إشتباكات المية والمية امتدادٌ لعين الحلوة: الجيش أول المستهدفين؟
ما شهدته “جولة” الإقتتال الثانية، أمس الخميس، بعد جولة أولى في أقل من أسبوع، كشف “هشاشة” الوضع الذي تحدّث الجميع عن مساعٍ لضبطه. آخر تلك المساعي تمثلت باتصالات قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أوكل مهمة متابعة وضع المخيم إلى عضو المكتب السياسي لـ”حركة أمل” بسام كجك.
في الوقت نفسه، تكثفت الإجتماعات التي عقدها رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد مع ممثلين عن الفصائل الفلسطينية وحزب الله وحركة أمل. كذلك، نشطت الإتصالات على خطّ مجدليون، حيثُ أجرت النائب بهية الحريري جولة من المحادثات للتوصل إلى وقف لإطلاق نار. كما جرى اتصالٌ بين رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للوقوف عند أحوال المخيم، وجرى تأكيد على السعي للمعالجة.
فعلياً، لم تفلح كل هذه الإتصالات في “رأب” الصراع داخل المخيم رغم وقف إطلاق النار. المعضلة الأساسية ما زالت قائمة ولا شيء انتهى، وعلى ما يبدو اتخذ القرار بـ”التطهير”. تقول مصادر فلسطينية مقرّبة من حركة “فتح” لـ”لبنان24″ أنّ “الأمر في المية ومية لن ينتهي حتى وضح حدٍّ لنفوذ حركة أنصار الله، والسعي قائم عبر قوات الأمن الوطني الفلسطيني للسيطرة على كامل المخيم”، وتضيف: “لن نسمح لأحدٍ بالمساس بأمن المخيمات، والشرعية داخلها محصورة فقط بالفصائل الفلسطينية الأساسية ولا وجود لحركاتٍ تغرّد خارج السرب”.
لماذا تجددت الإشتباكات؟
ما قالته المصادر المقربة من “فتح” جاء ترجمة لما حصل بعد ظهر يوم أمس الخميس. حتى الساعة 2 ظهراً، كان كلّ شيء على ما يرام داخل المخيم. فالإجراءات كانت على أوجها لضبط أي اشتباك، لا سيما بعد انسحاب مسلحي “أنصار الله” من النقاط التابعة لحركة “فتح” بعد السيطرة عليها في الإشتباك الأول. وبحسب مصادر فلسطينية داخل المخيم، فإن “الاشتباك وقع بعد الظهر، بعدما تعرض جمال سليمان (أمين عام حركة أنصار الله) لإطلاق نارٍ داخل محوره. وعلى الأثر، انتقل الاشتباك إلى الأحياء الداخلية للمخيم”.
بحسب المصادر فإن “ما يستفزّ حركة أنصار الله هو وجود الجيش على نقطة متقدمة داخل المخيم، بعدما تسلّم الحاجز الكائن عند مدخله، أول من أمس الأربعاء، وهذا ما تم تداوله خلال الاجتماعات الأخيرة التي عقدت ليل أمس في صيدا”. ووفقاً للمصادر، فإنَّ “قيادة الحركة داخل المخيم رافضة تماماً لتقدم الجيش في العمق بعد حاجز الكفاح المسلح، لأنها ترى وجوده في موقع متقدم داخل المخيم تهديداً كبيراً عليها”.
على جبهة حركة “فتح”، الأمرُ لا يختلف تماماً، في ظل إنقسام آراء القيادات داخل المخيم بشأن مسألة تقدم الجيش من جهة، والتعامل مع حركة “أنصار الله” من جهةٍ أخرى.
تشير المصادر داخل المخيم لـ”لبنان24″ إلى أنَّ “خلافات حصلت يومي الأربعاء والخميس بين مسؤولين في حركة فتح على خطوة دخول الجيش، وقد جرت إتصالات عدّة في فترة ما قبل ظهر يوم أمس الخميس بغية إقناع جميع الأطراف بأهمية خطوة الجيش في تقدمه داخل المخيم”. ومع ذلك، فقد أكد عددٌ من مسؤولي “فتح” ترحيبهم بخطوة تقدم الجيش ضمن اتفاق معيّن، شرط ألاّ يتعارض هذا التقدم مع سلطة الحركة داخل المخيم. غير أن مجموعة من القيادات الفتحاوية داخل المية ومية، رفضت هذه الخطوة بالدرجة الأولى، وأكدت عدم موافقتها لأي تقدم للجيش باتجاه المخيم.
وعليه، فقد رأت المصادر الفلسطينية أن “المحاولات من قبل مجموعة من الفتحاويين لخلق اشتباك في ظل معارضتهم لخطوة تقدم الجيش، ومع معارضة أنصار الله أيضاً لهذه الخطوة، كلها مؤشرات لرسالة مفادها أن الجيش أول المستهدفين، ودخوله إلى مناطق في المخيم للمرة الأولى ليس سهلاً على أحد”.
فعلياً، ما بدا جلياً أيضاً أن قرار وقف إطلاق النار لدى حركة “فتح” لا ينفذ بشكل كاملٍ من قبل جميع القيادات المسؤولة، وتبين ذلك في معارضة قيادات داخل المخيم لقرار قيادة الحركة خارجه، الأمر الذي قد يزيد من حدة الاشتباك في حال لم يكن القرارُ واحداً وحاسماً.
وليل أمس الخميس، توصلت الإتصالات إلى بقاء الجيش ضمن المنطقة التي دخلها يوم الأربعاء، وسحب كل المظاهر المسلّحة من هناك. في المقابل، جرى تأكيدٌ من قيادات حركة “فتح” وعلى رأسها قائد الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب على ضرورة وقف إطلاق النار، مع الاحتفاظ بحق الأمن الوطني بالرّد في حال أي اعتداء قد يحصل.
امتداد إلى عين الحلوة
ما يحصل في المية ومية هو استكمالٌ لمبادرة التخلص من كل الرؤوس “الخارجة عن القانون” داخل المخيمات الفلسطينية وعلى رأسها مخيم عين الحلوة.
في هذا المخيم، آثرت حركة “فتح” القضاء على حالتي المطلوب بلال بدر وبلال العرقوب ومحاصرتهما، وآخر الإجراءات في هذا الإطار تمثلت في خطوة استكمال الجيش لبناء الجدار حول حي الطيري الذي كان يتحصن فيه بدر خلال إشتباكات عين الحلوة. جغرافياً، فإنّ المسافة التي تفصل بين مخيمي عين الحلوةوالمية ومية ليست كبيرة، وهذه المساحة يجب أن تكون خاضعة لسلطة الجيش حكماً، وإلاّ أصبحت متراساً لعناصر مسلحة قد تهدّد أمن صيدا بأكمله. ولذلك، شهدت أطراف مخيم عين الحلوة انتشاراً كثيفاً للجيش، في وقت شهد المخيم استنفاراً للعديد من المجموعات التي لها صلة بحركة “أنصار الله”.