رؤية إسرائيلية: بن سلمان متسرع وعديم التفكير وحطّم كل شيء دفعة واحدة
مناطق نت
ولو أن التطورات الأخيرة، توحي بالذهاب إلى لفلفة لقضية جمال خاشقجي باعتماد مقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “القتلة المارقين”، والتي رأى فيها المراقبون على انها وسيلة للتستر على كان على علم ودراية باحتجاز خاشقجي وهو من أعطى الأوامر بتصفيته، إلا أن التداعيات السياسية لهذه القضية لا يمكن إيقافها أو التحكم باتجاهاتها بمجرد ختم التحقيقات الأمنية والقضائية سواء في الرياض او أنقرة.
تُثير القراءات الإسرائيلية لتطورات قضية خاشقجي، حشرية المتابعين والمراقبين، باعتبار أن تل أبيب هي على تماس مع النتائج السياسية المترتبة عنها، لتورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بها، الذي تتقاطع معه في الموقف المتشدد من إيران من جهة، وليونته السياسية تجاه صفقة القرن والسياسات الإسرائيلية بشكل عام.
مقالة البروفسور إيال زيسر (الذي يدرّس في جامعة تل أبيب) في صحيفة مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي (يسرائيل هيوم)، تلقي الأضواء على الرؤية الإسرائيلية تجاه قضية خاشقجي والتبعات الناجمة عنها على أكثر من صعيد.
وفي هذه المقالة، رأى زيسر، أنّ عملية “اغتيال” الإعلاميّ السعوديّ، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول في تركيّا، جعلت من المملكة العربيّة السعوديّة بمثابة “الولد الشرّير” في منطقة الشرق الأوسط، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ هذا الأمر سبب خيبة أملٍ من وليّ العهد السعوديّ، الأمير محمد بن سلمان، في كلٍّ من واشنطن وتل أبيب، على حدّ تعبيره.
واعتبر أن ما حدث قد أدى إلى انقلاب كبير في الحسابات، فقال: “إنّه قبل عدّة أسابيع فقط، كان يُعتقَد أنّ علاقات تركيا والولايات المتحدّة الأمريكيّة توشِك على الانهيار، إثر العقوبات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، ردًا على اعتقال القس الأمريكيّ، أندرو برونسون، طبقًا لأقواله”.
وإلى هذا الرهان، كان هناك رهان آخر باعتقاد زيسر، وهو أنه ” كان يُعتقَد أنّ المملكة السعوديّة ستتحوّل إلى دولة المحور الذي تُقيم إدارة ترامب على أساسه سياساتها الإقليمية”، وإذ بالأمور تنقلب، فعلى قوله: “في الأيام الأخيرة تبينّ أنّ تركيا عادت لأمريكا، بينما دخلت السعودية إلى مسار الصدام مع الرئيس الأمريكيّ، ومردّ ذلك قتل السعوديين للصحافيّ خاشقجي في مبنى قنصليتهم في إسطنبول وإخفائهم جثته، وسط مطالب دوليّةٍ وأمريكيّةٍ بتوضيح ما حدث”.
ومع أن زيسر يحمل الكثير من المأخذ على أردوغان لجهة تهجمه “على نظرائه” وخلق التوترات، لكن لا ينكر أن الرئيس التركي “يعرف متى يضبط نفسه تحت سقوف السياسة الدولية” لديه خطوط حمراء، وهكذا حرّرّت تركيا القس الأمريكيّ، موضوع الخلاف مع واشنطن، ويبدو أنّ خلافها الموسميّ مع إسرائيل هو الآخر يوشك على الانتهاء، طبقًا لكلامه”.
