الدولة المدنية… بها تكون قيامة لبنان
اندريه قصاص
بعيدًا عن السجال الآني المحصور بحصّة من هنا وبحقيبة من هناك، مع أن طبيعة الأمور تؤكد أن الحكومة لا بدّ في النهاية من أن تبصر النور، وفي خضم الحديث عن المخارج الممكنة التي ستفضي إلى إخراج لبنان من عمق أزماته، الحالي منها والسابق واللاحق، خرج الرئيس نبيه بري، وبجرأته الأدبية، ليقول بالفم الملآن أن لا حلّ لمشاكل لبنان سوى بالدولة المدنية، التي تعني الخروج من ذواتنا الطائفية، التي لم تؤدِ على مدى تاريخ لبنان الحديث والقديم سوى إلى إستيلاد المشاكل وتوريث الأجيال الطالعة بلدًا نخرته الطائفية وأنهكت قواه، من دون أن يعني ذلك، كما يطيب للبعض، الوصول إلى الدولة العلمانية، وما بين الدولتين فرق شاسع، في المفاهيم والإيديولوجيات والتاريخ والعادات والتقاليد، التي لا تتناقض إطلاقًا مع مفهوم الدولة المدنية، التي تعني إنتماء المواطنين إلى وطنهم أولًا وأخيرًا، قبل إنتمائهم إلى طوائفهم، من دون التنكر لمعتقدات كل واحد منهم، وهو ما يُشكّل غنى لبنان بتراثه وقيمه.
أن يصدر هذا الكلام عن الرئيس بري بالذات فله مدلولات عميقة، وهي تستند إلى تجربة واسعة في العملين الوطني والسياسي، وهو وإن توصّل إلى هذه الخلاصة الجرئية، فلأنه أختبر في عمق أعماقه ما اسفرت عنه دولة الطوائف من نتائج كارثية، وما يمكن أن تستجرّه من ويلات في حال لم يكن لدى اللبنانيين الجرأة الكافية للخروج من شرنقة طوائفهم والإنطلاق في رحاب المواطنة الحقيقية البعيدة كل البعد عن التقوقع والإنعزال ودفن الرؤوس في الرمال غير المتحركة.
منذ أن كانت وثيقة الوفاق الوطني، وفيها بند أساسي يتعلق بإلغاء الطائفية السياسية، لا يزال لبنان يتخبّط بهذه الأفة، التي يجمع كثيرون على أنها أمّ المشاكل وأساس كل العلل، التي لا تزال تحول دون وصول لبنان إلى برّ الآمان والخروج من أزماته المتوالدة، لدرجة أنه لا يكاد ينتهي من مشكلة قائمة، هذا في حال التوصل إلى حل نهائي لها، حتى يكتشف عند كل مفترق مشكلة جديدة. وهكذا دواليك، حتى تكاد تصبح المشاكل المتراكمة تحاصر المواطنين أينما أتجهوا وأينما حلّوا.
فبداية النهاية تكون بما أقترحه الرئيس بري، وهو الذي لا يقول ما يقوله إن لم يكن مقتنعًا ومؤمنًا به، كأيمانه بربّه وبوطنه، وهو بذلك وضع إصبعه على الجرح النازف، والمهدّد بأن يتطور إلى ما هو أخطر، في حال لم يداوَ أو يطيب.
فلا قيامة لهذا الوطن إلاّ بما يمكن أن يضع حدّا نهائيًا لمشاكله المستعصية، التي لم تعد تنفع معها المسكنات الموسمية. ولا قيامة له إلاّ بما يؤّمن له مستقبلًا خاليًا من عثرات الماضي وما فيه مآسٍ لا تزال ماثلة للعيان وشاهدة على عقم المعالجات القائمة على التسويات وأنصاف الحلول والتفتيش عن الظهر في منتصف النهار، وبالتالي على التأسيس لمستقبل آمن من خلال الفرص الضائعة.
الجميل من تورونتو: لا مساومة على مصلحة الوطن
إحباطٌ لبناني على مواقع التواصل.. والهجرة هي أم الحلول!
التاريخ وحده سيكون الشاهد، وهو الذي سيحكم ويحاكم. قد تكون الفرصة اليوم أكثر من سانحة، وهي لن تعود كذلك غدًا وبعده.
“اللهم أنه سعى وبلّغ وأبلغ”.