“إسراء لا لا تروحي”… كارثة كهربائية آتية

 

في 18 تشرين الأوّل سيعود التقنين ليضرب كسروان وأجزاء من المتن الشمالي، والسبب هو مغادرة الباخرة التركيّة “إسراء” المرفأ الذي أُنشئ في الزوق قرب المعمل الحراري.

السفينة القاطرة “قاسم” تنتظر استحقاق 18 الشهر المقبل كي تربط “إسراء” وتسحبها إمّا إلى اسطنبول أو إلى إحدى الدول التي بحاجة إلى معامل طاقة عائمة.

تزوّد “إسراء” مؤسّسة “كهرباء لبنان” بقدرة 235 ميغاوات على مدار الساعة، وتؤمّن نحو ساعتي تغذية على صعيد لبنان ككل وست ساعات تغذية لأقضية كسروان وجبيل والمتن.

فعبر البواخر ينتج لبنان 2100 ميغاوات حالياً، لكنّه بحاجة في الصيف إلى 3000 ميغاوات، ومع رحيل “إسراء” ستنخفض ساعات التغذية.

هذه الباخرة التركيّة أتت إلى لبنان لمدة 3 أشهر مجّانية بسبب طلب الدولة اللبنانيّة الدعم في الصيف.

وعلى الرغم من هذا الدعم الأمور استمرّت سيّئة جداً وستسوء أكثر في القابل من الأيّام.

مجلس الوزراء أقرّ بناء معمل في دير عمار ولكنّه لن يُنجز قبل 4 إلى 5 سنوات، وفي هذا الوقت ماذا نفعل؟ نبكي على الأطلال؟ فمن غير المقبول أنْ تبقى دولة كلبنان عاجزة عن تأمين أبسط حقوق المواطنين.

شركة “كارادينيز كارباورشيب” تنفّذ التزاماتها حرفياً مع الدولة اللبنانيّة وهي قدّمت الباخرة الحديثة لمدة 3 أشهر مجاناً، وهي لن تبقيها في لبنان لأنّها لم تناور ولم تنصب طعماً للدولة لتتركها إنّما قدّمت الدعم الذي طُلب منها، إلا أنّ الشعب أكل الطعم وبات يريد بقاء الباخرة، وتحديداً أهالي كسروان والمتن.

فما لبث الأهالي أنْ تنفسّوا الصعداء وارتاحوا من مافيات المولّدات حتى عادت عقارب الساعة إلى الوراء، وبدأت “إسراء” تستعد لفصل كابلاتها عن الشبكة ورفع المرساة والمغادرة، لأنّ الدعم المجّاني انتهى.

بواخر “كارادينيز” تعمل في إندونيسيا بقوّة 6 بواخر، وفي غانا وفي بريطانيا وغامبيا وسيراليون والسودان وزامبيا تنتشر 15 باخرة.

واللافت أنّ الباخرة بكبسة زر تصبح موصولة بالشبكة، أما في كهرباء لبنان، ولكي يتم وصل مجموعة بالشبكة تستغرق الأمور ساعات.

وبعد نقل الباخرة “إسراء” من الجيّة إلى الزوق استلزم الأمر 36 ساعة بين إبحارها ولحظة وصلها بالشبكة وتوليدها الطاقة فوراً.

منذ أيام زار مدير كهرباء سوريا ومدير كهرباء الأردن الباخرتين في الزوق، ودُهِشا من التكنولوجيا ومن طريقة العمل، واعترفا بأنّهما يعجزان عن إعطاء لبنان الكهرباء بسعر البواخر.

الأمر اللافت أنّ البواخر تعمل على الغاز، ولكنّ الدولة اللبنانيّة لا تؤمّن الغاز، مع الأسف، لأنه يحتاج إلى منشآت غير متوافرة وإلى استجرار من مصر ربّما.

وشركة “كارادينيز” أبدت إستعدادها لاستقدام الغاز وإنشاء المحطات اللازمة وعندها ستعطي الدولة سعراً أقل بـ3 سنتات للميغاوات. ولكن لا آذان صاغية للتوفير على خزينة الدولة، كون الوفر الكبير مصدره أيضاً الفرق بين سعر الغاز وسعر الفيول، وتحقيق هذا الأمر يخفّف حقاً من هدر المال العام.

معامل لبنان التابعة لكهرباء لبنان تعمل كلها على المازوت في دير عمار وصور والزوق والزهراني وبعلبك، ولا يوجد دولة في العالم تولّد الكهرباء حالياً بواسطة المازوت وتحوّلت كلّها إلى الغاز الأفضل للبيئة و”الأوفر عل جيبة”.

وعلى الرغم من أنّ المعامل التي بُنيت في الماضي كان يفترض أنْ تعمل على الغاز، إلا أنّ الغاز لم يصل من مصر لاعتبارات جيوسياسيّة، وعندها اضطرّت الدولة إلى تشغيل المعامل على المازوت وليس على الفيول، علماً أنّ طن الفيول أرخص من طن المازوت بمئتي دولار أميركي، ولكن على ما يبدو أنّ الدولة في لبنان تستسيغ هدر المليارات سنوياً.

لو شَغَّلَت الدولة معاملها على الفيول أو على الغاز منذ سنوات لكانت وفّرت على الخزينة مليارات الدولارات حقاً، فكلفة الإنتاج على المازوت اليوم تتراوح بين 13 و14 سنتاً للميغاوات في الساعة، بينما على الغاز يكلّف بين 6 و7 سنتات.

فإذا جمعنا الهدر على الخزينة منذ 20 عاماً، لكان بإمكاننا الإتيان بالغاز السائل بالبواخر وتحويله في لبنان فوراً. ولكن ما بين الهدر والدولة “حب وغرام”.

لإبقاء الباخرة “إسراء” في لبنان يجب أنْ تتحرّك الدولة وأنْ تتواصل مع الشركة وإلا سنواجه قريباً مشكلة جديدة، وتحديداً بعد 18 تشرين الأوّل.

هناك طرق عدّة يمكن اعتمادها لذلك في ظلّ حكومة تصريف الأعمال وانعدام الأفق أمام حكومة عتيدة في المدى المنظور، وإلا… سترحل “إسراء” على وقع ترداد الشعب لها أغنية “لا لا لا لا تروحي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى