أوروبا… تتغير!!!
أوروبا… تتغير!!!
العهد
منذ سنوات والاتحاد الأوروبي يعيش على وقع أزمات متعاقبة، لا يكاد يتجاوز إحداها حتى تطل أخرى تشد عصب التوتر الاجتماعي والسياسي وترفع من منسوب التشكيك في ديمومة المشروع الذي شهد النور منذ ستة عقود في العاصمة الإيطالية.
بدأ مسلسل الأزمات في العام 2008، مع الانهيار المالي العالمي الذي اقتضى احتواؤه إجراءات قاسية دفعت فاتورتها الكبرى الطبقة المتوسطة، وسدّت آفاق النمو الاقتصادي ورفعت معدّلات البطالة في بعض البلدان إلى مستويات خطيرة. ثم جاء صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، مدفوعا بأزمة المهاجرين الهاربين من مستنقعات الفقر وبؤر النزاعات، لتقف على باب رئاسة الجمهورية الفرنسية، وتفوز في الانتخابات النمساوية، وتغيّر المعادلات السياسية في هولندا وألمانيا، ملبّدة سماء البلقان والشرق الأوروبي بغيوم سوداء أقرب إلى برق موسكو من رعد بروكسل. وفي خضم أزمة الهجرة فجّر البريطانيون قنبلة خروجهم من الاتحاد الأوروبي، ثم جاء انتخاب دونالد ترامب ليعيد خلط أوراق كثيرة في العلاقات الدولية، وبخاصة بين الولايات المتحدة ودول أوروبية.
فعلى الصعيد البريطاني: دخلت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مرحلتها الجدية والحامية فيما يتعلق بخروج الأخيرة من الاتحاد، ويبدو أن أعضاء دول الاتحاد وعددهم 27 توصلوا إلى مرحلة لا رجوع عنها بخصوص إجراءات الطلاق مع بريطانيا، على أمل أن تتحول هذه الإجراءات إلى اتفاقيات شراكة حيوية مستقبلية لخدمة كل دول القارة الأوروبية، بعدما توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في نهاية 2017 الى اتفاق حول الخطوط العريضة لسبل الانفصال، ويجب أن يتفقا الآن على فترة انتقالية تلي الخروج من الاتحاد قبل أن يتسنى بدء محادثات حول العلاقات التجارية المستقبلية في ختام هذه الفترة الانتقالية. ويراهن الاتحاد الأوروبي على اتفاق تام بحلول تشرين الاول/ اكتوبر 2018، يشمل تنظيم الانفصال والمرحلة الانتقالية على أن يقترن ببيان سياسي يحدد إطار العلاقة المقبلة.
خبراء يرون أن التقويم الإجمالي لقرار الانسحاب لم تتضح أهدافه حتى الآن، سواء كان على المستوى الاقتصادي والسيطرة على المراكز المالية العالمية الموجودة بالفعل أم الاستفراد بالاستثمارات الضخمة، أو إضافة إمكان التخلص من الأعباء المالية للاستمرار في الاتحاد الأوروبي. كما أن الطريق ستكون مليئة بالعقبات والتحديات والتأثيرات السلبية وتحديداً على قطاع الأعمال، في وقت تتسم الاتفاقات التجارية بالغموض وعدم الاتفاق أيضاً، ما يعني أن قطاع الأعمال يخشى تأثيرات عميقة على حرية حركة السلع واليد العاملة بين الاتحاد وبريطانيا، إذ يُتوقع أن يؤثر كثيراً على قطاعي الأعمال والحكومة، نظراً إلى الحاجة إلى اليد العاملة الماهرة وغير الماهرة من الاتحاد الأوروبي.
في المقابل يبدو الاقتصاد الفرنسي في وضع جيد ويُعد في منطقة اليورو الأسرع نموا، وقد أفاد المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية أن الاقتصاد الوطني سجل نمواً بلغ 1.9 % العام الفائت، وهو أفضل أداء له منذ العام 2011.
بينما في إيطاليا، نجد المشهد مختلف، نتيجة الانتخابات العامة في إيطاليا مؤخراً، مما دعا أوروبا إلى التساؤل بقلق عميق: هل بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتحمّل جنوح دولة مؤسِّسة إلى خندق اليمين المتطرف؟ أو أن تقع القوة الاقتصادية الثالثة في أوروبا فريسة عدم الاستقرار والتجاذبات السياسية والاجتماعية الحادة؟
بالعودة إلى الانتخابات الإيطالية نجد أن أغلب الناخبين الإيطاليين اختاروا ممثليهم في البرلمان الجديد، من مرشحي حركة “5 نجوم” الشعبوية، ومرشحي “رابطة الشمال” الشعبوية ايضا، أي أن الحزبين المناهضين لسياسات بروكسل جاءا في الصدارة.
ومع الصعود القوي لليمين المتطرف تم وأد معادلة الثنائية الحزبية، وثبّت التقدم الواضح للقوى الراديكالية مع النجاح الكبير الذي حققته رابطة الشمال اليمينية المتطرفة متقدمة بوضوح على حليفها سيلفيو برلسكوني، فيما تراجع الحزب الديمقراطي الحاكم إلى نصف النتائج التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة عام 2013 ، ما دفع زعيمها ورئيس الوزراء السابق ماثيو رنزي إلى الاستقالة من قيادة الحزب.
ويعتبر العقاب الشديد الذي أنزله الناخبون بالحزب الديمقراطي رسالة تحذير شديدة اللهجة من الشعب الإيطالي الى الاتحاد الأوروبي مفادها أن “الكيل قد طفح من سياساتكم”، إذ إن إيطاليا ترزح اقتصاديا وأمنيا تحت ضغط شديد تسببه موجات لا حصر لها من اللجوء غير الشرعي من أفريقيا والشرق الأوسط.
وقد أصاأوروبا… تتغير!!!
العهد