سحر طه يا العطر العراقي والسحر الجنوبي… وداعاً
مؤلم هذا الصباح “الغريب” في ميشغن وفي فضائه تلاشت روحك المقاومة…
موجع خبر رحيلك وقد أرخيت عذاباتك بحثاً عن سلام…
سحر طه… يا العطر العراقي الناعم والسحر اللبناني الجنوبي العذب… وداعاً..
“سحر طه، وفيك كلُّ سحر، من أصالتك، وجذورك العربية العراقية النقيّة، إلى مواهبك وهي لا تعدّ أو تحصى، إلى صوتك الذي طالما تغلغل إلى دواخلنا من دون أدنى حاجة إلى استئذان، لخاماته الشرقيّة الذهبيّة والطربيّة؛ إلى أناملك التي تطوّعُ الوترَ، لتبعث في العودِ روحَ الموسيقى وعذبَها، وترسل وقعها في الروح قبل الأذن؛ إلى ثقافتك المختلفة في أكثر من ميدان”.
حيز من كلام قيل فيها يوم تكريمها في مسقط رأس زوجها الإعلامي سعيد طه، النبطية (20 آب 2016)، تقديراً لعطائها ومقاومتها في آن… وقد أصيبت بالسرطان ثلاث مرات، المرة الأولى في سنة 2003 والثانية 2006، وشفيت منهما، أما الثالثة فكانت سنة 2011 وبقيت تعالج سنوياً بالكيموترابي إلى حين رحيلها صباح اليوم، الجمعة في 17 آب 2018 في مستشفى هنري فورد في ميشيغان، ومنه سينقل جثمانها إلى لبنان حيث توارى.
سحر طه التي توفيت صباح اليوم في مستشفى هنري فورد في ميشيغان بعد صراع مرير مع السرطان، هي من مواليد بغداد في العراق، سنة 1957، متأهلة من الإعلامي اللبناني سعيد طه، ووالدة محي الدين وهادي. وينقل جثمانها إلى لبنان لكي توارى لاحقاً.
وقد كرّمها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ونادي الشقيف في النبطية بحفل اقيم في قاعة عادل صباح في نادي الشقيف وحضره حشد من الفاعليات الثقافية والاجتماعية والنسائية.
وقد قالت فيها المربية سلمى علي أحمد:
«ها أنّ نسيم حضورك يبدّد عن أرواحنا حرّ الصيف وحَرارة الشوق، أيتها الساكنة في قلوبنا، في كلّ فصل وأصل… كيف للكلام أن يبوح بحبنا لك، وحبنا هذا يفوق كل كلام؟ كيف للدقائق أن تختصر حكاية نضالك وكفاحك وتحليقك من سماء إلى سماء، وسيرتك الحميدة الحافلة بالعطاء والإبداع تحتاج إلى كتاب تلو كتاب؟ كم تحلو الأماسي التي تبعثُ شمسُك في أصيلِها هذا الحنين منك وإليك، وكأنّ حداء أمهاتنا عاد ليبعث فينا دفء الأمان، فنترنّح على شجيه ونتوه في عالم الأحلام والسكينة…
سحر طه، يا ابنة هذه المدينة، النبطية، التي يقدّر أبناؤها عطاءك وانتماءك إليها وقد شرّفتها أينما حللت، في هذا الكون العربي والغربي، الذي حملت إليه من بلد إلى بلد، عبر صوتك وعزفك، أروع الألحان، وأنقاها وأكثرها تجذّراً بالأصالة الشرقيّة، وأجزلها ارتباطاً بقضاياها وأرضها. كيف لا، وأنت التي أنشدت فلسطين وقضية أهلها، ولبنان وفرح شعبه وهمومه، والعراق الغالي الباحث بنُوهُ عن عيش آمن واستقرار، متماهية بذلك مع مبادئك وعنفوانك والتزامك، متعالية على أوجاعك والجراح، وأنت تكافحين المرض الظالم بنضال وصبر وحمد وعزيمة وحبٍّ، وتخوضين مسيرة علاج شاقة وطويلة.
