لا تلعبوا بالطائف… فناره تحرق الأصابع!

اندريه قصاص

منذ أن أبصر إتفاق الطائف النور، بعدما وضع حدّا لحرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، وهو يتعّرض لشتى أنواع محاولات الإنقلاب عليه بطريقة أو بأخرى، سواء من بعض الداخل أو الخارج، في مقابل من لا يزال يتمسّك به كإطار موحِد لجميع اللبنانيين، على رغم مطالبة هذا البعض بتطبيق ما جاء في متنه، نصًّا وروحًا، قبل تعديل ما يجب تعديله من مواد تحتمل شتى أوجه التفسير والإجتهاد، وذلك من أجل قطع الطريق على محاولات الإنقلاب عليه، خصوصًا أن ثمة من يتحيّن الفرص للعب على وتر التوازنات، التي يحافظ عليها الطائف، وهي من خصائص المجتمع اللبناني بتكويناته الطائفية، التي قد تقود إلى متاهات لا يعرف أحد خطورة ما تخبئه من مفاجآت غير سارة من شأنها أن تعيد الأجواء نفسها التي كانت سائدة قبل الطائف.

 
وما لم تُلغَ الطائفية السياسية من النفوس قبل النصوص فإن أي محاولة للمساس بجوهر الطائف سيؤدي حتمًا إلى ضرب أسس العيش المشترك القائم على إحترام الخصوصيات وعدم تجاوزها تحت أي ظرف أو مسمّى، وإن كانت بعض مواد وثيقة الوفاق الوطني تحتاج إلى تعديل مدروس وغير متهور، وبخاصة تلك التي أدّت في الماضي إلى إلتباسات في التفسير والتطبيق مما خلق أجواء غير مريحة في العلاقة بين السلطات الثلاث القائمة على توازنات دقيقة وحسّاسة.
 
وما دام العمل بالطائف لا يزال ساري المفعول حتى تاريخه فإن مبدأ الفصل بين السلطات لا يزال القاعدة الأساسية، التي على أساسها يستقيم العمل السياسي في لبنان، وإن كان البعض يحاول تخطّي الخطوط الحمر المرسومة بعناية فائقة. فصلاحيات كل من الرئاسات الثلاث باقية على حالها. فرئيس الجمهورية هو رئيس البلاد الذي يقسم وحده على الدستور كالآتي: “احلف بالله العظيم اني احترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه”، وبالتالي لا يحق لأي كان إنتزاع صلاحيات الرئيس أو تجاوزها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى صلاحيات كل من رئيسي مجلس النواب والحكومة، في إطار من تكامل للأدوار، التي تبقى الأساس في ممارسة الحكم من منطلقات سليمة من شأنها أن تحافظ على الإستقرار العام في البلاد.
 
فأي كلام عن تجاوز لصلاحية أي من الرئاسات الثلاث قد يفضي إلى الإخلال بالتوزنات القائمة، التي تستجلب على البلاد مشاكل غير مضمونة النتائج من حيث نتائجها السلبية. فرئيس الجمهورية له موقعه الوطني الجامع والحاضن والموحِد، وله دوره الرائد في الحفاظ على الإنتظام العام وحسن إدارة المؤسسات. وكذلك لرئيس مجلس النواب الدور الطليعي في التشريع وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. أما رئيس الحكومة فهو رئيس السلطة التنفيذية وله صلاحيات تتجاوز بمفهومها الدستوري تفاصيل الحياة السياسية اليومية، وما فيها من محاولات “التشاطر”، التي يحلو للبعض ممارستها عن غير إدراك لما تستولده هذه الممارسات من ردات فعل طبيعية.
 
فلا يحاولن أيٌ كان اللعب بالطائف لأن ناره قد تحرق الأصابع، وهذا لسان حال من لا يزال يريد قيامة حقيقية للبلد وتخطّي أزماته وتسريع الخطوات في تشكيل حكومة تنتظرها ملفات كثيرة وملحّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!