شفيق طالب “أبو الطوابع” وجه لبنان في جمعها وتوثيقها
كامل جابر – هوا لبنان
يمكن نعته بأبي الطوابع في لبنان، أو شيخ الطوابعيين، أو عميدهم؛ وثروة شفيق طالب في ذلك، تكمن في ما أقامه من معارض في لبنان والعالم على مدى 65 عاماً من انغماسه في هذه الهواية التي راح يجمع أوراقها الناعمة من مختلف أصقاع العالم، وفي مقدمها مجموعة لبنان في طوابعه، وكان أول من ألف كتاباً تحت هذا العنوان “لبنان في طوابعه” سنة 2001.
هدية اتحاد البريد العالمي
منذ شهر ونيف، تلقى شفيق طالب هدية قيّمة من “اتحاد البريد العالمي” وهي كناية عن قسيمة “كوبون” للبريد الدولي Coupon-Reponse International، كان قد اعدّ للتداول في لبنان سنة 1926، تحت عنوان “دولة لبنان الكبير”Grand Liban (Piastres Syro-Libanaises)، بيد أن إعلان الجمهورية اللبنانية في 23 مايو/أيار 1926، أطاح بهذا “الكوبون” ولم يسرِ في التداول، بل سحب قبل تعميمه، ويعتبر هذا الكوبون وثيقة تاريخية مهمة جداً…
كتاب مرجع لطوابع الموسيقيين
آخر اهتمامات هذا الوجه الصيداوي (صيدا- جنوب لبنان) دأبه على توثيق وجمع ما صدر من طوابع للموسيقيين في العالم، لتكون نواة كتاب يسعى إلى إصداره. يُلقي أعوامه الخامسة والثمانين خلف ظهره، وتراه أول من يحضر في مناسبات العرض والمعارض التي يقوم بها الهواة ممن أتوا من بعده، تتقدمه “أبوة” اهتمام ورعاية وابتسامة تكاد لا تنقطع، وهو العالم بحال جمع الطوابع وعرضها، وهو من أفنى عمره يركّب معرضاً ويفكّ آخر، من دون ملل أو كلل، وبالطبع يشرف بنفسه على هذه المهمات الشاقة والتي تحتاج إلى جهد جسدي وفكري، من أولها حتى آخرها. ناهيك عن استفاضته بالشرح عن كل شاردة وواردة في ما يتعلق بالطوابع اللبنانية، والفلسطينية والسورية والعراقية والكويتية وغيرها الكثير الكثير، والذاكرة عنده تحمل الكثير من المعلومات الوثائقية والتاريخية، وهو الذي لم يدرسها في مدرسة أو يتعلمها في جامعة.
فلسطين قبل الطوابع في الوجدان
في محلّة الهلالية المطلة عن علو لافت على صيدا المدينة، يقيم شفيق علي طالب، محاطاً بطوابعه ومئات المستندات التي جمعها لتوثيق التاريخ، وعلى الجدران تتوزع مقتنياته من بنادق وسيوف ومعدات قديمة كان قد ورثها عن والده وجدّه، فضلاً عن الشهادات العالمية التي تؤكد تقديره لما قدّمه من معارض وكتب على مستوى لبنان أو تجاه فلسطين، التي ما انفك يعتبر نفسه منتمياً إلى قضية أهلها المحقة، وهذا ما جعله يقيم العديد من المعارض تحت عناوين فلسطينية مختلفة.
ويحكي عن ذكرياته “الفلسطينية الأولى، التي تعود إلى العام 1937، إذ أقام ذووه في محلّة تسمّى اليوم “التعمير”، الملاصقة لمخيّم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، ويشير إلى أنّ البريطانيين المشاركين في قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، “استولوا على منزلنا وأقاموا فيه مركزاً للقيادة ومستشفى ميدانياً. وفي عام 1946 رحلوا وأُنشئ مخيّم عين الحلوة بعد نكبة 1948. وعشنا حياتنا مع الشعب الفلسطيني، نناضل معهم جنباً إلى جنب”.
في الكويت التي سافر إليها شفيق طالب سنة 1953 للعمل بالتجارة هناك، صار بإمكانه تحقيق هوايته في جمع الطوابع واقتنائها، فثمة مدخول وإنتاج مادي صار يمكّنه من ذلك، قبلها لم تكن أحواله لتسمح بهذا الأمر”.