سحر طه، أهلاً بك في عرينك، وقد اشتقنا إليك كلَّ اشتياق، ويشرفنا، نحن الحضور هنا، في المجلس الثقافيّ للبنان الجنوبيّ، وفي نادي الشقيف بهيئتيه العامّة والإداريّة، وجمعيّة تقدّم المرأة، وجمعيّات النبطية وأنديتها أن نحتفي بك، وأن نتكرّم بك وأن نتسامى بإبداعك، وأن ندعوك لنفرح بك ليس بالأوسمة التي تستحقينها عن جدارة، على إبداعك المتنوع الذي يرفع كل رأس فينا، فحسب، بل بما تحميلنه من حبٍّ وصبر، ومن قلب عظيم تعالى على الألم وجراح الاغتراب والحزن على هذا النزف العربي المتنقل بين لبنان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، وهذا القهر الذي يدمي فلسطين؛ من قلب تعالى على كل الأحزان ليبعث فينا الفرح والطرب واللحن الشجي والكلمة العذبة، فكيف لنا أن نكافئك وأنت كافأت كل واحد منا بما أعطيت وأبدعت وأنتجت، وهذه ثروتنا التي لا تقدر”.
سيرة سحر طه حافلة بالعطاء والجوائز والإنتاج والكتابات الصحفية والأدبية والمؤلفات، إلى جانب شريك حياتها، ابن النبطية، الإعلامي سعيد طه.
وأريد أن أنوّه في هذا الإطار، بالبطاقة البريدية التي أصدرها في هذه المناسبة، النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات، وجمعية بيت المصوّر في لبنان، وهي تحمل صورة الطابع البريدي الذي كُرِّمت به سحر طه من الجالية اللبنانية والعربية في ميشيغان، في الولايات المتحدة الأميركية سنة 2014، ويشرفنا أن نحتفظ بهذه البطاقة التي تحمل اسمك وصورتك… أهلاً بك سحر طه بين أهلك ومحبّيك…
في هذا التكريم تحدثت (الراحلة) سحر طه عن حيز من ذاكرة شبابها حينما أتت من العراق إلى لبنان، ثم ارتبطت بسعيد طه لتنتقل وتعيش في لبنان خلال الحرب الأهلية، وتخرجها من إدارة الأعمال، ثم انتسابها إلى المعهد العالي للموسيقى في لبنان «الكونسرفاتوار» وظهورها على المسرح الغنائي بلونها العراقي الذي لاقى كل ترحيب من الجمهور اللبناني «في لبنان لم أشعر في أي لحظة بغربة، وجدت العائلة التي احتضنتني أكثر من عائلتي التي محبتها لا تقدر، ووجدت من الأقرباء والأصدقاء ومن أهل النبطية كل مساندة، منذ خطواتي الأولى التي بدأت بها في الغناء، وأعترف بالفضل الأول والأخير للجمهور اللبناني والشعب اللبناني عندما اتجهت إلى الغناء العراقي في التسعينيات والذي أقبل على الأغنية العراقية التي كنت أغنيها، وأنا ابنة بيئتي التي جعلتني أغني باللهجة الأم التي هي أكثر صدقاً. وللجمهور اللبناني كذلك فضل على مهنتي في الكتابة الصحفية والنقد الموسيقي، وأجد منه كل صدى، خصوصاً أنني لم أكن أغالي في المديح ولا في الذم. أشكر كل المحيطين، من العائلة القريبة والبعيدة ومختلف أبناء النبطية والجمهور اللبناني، وهم الذين ساندوني في محنتي بمرضي خلال 13 سنة، ولولا دعمهم واهتمامهم لكنت في حال مختلفة وربما لم أكن لأقف اليوم بينكم، وأخص بالشكر زوجي سعيد طه فهو الشريك والزوج والطبيب”.
وقد أصدر لها النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات وجمعية بيت المصور في لبنان بطاقة بريدية تقديراً لعطاءاتها.