هذا ما تفعله المصارف بنا!
أيهما أكثر أماناً اليوم، الليرة أم الدولار؟ سؤال يطرحه كل مودع أو صاحب إدخار مالي، صغيراً كان أم كبيراُ، فالهمّ الأساس هو الأمان. ولا تقتصر الأسئلة على المودعين وحسب، بل المقترضين أيضاً، الذين غالباً ما يتوهون بين القروض المصرفية لجهة حجم فوائدها، ونوع عملة القرض، إن ليرة أم دولار.
وقد عزّزت المصارف، ببعض إجراءاتها، القلق لدى المودعين والمقترضين على السواء، من تحويل مدخراتهم أو قروضهم من العملة الوطنية إلى الدولار وبالعكس، فقد عمدت غالبية المصارف إلى تقديم عرض على المودعين بتحويل أموالهم من الدولار إلى الليرة، مقابل منحهم فوائد أعلى من تلك التي يتقاضونها على الدولار. في مقابل ذلك، تلقى مقترضون عروضاً واقتراحات من المصارف بتحويل قروضهم من الليرة إلى الدولار وجدولتها في حال التعذر عن السداد.
لماذا تقوم المصارف بتلك الإجراءات؟ وهل من دواعٍ للقلق على أموالنا المدّخرة في المصارف؟
شروط مصرف لبنان
قبل التطرق الى إجراءات المصارف التجارية ومدى إرباكها للمودعين والمقترضين، لا بد من العودة إلى تعميم مصرف لبنان رقم 503 الصادر منذ عدة أشهر، وهو موجّه إلى المصارف والمؤسسات المالية، وينصّ على أنه لا يجوز أن يزيد صافي التسليفات الممنوحة من المصرف للقطاع الخاص بالليرة اللبنانية عن 25 في المئة من مجموع ودائع الزبائن لديه بالليرة اللبنانية، كما يتوجب على المصارف إيداع قيمة كل فرق يزيد عن النسبة المحدّدة في حساب مجمّد لدى مصرف لبنان، من دون فوائد، وذلك لحين تسوية هذا التجاوز، وتمنح المصارف التي تكون في وضع مخالف مهلة حدّها الأقصى 31 كانون الأول 2019 لتسوية أوضاعها. ويمكن للمصارف التي يتعذر عليها تسوية أوضاعها خلال هذه المهلة، مراجعة المجلس المركزي بهذا الشأن.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن سقف التسليفات المصرفية بالليرة هو 25 في المئة من مجمل الودائع بالليرة، علماً أن القطاع المصرفي تجاوز هذا السقف بأشواط وبلغت التسليفات المصرفية بالليرة نحو 37 في المئة، ما يعني أن على المصارف خفض حجم التسليفات بالليرة نسبة إلى الودائع بنحو 12 في المئة أي أكثر من 5 مليارات دولار قبل نهاية العام 2019.
هناك أكثر من طريق لإلتزام المصارف بتعميم مصرف لبنان، الأول تحويل قسم من الودائع من الدولار إلى الليرة، والثاني تحويل قسم من القروض من الليرة إلى الدولار، أما الثالث، وهو ما نصح به حاكم مصرف لبنان أكثر من مرة، فهو جذب ودائع “طازجة” بالليرة.
إجراءات المصارف
كل تلك الطرق من شأنها مساعدة المصارف على التقيد بتعميم مصرف لبنان، إلا أن عدداً من المصارف اختار التفاوض المباشر مع الزبائن المودعين والمقترضين على الشكل التالي:
1- يتصل المصرف بالمودع أو المدخر ويعرض عليه تحويل أمواله (مهما كان حجمها) من الدولار إلى الليرة وتحفيزه بمنحه فوائد أعلى من تلك المعمول بها حالياً.
2- يتصل المصرف بالمقترض ويعرض عليه تحويل قرضه من الليرة إلى الدولار مع تحفيز المقترضين المتعثرين بجدولة قروضهم بالليرة، إذا جرى تحويلها إلى الدولار، أو أن يشترط المصرف على مقترضين جدد بالإقتراض بالدولار بدل الليرة.
الطريقان اللذان تسلكهما المصارف لا ضرر فيهما، برأي المدير العام لبنك لبنان والمهجر، الدكتور أمين عواد في حديثه إلى “المدن”، إنما الأجدى هو العمل على جذب ودائع جديدة بالليرة، “فبهدف تشجيع المودعين لتحويل أموالهم من الدولار الى الليرة وصلت أسعار الفوائد الى 15% و16% و17%”.
تدور هذه الإجراءات جميعها في فلك واحد، هو ضرورة المحافظة على الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي، ورغم تنامي قلق المودعين جراء الأزمة السياسية، إلا أن حجم الدولرة لا زال تحت السيطرة، بحسب عوّاد، ونسبتها مقبولة، بدليل أن الاحتياطات الأجنبية في مصرف لبنان ما زالت تتراوح بين 43.2 مليار دولار و44 مليار.
ماذا عن المواطن؟
لا شك أن الهدف الأكبر لتعميم مصرف لبنان 503، وما تلاه من إجراءات للمصارف، هو الحفاظ على الإحتياطات الأجنبية للبنك المركزي، التي تعتبر بشكل أو بآخر ضماناً للإستقرار النقدي في لبنان، وأماناً لليرة اللبنانية، ولكن للإجراءات المصرفية المذكورة أثرها السلبي على المواطن العادي.
فإحدى أبرز مفاعيل التعميم المذكور هي عرقلة الحل المقترح لأزمة تمويل القروض المدعومة، عبر المؤسسة العامة للإسكان، فالمصارف لم يعد باستطاعتها إقراض الزبائن بالليرة اللبنانية، إذ أنها تسعى قبل نهاية العام 2019 لخفض تسليفاتها بالليرة إلى 25 في المئة من مجمل الودائع بالليرة فكيف بها منح المزيد من القروض المدعومة بالليرة (سكنية وغير سكنية)؟
خطر آخر يقع على عاتق المواطنين، لاسيما المقترضين (وهم الغالبية)، في حال الموافقة على جدولة الديون وتحويلها من الليرة إلى الدولار، فإن ذلك سيوقع مخاطر سعر الصرف على كاهل المواطن بدل المصرف، بمعنى أن مخاطر تقلبات سعر الصرف تنخفض على المصرف وترتفع بالمقابل على المواطن والنتيجة أن المصارف تعمل على حماية نفسها أولاً وأخيراً.
عزة الحاج حسن – المدن