في الكويت جعل هدفه طوابع الدول كلّها، وفي طليعتها الطوابع الكويتية ومجموعة من الطوابع اللبنانية التي كانت تصل إلى هناك، ومن ثمّ عدد كبير من الطوابع العربية التي وشحت باسم فلسطين، بعضها من مصر والأردن والعراق، ناهيك عن الطوابع الفلسطينية التي تمثّل حيزاً من انتمائه إلى قضيتها، لاسيما بعد النكبة “إذ كنت حينها في الخامسة عشرة من عمري. قضيّة فلسطين هي قضية قومية عربية، وعلينا ألا نتخلى عنها. هذا ما جعلني أشارك في معارض مختلفة تتناول فلسطين والقضية الفلسطينية، ليس من خلال الطوابع فحسب، إنّما من خلال لوحات جمعتها تحكي عن القدس ومجزرة دير ياسين وإحراق المسجد الأقصى. أقمت معارض في خان الإفرنج في مدينة صيدا في سنة 1995، ثم في بعقلين (الشوف) وفي جبل لبنان. وعرضت كذلك في 12 دولة عربية وثلاث دول أجنبية. وفي معارضي، كنت أصرّ على التعريف بمحمود درويش وبالقدس وبالمطران إيلاريون كابوجي، من خلال وثائق تحكي عن تاريخ فلسطين وعن قادتها”.
صاحب أكبر معرض لبناني
يمكن اعتبار شفيق مالك أكبر معرض للطوابع اللبنانية، فهي موثقة لديه في إطارات متشابهة من حيث القياس واللون، ولكل إطار عنوان ووثائق وصور داعمة مجمّلة؛ كيف لا وهو من ألف كتاباً يشبه إلى حد كبير لوحاته الموثقة. كتاب من الحجم الموسوعي يعرض لطوابع لبنان، منذ الانتداب الفرنسي ومراحل التوشيح، إلى دولة لبنان الكبير، فالجمهورية اللبنانية والاستقلال وغيرها من العناوين التاريخية والجغرافية والطبيعية ووجوه الفن والإبداع والآثار ورؤساء الجمهورية والمهرجانات، والمحطات التاريخية في حياة لبنان. وتصلح هذه اللوحات التي جالت على معظم المناطق اللبنانية، ويحافظ على توضيبها وترتيبها، لأن تكون معرض لبنان الدائم للطوابع البريدية.
أكثر من شارك شفيق طالب في معارضه وأعماله هي كريمته هدى شفيق طالب التي تولت مهام الاتصالات والتعاون والتنسيق مع سفارات ومراكز عربية وأجنبية واتحادات عالمية لهواة الطوابع واتحاد البريد العالمي.
تقدير عالمي
يعتبر شفيق طالب أكثر اللبنانين مشاركة في أندية الطوابع العالمية، وقد منحه وفد برلماني من الاتحاد البرلماني الأوروبي في سنة 1995 “ميدالية الصداقة”، ومُنح في سنة 2006 عضوية الأكاديمية الأوروبية للطوابع Académie Européenne de Philatélie، وانتُخب نائباً لرئيس الأكاديمية العالمية للطوابع AMP في العام 2008 بوصفه عضواً مؤسّساً. وفي سنة 2010، انتسب إلى النادي الدولي للطوابع.
وقفت هدى طالب إلى جانب والدها في إصدار كتابه “لبنان في طوابعه” (2001 عن دار النهار للنشر) الذي حاز إعجاب عدد كبير من الهواة والباحثين والمثقفين اللبنانيين والعرب المهتمين برصد تبدّل أحوال لبنان من خلال طوابعه (1924 – 2001). كذلك لقي إعجاب هيئات دولية معنية بالطوابع وفي مقدّمها “مكتبة متحف البريد في باريس” و”اتحاد البريد العالمي”.
التكريم الكبير
في 14 أيلول/ سبتمبر 2018، زار رئيس “جمعية بيت المصور في لبنان” الإعلامي كامل جابر، ورئيس مجموعة “تراثيوم” المهندس عبدالله عبسي، “شيخ” الطوابعيين في لبنان، في شقته، في الهلالية (صيدا)، للإطلاع على آخر نشاطاته وإبداعاته والبحث في إقامة مهرجان تكريمي وطني لوجه الرعيل الأول من هواة جمع الطوابع في لبنان شفيق طالب، في مسقط رأسه صيدا،” مع سلسلة من المعارض والإصدارات التكريمية له ولمدينة صيدا، عاصمة الجنوب.
وأهدى المهندس عبسي طالب ميدالية قلعة صيدا البحرية الصادرة عن شركة عبسي للمياليات والدروع التكريمية، بفئاتها الثلاث: ذهبية وفضّية وبرونزية؛ ومجموعة عملات لبنانية قديمة مذهبة من إصدار تراثيوم (ليرات.كوم). وبالمقابل أهدى طالب زائريه نسخاً موقعة من كتابه “لبنان في طوابعه”، وكتاب “لبنان في طوابعه، حكاية وطن- مجموعة شفيق طالب” لهدى طالب سراج.
حكي صور