إسرائيل غير جاهزة: لا حرب جديدة على لبنان قبل..
تحت عنوان اوساط ديبلوماسية فرنسية: نتنياهو لم يحظَ بغطاء دولي لضرب لبنانوتهديداته لا تُخيف “حزب الله”، كتبت دوللي بشعلاني في صحيفة “الديار”: تحرّكت الديبلوماسية اللبنانية أمس بعد أيّام من تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية الـ 73 وأظهر خلالها صوراً عن وجود 3 مواقع لمصانع لـ “حزب الله” لتحويل الصواريخ العادية الى دقيقة أو ذكية على بعد 500 متر من مطار بيروت الدولي، وذلك بهدف حماية لبنان، والكشف أمام السفراء الذين دعتهم الى وزارة الخارجية والمغتربين للاستماع الى ردّها على ادعاءات نتنياهو “الكاذبة”، على ما وصفها الوزير جبران باسيل.
وشهدت الخارجية تظاهرة ديبلوماسية حاشدة خلال المؤتمر الذي عقده باسيل، ضمّت 73 سفيراً وقنصلاً وقائماً بالأعمال وممثل دولة ومنظمة دولية في لبنان، في غياب واضح للسفارة الأميركية في بيروت. وتبعت المؤتمر جولة ميدانية للديبلوماسيين الحاضرين شملت أحد المواقع التي ادّعى نتنياهو وجودها في محيط مطار بيروت وملعب العهد، ما يدفع الجانب الإسرائيلي الى شنّ ضربة جديدة على لبنان بهدف إزالة هذه المواقع العسكرية، من وجهة نظره. وجاء ردّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على كلام باسيل أمام السفراء المعتمدين في لبنان بالقول إنّ “من يخبىء شيئاً يأخذ 3 أيام لذلك”، في إشارة الى أنّ الحزب تمكّن من نقل هذه المصانع خلال الأيام الماضية.
أوساط ديبلوماسية فرنسية توقّفت عند تهديدات نتنياهو الأخيرة المباشرة للبنان، مشيرة الى أنّها خطرة وإن لم تكن جديدة على إسرائيل التي تُهدّد لبنانباستمرار منذ حرب تمّوز 2006 بشنّ حرب جديدة عليه. غير أنّ خطورة ما قام به تكمن في أنّه أثار أمام المجتمع الدولي مسألة امتلاك “حزب الله” لهذه القواعد العسكرية وادّعى وجودها، مشيراً الى أنّها تُهدّد أمن إسرائيل بهدف تأمين غطاء دولي لأي اعتداء عسكري مستقبلي على لبنان. وقد أبدى ديبلوماسيون شاركوا في لقاء الخارجية تحفّظاً على ادعاءات نتنياهو كون إسرائيل لا تُطبّق قرارات الأمم المتحدة منذ زمن طويل، كما على حقّ لبنان في حماية نفسه من أي توتّر أمني مستقبلي. فالاستقرار الداخلي اللبناني هو ما تريده دول العالم كونه ينعكس على استقرار دول المنطقة، ولا مجال اليوم لتوتير المنطقة أكثر، في ظلّ عدم إيجاد الحلّ السياسي للأزمة السورية بعد.
أمّا التهديدات الإسرائيلية فيتحسّب منها “حزب الله”، على ما أضافت الأوساط، منذ الحرب الأخيرة وقد جاء الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله أخيراً على ذكرها في أحد خطاباته عندما قال أنّ إسرائيل تنتقده وتقول إنّه يعيش في الملجأ وما الى ذلك. وقد عرف كيف يردّ على انتقاداتها بالقول إنّ لديه صواريخ دقيقة وغير دقيقة، ما جعل الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو وصوراً لما ادّعى أنّها “مواقع بناء صواريخ لـ “حزب الله” في لبنان، وجرى توزيعها بعد دقائق من قول نتنياهو أمام الجمعية العامة أنّ “إسرائيل لديها أدلّة على أنّ إيرانتُساعد “حزب الله” على جعل صواريخه دقيقة التوجيه، وذلك بهدف تأليب دول العالم على إيران، غير أنّه لم ينجح، وخصوصاً أنّ الدول الأوروبية توافقت على الالتفاف على العقوبات الأميركية المشدّدة على طهران.
وإذ دعا نتنياهو دول العالم الى التصدّي للنظام الإيراني باعتباره يُهدّد العالم بأجمعه، من وجهة نظره، شدّدت الاوساط الديبلوماسية اللبنانية على أنّ وجود إسرائيل هو الذي يُهدّد كلّ دول منطقة الشرق الأوسط من لبنان الى سوريا والعراق والأردن وسواها. أمّا الجانب الإسرائيلي فيسعى من خلال إدّعاءات نتنياهو في نيويورك، من على أعلى منبر دولي، الى خلق الذرائع لتبرير أي إعتداء مقبل على لبنان، وكأنّه يأخذ موافقة جميع الدول الأعضاء على القيام به. غير أنّ هذا لا يعني حصوله على الغطاء الدولي، الذي سعى اليه لضرب لبنان أو الإعتداء على “حزب الله” فيه.
كما أنّ ردّ أدرعي على كلام باسيل كان متوقّعاً، على ما أشارت الأوساط نفسها، لأنّ الجانب الإسرائيلي يعرف كيف يموّه الحقائق، إذ كان معروفاً أنّه سيدّعي إزالة المخازن التي تحدّث عن وجودها أمام المجتمع الدولي، فور ردّ الخارجية اللبنانية على ادّعاءات نتنياهو. في المقابل، أكّدت أنّ إسرائيل لا تزال غير جاهزة لشنّ حرب جديدة على لبنان في المرحلة الراهنة. كما أنّها متأكّدة من أنّ قوّة “حزب الله” قد تضاعفت في السنوات الأخيرة، وهي تخشى من قوة إيران وإلاّ لما عرضت لما تعتقد بأنّها تملكه (أي المخزن السرّي للأسلحة النووية) أمام الأمم المتحدة لتبرير شنّها حربها المستقبلية على لبنان..
