سامي حواط: “بعدني بالحركة الوطنية”

“أنا بعدني في الحركة الوطنية”، قال سامي حواط مرة، وبالفعل، من يستمع إليه يدرك أنه لا يزال ينتمي إليها باعتبارها معسكره خلال الحرب الأهلية، وقد التحق به من جهة الحزب الشيوعي اللبناني تحديداً. فلا يجد حواط مكاناً له سوى في زمن الحركة إياها. وهو حين يتمسك به، يبدو أنه يعمد إلى ذلك لأنه، وفي الماضي، كان ممنوعاً عنه، بحيث كان مزدحماً بأغيار له، وفي مقدمتهم، جاره ورفيقه السابق، ابن فيروز، زياد الرحباني، الذي كان السائد بين الفنانين الملتزمين حزبيا، أو بالأحرى كان السائد عليهم.

في اعتصام حواط بزمنه وبما أراده دوما، يكون فنان الحزب، شاعره، وعازفه. أن يكون، وبمغناه، مصوته. وأن يكون، وبمظهره، مصوره لجمهوره. لهذا، من الممكن الاعتقاد أن حواط أبرز مبيني صوت الحزب، وصورته، وبعد اندثارهما حتى.

فمغنى حواط هو، وعلى الرغم من القضايا النضالية التي لم يتوقف عن إعلانه لحمله لها ودفاعه عنها، يقوم بنوع من الانكسار، من الاستسلام، الذي غالبا ما يجمع بين نبرة الدائخ من جراء الظروف حوله، ونبرة المغتم من جراء أثر هذه الظروف فيه. وعندما، تجتمع النبرتان ينتجان ضربا من السخرية، التي لا شك في أنها تنم عن نشأة رحبانية، لكنها، وفي الوقت نفسه، تختلف عنها لأنها لا “تلعب” على كلمات وكلشيهات راهنها، بل انها تتوجه صوب صاحبها، أو صوب ما يجسده من شخصيات شعبية في اغنياته. إذ إن تلك السخرية تندرج في سياق الانكسار، الاستسلام، أو بالأحرى تكلله، وبالتالي، يكون صوت الحزب مطبوعا بها، وهذا، على ما هو واضح، يشير إلى مفارقة، بحيث ان الحزب جسم للانتهاء من ذلك السياق ومنتهاه، لكنه، هنا، هو جسم السياق نفسه من مستهله إلى عقبه.

ولتصويت الحزب على هذه الطريقة، صورة متوقفة في سبعينات القرن الماضي، وهي صورة الفنان بلحيته الكثة، وبقبعته البيريه، التي تنسخه عن الطلعة الغيفارية الشهيرة. تبدو صورة الحزب هذه انها تتفاوت في وقعها مع صوت الحزب، إذ تبغي أن تكون علامة على صلابة الانشغال بالنضال التي يرافقها اهمال غير مقصود للهيئة، الا انها، ومع حواط، تغدو مجرد هيئة مقصودة نتيجة نضال حزبي معلق، وكلما استحال هذا الأخير معلقا، كانت تلك الهيئة تصير محورية اكثر. لقد ربط الفنان صوت الانكسار المختوم بالسخرية مع صورة المناضل المعلق على هيئته، ولهذا، في الواقع، كان حواط ملتزما بالحزب.

ومع اضمحلال الحزب، لم يؤد ذلك إلى اضمحلال حواط، لكنه، وعلى العكس، بقي على صوته وصورته، وسرعان ما حولهما إلى مركبته التي لا يحركها سوى احيانا إلى مهرجان الاونيسكو، للاحتفال بعيد الحزب، أو إلى مقابلة تلفزيونية مع صحبه الإعلاميين الذين يستقبلونه كأنهم يستقبلون شخصا من زمن سابق، شخص سعيد بنظرتهم هذه إليه، ولا ينفيها البتة. فهو فنان الحزب بعد موته، والحرب بعد انقلابها سلاما، والحركة بعد تلاشيها، وكل ذلك، سمح له أن يمتلك الصوت والصورة كما لو أنهما تركة الحزب والحرب والحركة له.

ورث سامي حواط الفن الملتزم، وها هو، وعلى عادة الورثة الذين يثقلهم الإرث، ويجمدهم، لا يجد مناصا من استكمال بقائه في زمنه القديم من خلال الاطلالة منه. وهذا، على خشبة احد معالمه، اي مسرح المدينة في الحمرا، من أجل تقديم، وبرفقة وفاء البيطار، قانون، ونضال ابو سمرة، ساكسوفون، وأحمد الخطيب، إيقاع، بعض الأغنيات التي يصفها بالصوفية، والتي لا تنفصل عن اغنياته السالفة، لكنها، وعلى العكس، تؤلف خلاصتها. ذلك، أنه رغب في أن يكون الفنان الوحيد في “الحركة الوطنية”، وبعد تحقيقه هذا، اتحد واختلى بزمنها. لقد جد ووجد. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!