بين الماضي والحاضر.. “هيبة” الجيش الاسرائيلي في خبر كان
وفي 31 اذار 1976 قرر الكنيست الاسرائيلي ترسيخ مكانة الجيش وأهدافه في “قانون أساس” حيث يوضح خضوع الجيش لأوامر الحكومة والحظر على قيام قوة مسلحة بديلة له.
ولكن منذ تلك “الحقبة الذهبية” التي عاشها هذا الجيش الذي نال وقتها لقب “الجيش الذي لا يقهر”، والتي تمكن خلالها من فرض قوته وهيمنته وغطرسته، حتى أصبح الجيش الأول في الشرق الأوسط، الذي لا يستطيع أحد الوقوف في وجه مخططاته العسكرية، واستمر هذا الحال حتى ظهور المقاومة في لبنان عام 1982، والبدء بمواجهة مخططاته العسكرية والتقسيمية للمنطقة، فكانت اول نكسة له عام 2000 بعد دحره من جنوب لبنان، ومن ثم فشله في عدوان تموز عام 2006، حيث ساهم هذا الفشل في كسر هيبة “الجيش الذي لا يقهر” وبدأت قيادته السياسية والعسكرية بمراجعة دروس وعبر الحرب عبر لجنة “فينو غراد”، والتي بدورها اضأت على الثغرات العملياتية للجيش الاسرائيلي والتي أدت الى فشله على الصعيدين العسكري والأمني، وزادت حرب غزة 2008 من “الطين بلة” حيث تقهقرت صورته اكثر بعد فشله من اخضاع حركة “حماس” لضرباته العسكرية وتصفية الحركة من قطاع غزة.
وفي ظل هذا التراجع المدوي في هيبة الجيش الاسرائيلي، وفشل مخططاته العسكرية والأمنية، وتعاظم قدرة المقاومة في المنطقة، الى حد الوصول الى وضع معادلات ردع الزمته على التقيد بها لتفادي أي “خطوة ناقصة” قد تعطي المجال للمقاومة في صفعه بـ “الضربة القاضية”.
واستنادا الى ما سبق، بدأت القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية، بتفعيل الاهتمام بوضع خطط تطوير جاهزيتها في العقد الأخير، وذلك يعود للوتيرة المتسارعة التي فرضها تطور معادلات القوة بفعل تطور قدرات محور المقاومة، وتعاظم المخاوف في ضوء نتائج الحرب السورية، وهو ما رأت فيها تل أبيب تطوراً للتهديد على أمنها القومي، وتأسيساً لمزيد من التقييد لدورها الوظيفي في المنطقة.
في ظل كل هذه التغيرات التي طرأت على هيبة الجيش الاسرائيلي، والتي ساهمت بشكل مباشر في تعطيل مخططاته العسكرية والأمنية في المنطقة، تحاول القيادة السياسية والعسكرية ان تعمل على بناء هذه الهيبة مجددا، وهذا يظهر في التصريحات الاسرائيلية التي تظهر القلق الاسرائيلي من تردي هيبة جيشه، ويسعى الى إعادة فرضه كقوة جبارة قادرة على تحقيق كل أهدافها، حيث اكد رئيس اركان الجيش الاسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت ان الجيش في حالة جهوزية عالية وعلى اهبة الاستعداد لخوض حرب ولتنفيذ أي مهمة ستلقى على عاتقه، اذ أنه يتمتع بتفوق استخباري وجوي وبقدرات قتالية تختبر بشكل يومي، مع ذلك لفت إلى أن جاهزية الجيش ستظل “منقوصة دائماً” لوجود فجوات في سياق إدارة الأخطار وسلم الأولويات.
وكان وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان قد صرح هو الآخر بان الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في الشرق الأوسط، مشيرا الى أنه على قناعة بان الجيش يملك أقوى قوة عملياتية قائمة في الشرق الأوسط قادرة على المناورة ولا يمكن لأي من أعدائنا أن يقف أمامها، وهو على اتم الجهوزية.
ويظهر اهتمام المؤسسة العسكرية بصورتها ليس فقط لتبديل الصورة إزاء الداخل، وطمأنة الجمهور حول مستوى جاهزية الجيش وقدرته على توفير الأمن، بل في مواجهة أعدائها وتحديداً في ظل المحطة المفصلية التي تمر بها المنطقة والتحديات الماثلة، خصوصاً أنها ترتكز في جانب أساسي منها على قوة ردع اسرائيل المستمدة من صورتها واستعداداتها في وعي أعدائها.
وفي المحصلة فان الحقيقة التي لا يستطيع أي من صناع القرار تجاوزها هي أن اسرائيل، التي كانت تتكئ إليها الولايات المتحدة لتغيير موازين القوى الإقليمية وتعزيز نفوذها في المنطقة، باتت تحتاج إلى تدخل الأخيرة لدفع التهديد عنها، والحؤول دون مزيد من تدهور مكانتها الاستراتيجية.