ولأنّ الحملة ضدّ إيران و”حزب الله” لم تنته بعد من قبل الجانب الإسرائيلي، فإنّه سيكون على لبنان الحذر من إسرائيل واستفزازاتها، على ما أكّدت الأوساط نفسها، كونها الوحيدة التي تمتلك برنامجاً سريّاً للأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، ما يعرّض جميع الدول المحيطة للخطر الفعلي. فوجود إسرائيلفي المنطقة هو السبب الرئيسي في حالة عدم استقرار الدول المحيطة، ولا يُمكنها بالتالي البقاء في هذه الحال من التوتّر. علماً أنّها لا تملك حتى الساعة، أي حلّ للصواريخ الدقيقة التي يملكها “حزب الله” سوى القنابل النووية التي لا يُمكنها بالتالي استخدامها بشكلها الواسع كونها تبيد الجميع، ولأنّ إيرانستكون جاهزة عندها للردّ عليها في حال استعملتها (وهذا الأمر ليس وارداً حالياً) ما يُدخل دول العالم في حرب عالمية ثالثة. ولعلّ هذا ما تُحاول جميع الدول استبعاده لأنّه يؤدّي في نهاية الأمر الى وضع حدّ لنهايتها من الوجود وبيدها.
في الوقت نفسه، إذا قرّرت إسرائيل شنّ الحرب على “حزب الله” أو على لبنان في المستقبل القريب بعد إنهاء حساباتها واعتقادها أنّها ستنتصر فيها، فسيكون عليها مواجهة مواطنيها الذين يرفضون تحمّل أعباء الحرب من جديد، والإحتماء منها في الملاجىء، وكلّ ما يترتّب عليها من تقييد لحريتهم وتغيير في قواعد حياتهم، فضلاً عن تعرّض أمنهم وسلامتهم للخطر. فالرفض للحرب المقبلة ضدّ لبنان، يأتي من الداخل الإسرائيلي قبل الخارج، والذي يأمل أن يعيش حياة طبيعية بعيداً عن المواجهات والعنف مع جبهة خارجية، إذ تكفيه الجبهة المفتوحة بشكل دائم مع المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المقدّسة المحتلّة، وإن كانت هذه الجبهة لا تُخيف إسرائيل، من وجهة نظرها، لعدم توازن القوى، إلاّ أنّها تُسبّب لها الضغوطات المستمرّة.
ولهذا تفترض إسرائيل أنّ “حزب الله” سيكون مطمئناً لأنّها لن تشنّ حرباً جديدة عليه، إلاّ أنّ الواقع هو عكس ذلك تماماً. فـ “حزب الله” دائم الحذر من استفزازات إسرائيل التي بدأتها في طهران، وتنتظر أن يقوم الحزب بردّ فعل عليها. لكنّ الحزب، بحسب رأي الأوساط، قد وعد بعد حرب تمّوز 2006، بعدم الإنجرار مجدّداً للإستفزاز الإسرائيلي الذي قد يجرّ لبنان الى حرب مع العدو هو بغنى عنها في المرحلة الراهنة، سيما أنّه ستكون لها تداعيات كبيرة في المنطقة ككلّ. ومن هنا، طمأنت الأوساط الى أنّ الجبهة الجنوبية للبنان ستبقى هادئة، رغم تهديد ووعيد الجانب الإسرائيلي، لأنّ الأهمّ اليوم هو إيجاد الحلّ الشامل للأزمة السورية بالنسبة لكلّ دول العالم وليس فقط للبنان ودول الجوار، ورسم السياسة الجديدة للمنطقة التي لم تستطع الولايات المتحدة وحلفاؤها تغييرها لصالحها.
أمّا الجدار الإسمنتي الفاصل على الحدود الجنوبية للبنان الذي تبنيه إسرائيل بينها وبين “حزب الله” تحت حجج واهية، فهو دليل ساطع على خشيتها من القوّات البريّة للحزب التي أظهرت قوّتها وبسالتها تجاه قوّاتها التي كانت تعتبر من الأقوى في العالم، خلال الحرب الماضية. كما أنّ توقّف إسرائيل عن تهديداتها في استكمال بناء هذا الجدار عند النقاط الخلافية على الخط الأزرق المحدّدة بينها وبين لبنان، والتي ليست الحدود الجغرافية الفعلية للبنان، لا سيما بعد علمها بأنّ الجيش اللبناني سيقف لها بالمرصاد في حال اقتربت من إحدى النقاط الـ 12 المتنازع عليها، هو دليل واضح على خشيتها من شنّ حرب جديدة على لبنان لأي سبب كان.
وبناء عليه، فإنّه لا حرب جديدة ستشنّها إسرائيل على “حزب الله” أو لبنان قبل أن تتأكّد من انتصارها فيها، ومع تسلّح الحزب اليوم بصواريخ أكثر دقّة، فإنّها ستجري حسابات أخرى قبل اتخاذها أي خطوة في هذا الإطار. لكنّ الأوساط شدّدت على انه يُمكن الوثوق بالشيطان وعدم الإطمئنان للممارسات الإسرائيلية التي هي بنهاية المطاف تسعى لاستفزاز لبنان و”حزب الله” بشكل دائم، إمّا من خلال الهجوم على الحرس في طهران، أو من خلال الخروقات الجوية والبحرية المستمرة للقرار 1701 الذي أوقف الأعمال العدائية بين الجانب الإسرائيلي ولبنان منذ العام 2006.