لم يُبقي الجيش نفسه داخل سجن الطبقة السياسية بل تحرك وفق حدود الهوامش المعطاة له من قبل قيادته في اليرزة، التي كان لها أن اصدرت أوامر صارمة في السابق تقضي بالتعامل مع أي إعتداءات وفق التقدير المناسب للميدان.
ووفق معلومات “ليبانون ديبايت”، فإن أسلوب المواجهة الذي إعتمده الجيش اللبناني في مزارع شراقي في ميس الجبل، أعيد تفعيله في العديسه، إذ قام جنوده بالإنتشار رداً على إنتشار القوات الاسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود.
وبعد أن عاين الإسرائيلي طبيعة ما يحصل، أوعز لإحضار دبابة “ميركافا” التي رابطت في موقع مواجه للقوى العسكرية اللبنانية، ما دفع قوة الجيش لإستنفار آلية عسكرية من نوع “هامفي” تحمل سلاحاً مضاداً للدروع من نوع “تاو”، لمقابلتها, كما استدعى أيضاً مدفع محمول على آلية جيب.
الجيش الاسرائيلي كان بوضع الحذر والترقب وهو يسرق الدقائق لينهي إنتهاكه للسيادة, متسلحاً بالشكوى الى القوات الدولية التي أوصلت الرسالة الى الجانب اللبناني, والذي بدوره لم يكترث بل زاد من منسوب التأهب إذ أقدم قائد القوة العسكريّة اللبنانية على إستنفار مزيدٍ من الجنود الذين اتخذوا وضعيات قتالية على أطراف عديسة، بالاضافة الى تمركز ملالات ذات مضادات أرضية في مناطق محيطة بعديسة.
الرد الاسرائيلي جاء عبر “الإفراط في الجنون”، إذ استدعت إسرائيل المقاتلات الجوية التي اخذت تحلق على مستوى منخفض الى جانبها طائرات تجسس من نوع “ام كا”، لا بل إن عملية الإستفزاز الاسرائيلية لم تتوقف عند هذا الحد بل إمتدت الى مناطق لبنانية اخرى لا سيما بيروت والجبل، بحيث تعمدت المقاتلات الاسرائيلية التحليق بشكل ظاهر ودائري فوق قيادة الجيش في اليرزة والقصر الجمهوري في بعبدا، بهدف توجيه رسالة اعتُبِرت “تهديداً” للجيش اللبناني، والذي لم تكترث له قيادته.
وإزاء كلِّ ذلك، يبقى الصمتُ المُريب يطغى على الجانب السياسي الذي آثر الإتصالات الدولية على غيرها من وسائل المواجهة التي لم يختبرها يوماً, وبقي يدفن رأسه في التراب وهو يعلم تماماً أن العدوّ لا يفهم إلا بلغة السلاح مقابل السلاح ، ولا يبدو لغاية الآن أن الأوساط السياسية مستعدةٌ لإتخاذ قرار الردع المطلوب لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.
لا شك ان العدو سيمعن ويتطاول ويغتصب مجدداً في البر والبحر دون اي رادع, ويتجاهل ان القوة هي ملح الارض…فالكرامة يحفظها السلاح مع عدوٍّ لا يفقهُ إلا لغة القوة والمواجهة .