أي شتاء ينتظر اللبنانيين… أهلاً بالتقنين!

كتبت صحيفة “النهار” تقول: بعد الضجة التي أثيرت الاسبوع الماضي حول عدم تمكن باخرة الطاقة المجانية “اسراء” من تنفيذ وعد وزير الطاقة بتأمين الكهرباء 24 ساعة لكسروان، يبدو ان الواقع سيكون أشد ايلاما على لبنان كله بعد اعلان مصادر مؤسسة كهرباء لبنان أن الاعتمادات المتبقية لشراء الفيول للمعامل والبواخر لن تكون كافية حتى آخر السنة، وتالياً ستكون المؤسسة مضطرة الى خفض التغذية الى أقل من 8 ساعات يومياً. توازياً، اعترض أصحاب المولدات على قرار تركيب العدادات، رافضين التزام التعرفة التوجيهية “المجحفة” وهددوا بإغراق البلاد في العتمة، فأي شتاء ينتظر اللبنانيين؟!

وإذا كانت مؤسسة كهرباء لبنان قد عزت النقص في الفيول الى الشحّ في الاعتمادات التي كان يفترض أن تقدر بـ2800 مليار ليرة ولكن أُقر منها 2100 مليار ليرة، نجدها في المقابل “تعير” كميات كبيرة من الفيول، الذي تدفع وزارة المال ثمنه، لشركة كهرباء قاديشا في ظل وضع قانوني ملتبس وعلاقة مالية غامضة لا أفق لها. ولا تقتصر فوضى الفيول في مؤسسة الكهرباء على تسليم كميات كبيرة منه إلى قاديشا على سبيل “الإعارة”، إذ تبين أيضاً انها اعتادت بيع كميات أخرى منه لمنشآت النفط لتأمين حاجة الصناعيين والسوق المحلية، وقبض ثمنه نقداً بعلم وزير الوصاية.

في ظل هذا الواقع والمستجدات لا بد من طرح السؤال عن مصادر تمويل شراء حاجة مؤسسة الكهرباء من المحروقات لزوم المعامل والبواخر، وهل يمكن فتح اعتمادات اضافية؟
يؤكد خبير مطلع على النظام المالي لمؤسسة الكهرباء وحساباتها وعلاقتها بوزارتي المال والوصاية (اي الطاقة)، أن ليس ثمة ما يجيز للمؤسسة بيع المحروقات أو إعارتها، ولا مجال نظامياً لإدخال ثمن مبيع هذه المحروقات وقيمتها في حساباتها كواردات. وأكثر يؤكد الخبير نفسه لـ”النهار” أن ليست لدى المؤسسة في الأصل قيود ومتابعة لكميات الفيول المتوافرة في مخزونها، وإلا لما كانت سرقة المازوت في دير عمار لتستمر بهذه الكميات وطوال هذه السنوات من غير أن يلاحظ المسؤولون فيها أي نقص. في حين أكدت مصادر أخرى أنه كانت لمراقبي حسابات المؤسسة ملاحظات وتحفظات جوهرية ومهمة عن جردة مخزون المؤسسة من المحروقات وغيرها من المواد. واستطراداً، فإن آلية شراء المحروقات وتمويله بمساعدة من الدولة وعلى حساب المالية العامة مرت بمراحل وتطورات عدة، إنْ من حيث طبيعة المساعدة أو طريقة دفع حصة المؤسسة منها.

ففي البدء، كانت مساعدة الدولة تعطى بموجب سلفة تسدّد قيمتها لاحقاً، ومن ثم تحولت إلى مساهمة. ثم عادت الى صيغة المساهمة في الموازنة العامة لعامي 2017 و2018. ويبدو من نص مواد قانون هاتين الموازنتين تعذّر تطبيقهما والبقاء في الواقع على الآلية عينها، خصوصاً أن شراء المحروقات لمصلحة المؤسسة يتم بموجب عقد موقع من الدولة على أن يُدفع ثمن هذه المحروقات بموجب اعتماد تفتحه وزارة المال من خلال مصرف لبنان. أما بالنسبة الى حصة المؤسسة من ثمن هذه المحروقات، فان ذلك كان يتم من خلال تفويض لسحب قيمتها من حسابها المفتوح لدى مصرف لبنان، لكنها عادت عن هذا التفويض. ومع ازدياد عجزها المالي باتت تطالب الدولة بمساهمة تُلحظ في قانون الموازنة العامة لتغطية هذا العجز من مصادره كلها. ومن هنا تتبين أسباب استحالة توفير الاعتمادات الإضافية لتغطية ثمن المحروقات اللازمة للباخرة المجانية، وكذلك لتغطية الزيادة المترتبة على ارتفاع أسعار المحروقات، والتي ناهزت الثمانين دولاراً للبرميل، فيما موازنة المؤسسة وطلب المساعدة مبنيان على سعر مقدر بـ 65 دولاراً.

ولا بد من الإشارة إلى أنه لطالما نبهت وزارة المال إدارة المؤسسة الى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للاكتفاء بالاعتمادات الملحوظة لها في الموازنة العامة، في حين كانت المؤسسة تردّ بوقف الإنتاج ما لم تتم الاستجابة لمطالبتها بزيادة المساهمة أو رفع التعرفة فوراً. ويبدو أن الرفع التدريجي للتعرفة في موازاة زيادة تدريجية في الإنتاج باتت من صلب استراتيجية وزير الطاقة خلال المرحلة المقبلة، هو ضرب من الخيال في ظل الظروف والواقع الراهن للمؤسسة.

وفي إطار الحديث عن الاعتمادات الإضافية التي تطالب مؤسسة الكهرباء بتوفيرها، لا بد من التذكير بأن قرار مجلس الإدارة المتعلق بالتمديد للبواخر القديمة واستجرار الطاقة من الباخرة المجانية، والمبني على قرار مجلس الوزراء رقم 84 تاريخ 2018/5/21، قد أشار إلى صعوبات مالية منها ما يتعلق بتحمل كلفة محروقات تشغيل الباخرة الجديدة ودفع مستحقات سابقة للشركة التركية، وبتغطية عجز المحروقات بسبب التمديد للباخرتين الحاليتين وارتفاع أسعار المحروقات وصعوبة تسديد السلفة التي ستحصل عليها للدفعة المسبقة، الا في حال التعديل الفوري لتعرفة مبيع الطاقة أو إجراء مقاصة.
بعد تسع سنين من انطلاق تنفيذ ورقة سياسة قطاع الكهرباء وفشل تنفيذها المتعدد البعد: بناء المعامل لزيادة الإنتاج، تطوير خدمة التوزيع من طريق تلزيمها للشركات، وسقوط ذريعة الاستعانة الموقتة ببواخر الطاقة، لم يعد جائزاً تكرار محاولات الوصول إلى معالجات ناجعة لمشاكل القطاع من طريق التجربة والخطأ والترقيع، وتالياً لم يعد جائزاً الاستخفاف بحقوق المرافق والمواطنين ومصالحهم، فـ”من جرّب المجرّب كان عقله مخرّباً”.

الحل يكمن في الرجوع إلى القوانين والتقيد بأحكامها ومقتضياتها، بدليل العودة أخيراً إلى تقديم اقتراح لتمديد القانون 288 القاضي بتولّي مجلس الوزراء مع وزيري الطاقة والمال تنظيم إصدار تراخيص وأذونات الإنتاج للقطاع الخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!