“أفخاخ” سوّت الحكومة بالأرض
باتَ يصحُ القول الآن، أن جواد “عدره” تمكّن من تحقيق أمرين متباعدين. اقتربَ في المرة الأولى من فرطِ عقد اللقاء التشاوري للنواب السّنة السّتة، ثم وفي الثانية كان سبباً في عودة التئامه مجدداً، ما يعني أنه وفر منطق الجواد الرابح بكافة المقاييس ولدى أكثر من فريق، لكن ما أوقف “إقتحام الجواد” للمشهد ليس الكفاءة بقدر الخلاف على الخيّال!
في المفاضلة بين أسماء المرشحين لتمثيل اللّقاء التشاوري بوزير، فالتوافق، وإن جرع مراً، انسحبَ على إسم عدره دون غيره، لعدة خصائص يمتلكها، في كونه جيداً بالنسبة إلى بعض الحلفاء وممتازاً بنسبة إلى الخصوم فضلاً عن أنه وفر للحريري منطق “العنصر الغير مستفز” بعد أن تخوف رئيس الحُكومة المُكلّف من أن يقدم اللقاء التشاوري على استدعاء “شخص غير مرغوب فيه” إلى الحديقة الخلفية.
لكن هذه المفاضلة سقطت بسقوط منطق المستهوون لها، وإتضاح وجود “أوامر وظيفية” أخرى ملقاة على عاتقِ “الجواد الملك” لا بد لها أن تتحكم في موقعه، فإرتفع الخلاف على الهوية السّياسية للوزير العتيد في الحُكومة أسهم في إسقاطه ومن ثم إسقاطها.
وليس بعيداً، أن التناتش على دور الوزير العتيد لم يتصل فقط في شكلِ وجوده داخل الحُكومة ومن صالح من سيكون، أو وجود إتفاقات سرّية مضمرة معقودة معه، أو إسقاطه على “التشاوري” دون رغبة كاملة منهم، أو الخلاف على ولائه السّياسي، بل أن جملة أمور أدّت إلى إخراج الجواد من السباق، منها ما يتصلُ بالخلاف على الموقف الذي سيتخذه هذا الوزير خلال وجوده على طاولة الـ٣٠ وزيراً، ونوعية الموقف الذي سيعتمده في حال حصول تصويت داخل مجلس الوزراء. اذاً فالميول سياسية وليست الولاءات فقط هي ما حكمت بذلك السّقوط.
في موازاة ذلك، يظهر أن فريقاً واحداً تحديداً، غير مقتنع بتوفر أسباب “وجودية” طبعت سقوط الجواد ومن ثم الخيّال عنه، وتدعي تلميحاً وجود “قرار بمنع تشكيل الحُكومة”.
ما يدعو للتنبه، أن هذه الأوساط محسوبة على فريق رئيس الجمهورية، المفترض أنه ملم بكافة الجوانب والتفاصيل، ويعلمُ من أين تأتي العقد، لكن ورغم ذلك، ما دامت هذه الأوساط لا تخدمنا وتدل إلى مصدر هذا القرار ومن يقفُ خلفه، هل هو داخلي يتصل بأمور الحكم ومشاريع ما وراء العهد، ان هي خارجية وترتبط برسم خارطة المنطقة؟
الجانب الغالب في البلاد يشيرُ إلى أمور داخلية نابعة من منطقِ الإستحواذ والسيطرة، مع القليل من الخارجية لكن ليست ذات تأثير كبير.
هذا الجانب يشيرُ في سياقٍ آخر إلى سيناريو حل “العقدة السّنية” وكيف جرى تطييره رغم قبوله من الذين رفعوا الـ “لا” الكبيرة أمامه.
ثمّة همس يجري داخل صالونات ويدورُ حول أن إختيار عدره كان فخاً متعدد الأهداف. وبصرف النظر عن بقية التفاصيل، فإن أحدهم كان يطمحُ لإنهاء اللقاء التشاوري من بوابة فرطه وإنهاء وجوده، ما يوفر إستقلالية في إعتماد الوزير السّني الذي سيبقى معتمداً من حصة رئيس الجمهورية، لكن إدراك المعنيين إلى ما يرسم، قادهم للقيام بعملية التفاف، والضغط من أجلِ القبول بعدره، لدواعٍ ترتبط أولاً بإفشال المخطط.
لم يكن متوفراً لدى الدافعين صوب إحقاق منطق “التوزير بالإسقاط” معطٍ واحد يؤكد إمكان قبول اللقاء بهذا التوزير، وكان الرّهان على الرفض ومن ثم الخلاف وأخيراً الإنشقاق، لكن ما مثل صدمة أن هذا الجانب قبل بالتوزير تحت خانة “الضرورة المشروطة”، بسبب عامل دخل وحسم بعد جملة حسابات ومعطيات.
فعند قبول الفريق المؤازر بأسلوب تمثيل “اللقاء التشاوري” رغم اجحافه متظللاً بعدة شروط، انبرى الوزير جبران باسيل بصفته متضرراً لممارسة عملية تسلل من خارج الخطوط، قادت إلى إعادةِ طرح منطق التقسيم المذهبي والطائفي على الحقائب، علماً ان هذا الأمر فرغ منه منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، ففهم أن باسيل يسعى إلى التعمية.
بالتوازي، اندفعَ مرّة واحدة لتثبيت التفاهم مع عدره على أن يكون من حصّة الرّئيس من خلال إغرائه في العضوية بالتكتل! ولكون لبنان بلد مكشوف وهش، تسلّلت تفاصيل الإجتماع إلى اللّقاء التشاوري وحلفائه، ولم تكن من النوع السليم.
وعند إقتران الأفعال بالمواقف والادراك بوجود “قضايا مضمرة” عند عدره، قرر القائمون على اللقاء التشاوري التراجع عن التسمية وتأمين خطوط الدفاع ثم الإندفاع نحو إختيار آخر.
لم تسقط هذه الأمور كالعسل على باسيل. أدرك “صهر الجمهورية” أن الأمور ذاهبة نحو تسمية شخصية أخرى لا تتراعى وشروط البرتقالي وأهدافه، وأن عملية التسلل التي خاضها لم تؤتِ مفعولها المأمول، فقرّر تعزيز منطق إستغلال ذريعة “توزيع الحقائب” وهو يدري أنها موجهة صوب حزب الله، فكانت القاعدة أن “رفض توزير عدره سيجر معه قطعاً للطريق على توزير آخر”، والمنطق الذي روّج، أن طرح التوافق على إسمٍ جديد وفق القاعدة ذاتها التي أرساها اللواء ابراهيم، يعني إذهاب منطق القبول عند الرّئيس، ما يعنيه ذلك أن القاعدة التي ارساها اللواء إبراهيم لن تكون صالحة بعد ذلك، بل أن المطلوب إرساء قاعدة تفاهم جديدة!
يقولُ مرجع متابع لأمور التأليف، أن “المكابرة” هذه أوصلت الأمور إلى نقطة التأزيم، ووصلت إلى رئيس مجلس النّواب نبيه بري الذي اغيظ منها، وما زادَ من غيظه حمل الحريري إليه إقتراح بإعادة توزيع بعض الحقائب، مما زاد من غيظه. ثم أفهم الحريري أنه يسوق لفكرة يُراد منها باطل، أي نسف حكومته! وعلى ذمّة المرجع “أدرك الحريري أن فخاً نصب له، ومن شدّة تأثره اتخذَ موقفاً موجهاً ضد باسيل لكن حُصد في القصر الجمهوري، قضى بالإعتذار عن للحضور في قصر بعبدا، وفي درجةٍ ثانية أرسل موقفاً بالغاً برسالة مشفرة على قاعدةِ “تويتر”: “لا بد أحياناً من الصمتِ ليسمع الآخرون”، لكن صمت الحريري جاء بليغاً.
“ليبانون ديبايت”