تدمير لبنان لإزعاج إيران؟
تشهد الساحة الدولية عودة إلى نغمة “لبنان خاضع بأسره إلى سيطرة “حزب الله”، وبالتالي من الصعب التفرقة بينهما”، وباندفاعة لا بد أن تكون مُنسّقة في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، نظراً إلى سعة اطارها وتزامنها المريب. هناك اليوم كتلة تقارير عن سجون سرية لـ”حزب الله” في سوريا حيث يتعرض السجناء الى التعذيب، وعن التورط المتنوع في دعم جماعة الحوثي، علاوة على دعوات لتوسيع رقعة العقوبات الأميركية على إيران لتشمل التنظيم والاقتصاد اللبناني برمته.
إحدى مساعدات رئيس الوزراء السابق طوني بلير انضمت إلى هذه الجوقة اليمينية الأميركية-الإسرائيلية، وكتبت مقالاً نارياً في موقع شبكة “سي أن أن” الإخبارية الأميركية، عنوانه “حزب الله تنظيم ارهابي، وعلى الغرب أن يستفيق”، وفيه خرافات مثل أن الشبكة العالمية للتنظيم، والتي يتولى من خلالها تبييض الأموال وتجارة المخدرات، تدر عليه مليار دولار سنوياً. وهذه أرقام غير واقعية ولا إثبات بالحد الأدنى على صحتها.
الكاتبة عظمينة صديقي، وهي حالياً مستشارة في مؤسسة بلير، طالبت الحكومات الأوروبية بأن تحذو حذو الولايات المتحدة وهولندا في إعلان “حزب الله” بأسره تنظيماً ارهابياً، لا جناحيه العسكري والأمني فقط. لكنها أرفقت مطلبها بادعاءات من قبيل سيطرة الحزب وحلفائه على الوزارات والمؤسسات الحكومية، من دون أن يكون رسمياً في الواجهة.
وهنا لُبّ القضية، إذ أن مثل هذا الكلام بات مشروعاً سياسياً يقضي بالمساواة بين لبنان و”حزب الله”، واستهداف البلاد برمتها بحجة مكافحة الارهاب والنفوذ الإيراني. وليس هذا الاستهداف عسكرياً. ذاك أن حزمة الإجراءات المقترحة إلى الآن، تبدأ بسحب الدعم الغربي الحيوي والمجاني للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، ومن ثم فرض عقوبات قاتلة ضد هذا البلد.
واللافت أن صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية نشرت مقابلة مع مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) تامير باردو، يكشف فيها عن خطة لتدمير “حزب الله” عبر استهداف لبنان اقتصادياً من خلال الضغط على الولايات المتحدة من أجل تمرير عقوبات ضد هذا البلد بأسره. وحجة العقوبات هنا، وفقاً للخطة غير المعمول بها سابقاً، أن لبنان بات خاضعاً لسيطرة “حزب الله”، ما يقتضي معاقبة البلاد بأسرها، بصفتها حامية للتنظيم.
باردو يتحدث في المقابلة بصراحة متناهية، ويُبرر هذا العقاب الجماعي بالقول إن السُنّة والمسيحيين قد يتألمون نتيجة العقوبات على المدى القصير، لكن الألم هزيل مُقارنة بالأذى الذي قد يلحق بهم نتيجة حرب شاملة بين “حزب الله” واسرائيل. بيد أن “القدرة على الحد من تهديد حزب الله من خلال العقوبات أسهل بعشر مرات، من احتمال نجاح ذلك ضد ايران، وإذا فعلها (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب الآن، فإنها ستحمل أثراً كبيراً على الأزمة النووية الإيرانية”.
والتسلسل المنطقي هنا ساذج للغاية، وبعيد عن تعقيدات الساحة اللبنانية، لكنه فاعل. “لبنان الدولة الوحيدة في العالم حيث يملك كيان ارهابي قوة أكبر من الجيش. حزب الله هو لبنان. يجلس في البرلمان والحكومة، ويقرر في كل المسائل السياسية”، وفقاً لباردو. هناك قفزة من المقارنة العسكرية بين الحزب وبين الجيش اللبناني، إلى اعتبار الأول لبنان بأسره.
إلا أن باردو يعود ويضع النقاط على الحروف في حسابات اسرائيلية بحتة. نظرياً، بإمكان اسرائيل تدمير “حزب الله” عبر اجتياح بري يصل إلى حدود شمال لبنان. لكن هذا يعني أيضاً أن الجيش الاسرائيلي سيتكبد خسائر أفدح مما لحق به عام 2006، وأيضاً ستسقط عشرات آلاف الصواريخ على المدن والبلدات الاسرائيلية. لذا فإن الحل بسيط وسهل. إذا مررت ادارة ترامب جزءاً من عقوباتها الاقتصادية ضد ايران، على لبنان، “لن يصمد هذا البلد الصغير شهرين أو ثلاثة”! عندها بالإمكان فرض حزمة شروط على التنظيم.
وهذه وصفة أقل ما يُقال فيها إنها كارثية، إذ لن ينهض لبنان لا اقتصادياً ولا سياسياً بعد هذا التفكيك. ولا دليل على احتمالات نجاح المهمة المفترضة، بل أن جُلّ القضية أن تدمير لبنان سيكون موضع ازعاج لـ”حزب الله” وإيران في آن.
وتيرة هذا التهديد تتصاعد ولن تخفت بما أن هناك مصالح ودولاً وراءها. وفيما يحتاج هذا الوضع إلى حراك أو حتى استنفار على المستوى الرسمي اللبناني، ما زال لبنان يعيش في حالة شلل حكومية وجدل بيزنطي حول توزير أمير تنّوخي.