منزل نجيب جمال في المحيدثة متحف اثري يحوي بين جدرانه التاريخ والفن
خاص صدى وادي التيم
من الخارج للمنزل رهبة خاصة فحجارته السوداء والبيضاء تجعله مميزاً عن باقي المنازل الحجرية القديمة ، يعود بناءه الى 200 عام خلت على ايدي قصابين وبنائين قدموا من الشوير لاعطاءه لمسات وزخرفات عربية خاصة ،
وبمجرد دخول الباب الرئيسي لا يمكن ان تجد فراغاً ولو صغيراً في زاوية من زواياه او جدرانه . فالمنزل يحوى الوف التحف القديمة والنادرة والتي بقيت محفوظة بأيد امينة برغم السنين الطويلة
.تعود ملكية المنزل. للمرحوم نجيب جمال من قرية المحيدثة في البقاع الغربي جارة راشيا الوادي ..منزل من طابقين مبني من الحجر الابيض والاسود والطابق الارضي مصمم على شكل عقد متماسك وقناطر مميزة .
نجيب جمال كان من وجهاء منطقة وادي التيم ، قصده الناس سابقاً لحل مشاكلهم والاخذ بنصيحته عن كل شاردة وواردة ، صادقه الزعماء والرؤساء فكان منزله محجة لهم عند مرورهم بالمنطقة ،وكان من اصدقاءه الرئيس الفرنسي شارل ديغول يوم كان ظابطاً في الجيش الفرنسي في لبنان والذي نزل ضيفاً عنده لعدة ايام وما يزال سريره الخاص محفوظاً ومعروضاً في المنزل حتى اليوم .
تحتار العين من أين تبداء بالاستكشاف .. جدران مليئة بكل ما استخدمه الاباء والاجداد في حياتهم اليومية وحروبهم
اسلحة قديمة تركية وفرنسية وانكليزية والمانية وسجاد نادر من ايران والقوقاز وتماثيل برونزية وكمية من السبحات النادرة والاقلام المذهبة والقداحات والادوات المنزلية من مكاوي وطناجر نحاسية ومحامص القهوة والملاعق والصحون النحاسية وصناديق الثياب التي كانت تستعمل بدل عن الخزائن التي نستعملها في ايامنا هذه ..وخزنة حديدة عمرها اكثر من مئة عام اتت هدية من مارسيليا لصاحب المنزل الذي كان معروفاً بثراءه في تلك الايام . وواجهات زجاجية وخشبية ملأى بالعملات القديمة والكاميرات والاختام التركية لمخاتير منطقة راشيا …
الحديث يطول عن تاريخ البيت وموجوداته مع ساكنه فاروق جمال الذي حافظ على موجوداته وتابع البحث عن كل ما هو قديم واثري في ارجاء الوطن العربي .. فما ان يصل الى مسعمه عن مزاد علني حتى يزوره ويقتنص منه الغالي والثمين .. فهو اشترى طاولة خالد العظم رئيس وزراء سوريا الاسبق ومازال حتى اليوم يشتري كل يقع بين يديه من الاشياء القديمة ويضيفها الى مجموعته الكبيرة ،
للوثائق والمراسلات حصة كبيرة ومنها مراسلات من الست نظيرة جنبلاط ووثائق عثمانية عن بيع ورهن الاراضي في منطقة راشيا ، جميعها محفوظة في خزنة حديدية كبيرة … وفي احدى الزوايا تشمخ نارجيلة ضخمة عمرها ما يقارب المئة عام وطول نبريشها حوالي عشرة امتار وهذا دليل على ابهة مالكها في تلك الايام وهي هدية من احد وجهاء الشام .
وتماثيل نصفيه عديدة منها للرئيس جمال عبد الناصر هديه منه لصاحب الدار ، ورأس بوذا وتماثيل برونزية لابطال تاريخيين صنعت لتخليد انتصاراتهم
ومن الموجودات سبحة احمد باشا الجزار وغليون تشرشل وولاعة عبد الحميد السراج وابريق شاي من البورسلان شرب منه الجنرال ديغول خلال اقامته في المنزل .
وان تنظر لأعلى فجدران المنزل مزينة بالسيوف النادرة العربية منها والغربية استعملت في الحروب الغابرة ودروع حديدة واحذية وكفوف حديدية كان يرتديها الفرسان حماية من ضربات السيوف … وجلود افاعي ضخمة وضباع وقرون حيوان الرنّة
وفي صدر المنزل ترتاح عباءة سلطان باشا الاطرش
التي اهداها الى مجيد جمال بعد عودته من اللجؤ السياسي في الاردن .
ويروي لنا فاروق جمال صاحب المنزل في هذه الايام قصة ديغول بتفاصيلها والتي تعود للعام 1920 حين كان يقود حملة عسكرية في وادي التيم وكان مقيماً في قلعة راشيا ولبى دعوة نجيب جمال للغداء في منزله مع 300 ظابط وعسكري مرافق واستقدم صاحب المنزل سريراً حديدياً من بيروت خصيصاً للضيف الذي نزل في منزل مضيوفه لعدة ايام وما زالت غرفته وسريره محفوظين بعناية حتى اليوم ..
وكان لجمال باشا الجزار(1859 ) زيارة للمنزل وصاحبه اثناء مروره في المنطقة وبات ليلتين في المنزل وترك سبحته الخاصة هدية لصاحب الدار ما زالت محفوظة بعناية جيدة .
اما في العصر الحديث فكثير من السياسيين زارو المنزل من كمال جنبلاط والامير مجيد ارسلان وصائب بك سلام والرؤساء احمد الاسعد وصبري حمادة وعادل عسيران ..
ان الزائر لهذا المنزل لا يمكن الا ان يذهل لكمية المحفوظات والتحف الموجودة فيه والتي لكل منها قصة اثرت في التاريخ .. فهل تعي الدولة ووزارة الثقافة قيمة موجوداته وتبرزها كما تستحق او تبقى معلقة على جدران منزل مغمور في زوايا الوطن