وبخلاف تقييمه لأردوغان، يستهجن البروفسور الإسرائيلي الخطوات الطائشة لبن سلمان، ويقول “أنّ مَنْ فاجأ الكثيرين في الغرب كان بالذات وليّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان، الذي تورّط حتى الرقبة في قتل خاشقجي في تركيا، مُضيفًا في الوقت عينه أنّ القضية حطمّت دفعةً واحدةً صورة الزعيم التقدميّ المُتنوِر التي صورّها لنفسه، وطرحت علامات استفهام ثقيلة حول فكر ومدى تطوّر هذا الشخص الذي يتصدر المملكة السعوديّة في هذه الفترة”.
في المقالة لا يوضح زيسر ما إذا كان بن سلمان هو الذي خدع الغرب أم أن الغرب كان ساذجا في عقده الآمل الكبيرة على الأمير الشاب، ويشرح قائلا “منذ شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي ، وبعد تعيين الملك سلمان، نجله محمد وليًا للعهد، أصبح الأمل الأكبر للسعودية، وحدّدّه الغرب كَمَنْ يقود المملكة من العصور الوسطى إلى القرن الواحد والعشرين، وكانت بدايته واعدة، بحسب المُستشرِق الإسرائيليّ”.
وأضاف “أنّ الأمير بن سلمان عرض رؤيا وخطة عمل لتحويل السعودية إلى مملكةٍ حديثةٍ، وانتهج سلسلةً طويلةً من الإصلاحات، بل وأزاح القيود العديدة التي كانت مفروضة على المرأة السعوديّة، كما وقف كزعيمٍ حازمٍ في مواجهة إيران، وفي المُقابِل، أبدى بن سلمان اعتدالاً مفاجئًا فيما يتعلّق بإسرائيل”.
ويشكك المُستشرِق الإسرائيلي بالقدرات الذاتية لبن سلمان ويتهمه ضمنا بالطيش والتهور، ويوضح “إنّ النضج والتجربة لا يُكتسبان إلّا عن طريق الآلام، وأكثر من مرّةٍ تبينّ أنّ ولي العهد مُتسّرع وعديم التفكر، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنّه خرج لصراعٍ مع إيران في اليمن، الأمر الذي أدّى لإغراق المملكة السعوديّة في حربٍ طاحنةٍ وباهظة الثمن لا يرى أحد نهايتها. ويتذّكر الجميع أيضًا، اختطاف رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، الذي حرر في النهاية وأعيد إلى بيروت، وحاليًا برزت قضية تصفية خاشقجي في إسطنبول”.
وإذ يعتبر زيسر أنّ تصفية المُعارِضين أمر عادي في دولٍ عديدةٍ في المنطقة، بلْ وخارجها، ويختفي فيها أوْ يموت في ظروفٍ غريبةٍ صحافيون وباقي منتقدي النظام، غير أنه لا يبرر لبن سلمان انسياقه إلى مثل الأعذار، ويقول “أنّ هذا السلوك هو بمثابة لعب بالنار، فَمَنْ يزعم الانتماء للعالم المتنوّر، يجب أنْ يلتزِمَ بقسمٍ من قواعد اللعبة ومن عالم القيم الغربيّة”، مُعتبرًا “أنّ الأهّم من ذلك، عليه أنْ توّخي الحذر الزائد، وهذا ما لم يحصل في القنصلية في إسطنبول، ونجد الآن أنّ السعوديين مطالبين بدفع كامل الثمن مُقابِل جرائمهم”.
توقع زيسر أن يصار إلى صياغة حلول لقضية خاشقجي تعترف بموجبها السعودية بتصفية هذا الصحفي، “ولكن سيزعمون بأنّها مبادرة من المستويات الصغرى، التي سيلتزمون بمعاقبتها وفق القانون”، لكن يؤكد بأن ذلك، لم يشطب المرارة والخيبة لدى حلفاء الرياض من تصرف بن سلمان “إنّ حلفاء المملكة ومُحبّي خيرها، بمن فيهم واشنطن وتل أبيب، توقّعوا من وليّ العهد أكثر من ذلك، لكنّ أملهم خاب هذا الأسبوع، على حدّ تعبيره”.