روسيا تقترب من نشر ظلّها على لبنان
يوم وصلت تحذيرات فرنسية إلى لبنان، نقلاً عن الإسرائيليين، بدأت الحكومة اللبنانية تحرّكاً ديبلوماسياً لتطويق هذه التهديدات، وإبعاد شبح أي محاولة اسرائيلية قد تؤدي إلى تدهور الأمور. حزب الله يبدو مطمئناً، ولا يخشى أي تطور دراماتيكي، خصوصاً أن المعادلة في لبنان أصبحت واضحة منذ العام 2015: ضربة مقابل ضربة. وبالتالي فإن أي ضربة قد يتلقاها في لبنان، سيتم الردّ عليها بالمثل، وبالمستوى نفسه وبسويّة الهدف. ولذلك يستبعد حزب الله إقدام الإسرائيليين على أي خطوة من هذا النوع. خصوصاً بعد ما حصل في غزة.
مجلس الأمن
ويوم تحدّث الإسرائيليون عن وجود مخازن صواريخ للحزب في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، وفي مناطق مأهولة، أبى حزب الله الردّ على هذه الإتهامات، وكانت جولة السفراء التي نظّمتها الخارجية اللبنانية، وكان حصادها على ما يبدو شحيحاً. إذ ازداد الضغط على لبنان في هذه القضية، ما دفع إلى تحرّك ديبلوماسي ورئاسي واسع، لنفي مثل هذه الإدعاءات الإسرائيلية وتفنيدها.
الضغوط الرسمية والسياسية مستمرّة، وآخرها كانت جلسة مجلس الأمن، التي ناقشت التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيرس، للبحث في مدى تطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار 1701، خصوصاً بعد موقف لافت لغويتيرس قبل فترة، بوجوب سيطرة الأجهزة اللبنانية الرسمية على المناطق الحدودية وبخاصة في الجنوب.
في هذا السياق، تتحدث بعض المعطيات عن دور لروسيا في لجم أي أفق للتصعيد، وفق الرؤية الإسرائيلية، علماً أن الإسرائيليين كانوا يهوّلون طوال الفترة الماضية، بأن حزب الله أنجز عمليات نقل لأسلحة كاسرة للتوازن وصواريخ متطورة، عبر الحدود اللبنانية السورية، مستفيداً من منع الروس للإسرائيلين من توجيه أي ضربة في الأجواء السورية، بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية. هذا يتلاقى مع كلام إسرائيلي متكرر عن إستعداد روسي لتوسيع نطاق العمليات العسكرية لروسيا لتشمل الأجواء اللبنانية، أو لتشكيل مظلّة لمنع وقوع أي ضربات جوية تستهدف الأراضي اللبنانية.
نشاط روسي
في مراقبة للحراك السياسي الأخير باتجاه موسكو، يتّضح أنها تنشط نسبياً على الصعيد اللبناني. برز ذلك من خلال تنشيط العلاقات الروسية مع مختلف الأطراف، والزيارات التي أجرتها وفود حزبية ونيابية عديدة إلى موسكو قبل فترة. ليس لدى الكرملين إهتمام تفصيلي في السياسات الداخلية اللبنانية حتى الآن. لكن قد تكون روسيا اليوم بصدد التحضير لتأليف فريق عمل يختص بمتابعة التفاصيل اللبنانية، إنطلاقاً من “المفاتيح” التي أصبحت بحوزتها، عبر موقعها في سوريا. وتوضّح هذا خصوصاً بعد إلتقاطها للمفصل الإسرائيلي – الإيراني، مع استمرار السعي للدخول بشراكة مع الأميركيين، لا سيما أن أي انخراط أوسع، يتطلب دفع تكاليف أكبر.
بمعزل عن هذه التفاصيل السياسية، ثمّة من يصرّ في الحديث عن إحتمال توسّع الدور الروسي في لبنان، ولا سيما في بعض المناطق الحدودية للوصول إلى ما يشبه الإتفاق الذي حصل في الجنوب السوري، على قاعدة تأمين حماية الحدود، ومنع الإسرائيليين من توجيه ضربات عسكرية لحزب الله في لبنان.
هذه الخطوة بالمعنى الإستراتيجي، إذا تحققت ستندرج في إطار محاولة إحتواء حزب الله وإيران، والدور الذي يضطلعان به عبر السيطرة على مناطق عديدة. الهدف من هذه المحاولات ليس توجيه رسالة سلبية إلى إسرائيل، بل في إطار توازن ربط النزاع الذي تضبطه روسيا إنطلاقاً من الجنوب السوري.
رد فعل أميركي
ولكن هناك من يعتبر أن لبنان لن يكون قادراً على القبول بمثل هذا الإجراء، أو فتح المجال الجوي أمام الروس، وما سيسببه من ردود سلبية من قبل الأميركيين، خصوصاً أن صفقة سلاح رمزية مع موسكو، لم يستطع لبنان تنفيذها خوفاً من ردّة الفعل الأميركية، وإمكانية انعكاسها على المساعدات المقدّمة للجيش اللبناني. بينما هناك من يعتبر أن واشنطن لن تتضرر من هكذا خطوة، طالما أن أي إجراء سيلتزم بتطبيق قواعد الإشتباك، وفق ما تتطلّبه المصلحة الإسرائيلية. وهذا ما دفع بعض السياسيين اللبنانيين قبل فترة إلى طرح مثل هذه الخطوة، من أجل سحب أي ذريعة إسرائيلية أو أميركية، باستهداف لبنان، عسكرياً او سياسياً.
لا شك أن لموسكو طموحات أوسع من الساحة السورية، وهي قد تكون مستعدة للإضطلاع بدور أوسع لبنانياً، بالنظر إلى أن لبنان مرتبط إستراتيجياً بسوريا. وبما أنها صاحبة دور أساسي في عملية التنقيب عن النفط، وما يتطلبه ذلك من توفير مظلّة آمنة لهذه العمليات، قد تلجأ روسيا إلى توسيع نطاق عملها العسكري وعمل بطارياتها الصاروخية لتشمل الأجواء اللبنانية، ولكن إنطلاقاً من قواعد سوريا، كالقلمون، والجنوب السوري.