تنمية مخيّلة الطفل عبر القراءة واللعب

د. انطوان الشرتوني | الجمهورية

يتعلّم الطفل كثيراً من الخصال، أكانت جيدة أو سيّئة، من خلال تقليد والديه والمقرّبين منه. ومن الخصال الجيّدة القراءة وحبّ المطالعة. فالطفل ولدى مشاهدته منذ صغره، والديه يقرآن كل يوم، سيتلقّن هذه «الخصلة» الإيجابية وسيصبح قارئاً نهماً بامتياز. ولكن لا يمكن تعزيز القراءة عند الصغير فقط من خلال مشاهدة الآخرين وتقليدهم، بل يجب وضع الكتاب إلى جانبه دائماً وإحاطته بالمجلات والقصص الجميلة التي تجذب القارئ الصغير ما يساعده في اكتساب «حبّ المطالعة». ولكن ما علاقة «المخيّلة» بالقراءة عند الأطفال؟ وكيف يمكن للأهل أن ينمّوا هذه المخيلة عند أطفالهم؟ وما هو دورها في حياتهم اليومية؟

يبدأ الطفل عند عمر السنتين تقريباً بطلب سرد القصص له. وتلعب هذه القصص دوراً بارزاً في تنمية مخيّلته حيث سيتخيّل نفسه جزءاً من القصّة ويعيش تجارب جديدة لم يعشها من قبل أو تجارب يريد أن يعيشها عبر أحداث القصة. فهذه العملية الفكرية، أي الإنتقال مع القصة وأحداثها، تحدث من خلال المخيّلة التي تنمو من دون توقف عند الطفل.

المخيّلة وأهمّيتها في حياة أطفالنا

خلال سرد الأهل قصة لطفلهم، يعيش هذا الطفل أحداث القصة ويصبح «بطلها». كما يختبر تجارب جديدة تنمّي مخيّلته وحسّه الإدراكي. وطبعاً هناك اختلافٌ جذريّ ما بين الطفل الذي يشاهد التلفاز وطفل آخر يلعب فقط بالألعاب الإلكترونية وطفل تُسرَد له كل يوم القصص.

إذ تختلف مخيّلة كل واحد منهم ونموّها عن الآخر. فنرى أنّ الأطفال الذين يشاهدون التلفاز ساعات وساعات، يكونون محدودي المخيّلة، أو على الأقل، أقلّ تخيّلاً من الأطفال الذين ينتظرون كل ليلة موعد «قراءة قصة» على لسان أهلهم، موعد ينمّي بينهم أيضاً علاقة وطيدة وأساسية لحياتهم.

أمّا بالنسبة للطفل الذي يستعمل طول الوقت هاتف أهله للألعاب الإلكترونية أو الـiPad للغرض نفسه، فيكون صعبَ المراس وعنيداً ولا يتمتّع بمخيّلة واسعة بل يُظهر عدوانية مفرطة مقلّداً أبطال الألعاب الإلكترونية.

لذا تُعتبر القصّة مهمّة لأنّها تدفع الطفل للتفاعل مع أحداثها ولتخيّل شخصيّاتها وطريقة حلّ المشكلات بمنطق وسلاسة. فهي تحمل الطفل إلى عالم الخيال ومفعولها ليس موقتاً بل يستمرّ لسنين كثيرة. فكم منّا، ما زال يتأثّر بقصّة قرأها خلال طفولته وما زال يحبّها لأنّها تعيده إلى زمن الطفولة الخالي من الهموم.

ولا يمكن أن ننكر أهمّية اللعب في تنمية مخيّلة الطفل الذي يتعلّم الكثير من الأمور مثل التحكّم بالأشياء الملموسة الموجودة في العالم الخارجي. كما يساعد اللعب الطفل في فهم الأفكار والتصرّفات الناتجة عن سلوك معيّن.

فمثلاً، يفهم الطفل أنّه من المهم أحياناً مواجهة الشرّ بأفعال الخير، أو مواجهة طفل «شرّير» بطلب منه بحزم التوقف عن المضايقة أو حتى تعلّم الدفاع عن النفس وتهدئة الذات وغيرها من الأمور الحياتية التي يواجهها الطفل. وطبعاً يساعد اللعب في اكتشاف العالم الذي يحيط بالطفل الصغير.

القصّة والمخيّلة

تبقى أحداث القصة التي يسردها الأهل لطفلهم أو يقرأها الطفل بنفسه، مرسّخة في ذهن الطفل. فيكون قد تأثّر مباشرة أو غير مباشرة بأحداثها التي تردّ على حاجاته اليومية أو قلق يعيشه الطفل.

ولكن ليست هذه الأسباب الوحيدة لترسيخ القصة في ذهن الأطفال بل هناك أيضاً أسباب أخرى أهمّها أنّ القراءة تتطلّب من الطفل جهداً ليفهم ويتخيّل أحداثها.

وعندما يعتاد القارئ الصغير على تلك العملية الفكرية، تصبح عنده عادة يومية أساسية. فعندما يقرأ الطفل قصة مثلاً، يستعمل مخزونه الصوَري في ذاكرته ويخلق صوراً مناسبة لكلمات القصّة وأبطالها وأحداثها. كما يدمج أحاسيسه ومشاعره فتصبح القصة التي يقرأها مطبوعة في مخيّلته.

مساعدة الأهل في تنمية مخيّلة طفلهم

تتعدّد الخطوات التي يمكن أن يقوم بها الأهل لتنمية مخيّلة أطفالهم من خلال القراءة واللعب. وأهمّها:

1 – عندما يكون الطفل مستغرقاً في خياله ويلعب بألعابه ويتكلّم معها، لا يجب أن يخاف الأهل لأنّ ولدهم مستسلم لخياله. ولا يجب أبداً مقاطعته ولا حتى طرح الاسئلة عليه، بل يمكن مراقبته فقط وطرح الأسئلة عليه بعد انتهاء وقت اللعب.

2 – يجب تخصيص مكان مناسب للطفل لكي يلعب بألعابه أو يمارس اللعب الخيالي من خلال جعل الحيوانات البلاستيكية أو الدمى المتحرّكة تتكلّم وتتحاور.

3 – تشجيع الطفل على قراءة القصص كلّ ليلة وبدون إنقطاع. كما يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم إذا كان في طور تعلّم الأحرف والقراءة.

4 – يمكن تنظيم نشاطات خيالية للأطفال، في المدرسة أو حتى في البيت، حيث تستعمل المربية أو الأم الأقلام والأوراق البيضاء والصور الملوّنة ليقصّها الأطفال ويصنعوا لوحة تتعلّق بموضوع معيّن… فهناك آلاف النشاطات الفنّية التي يمكن تطبيقها مع الأطفال.

5 – تشجيع الطفل على تمثيل القصّة التي قرأها أو التي سمعها. ويمكن للأهل مساعدته في التمثيل ولعب دور معيّن.

6 – يجب على الأهل تخفيف ساعات مشاهدة التلفاز واستبدالها بساعة قراءة ولعب ونشاطات جسدية أو ثقافية.

7 – إصطحاب الطفل منذ صغره إلى المتاحف ودور السينما والأماكن الثقافية والإستماع إلى الحفلات الموسيقية الكلاسيكية. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!