موعد زحلة مع صبّار حاصبيا
لم يبدل الشيخ سيارته منذ ثلاثين سنة (لوسي بارسخيان)
ما أن يشارف شهر تموز على الانتهاء ويحل موسم قطاف الصبار، حتى يترقب الزحليون عودة الشيخ مهنا دربيه إلى زاويته على طلعة السنترال في زحلة. رجل سبعيني اقترنت صورته بالموقع نفسه، حتى صار عنواناً مقصوداً لصبار حاصبيا، الذي يمتد حضوره حتى نهاية شهر آب.
قد يكون دربيه الشيخ الدرزي الوحيد في زحلة الذي له صورة وذكرى بصرية حديثة في المدينة. باستثنائه يرتبط الوجود الدرزي في ذاكرة الزحليين، بقصص التاريخ وأحداث قضت على النفوذ الاقطاعي والسياسي الذي كان يتمتع به الدروز في المدينة منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى ما بعد منتصفه.
فالشيخ، كما يعرّفه الزحليون، لا يخل بموعد منذ 30 عاماً، حتى لو اختفى أحياناً خلف “البيك أب” الذي شكل رفيق دربه من حاصبيا إلى زحلة طيلة فترة تردده إليها، لا يلبث أن يطل بثيابه “التقليدية”، التي تشكل بعلامتها الفارقة عنواناً لجودة الصبار، الذي يؤكل من أرضه الرملية في عين جرفة (قضاء حاصبيا) بطعم السكر، كما يقول.
عندما يسأل الشيخ عن سر اختياره زحلة لتصريف انتاجه، وسر صموده فيها، رغم مشقة الانتقال اليومية، يقول: “زحلة الله يعمرها، كثير منيحة هي وأهلها”، مؤكداً أنه طيلة ثلاثين سنة، لم يختلف يوماً مع أي من الزحالنة. بل هم، كما يقول، “يشتهون” الصبار الذي يبيعه، وبالتالي يدفعون له السعر الذي يحدده، وهو سعر ثابت غير قابل للمساومة، فلم يأكلوا له حقاً، ولا قصر معهم بنوعية.
استأجر دربيه غرفة في زحلة، يبيت فيها بعض لياليه إذا تعذر عليه تصريف قطاف يومه في يوم واحد. حينها، تجده صامداً على أسفل الطلعة منذ ساعات النهار الأولى، ليغادر باكراً فور الانتهاء من تصريف الانتاج. وإذا تأخر عن موقعه، يدرك زبائنه أنه بات ليلته في عين جرفة، حيث يقول إنه يستيقظ باكراً، ويصطحب عدداً من عمال الأجرة إلى بستانه، لقطف الصبار طازجاً من الحقل. فيحمله وحده ويجتاز به الاقضية إلى حيث رخصة ركن البيك أب في نقطة “استراتيجية” في وسط مدينة زحلة.
لم يتبدل في “نمط” حياة الشيخ، التي تُضبط على مواقيت قطاف الصبار وتصريفه في أشهر الصيف، إلا “الظروف التي تصبح كل سنة أصعب”، كما يقول. لكن، في النتيجة “هذا رزقنا، ونستبرك به لأنه من عرق جبيننا”.
واجه دربيه أشواكاً كثيرة في حياته، غير شوك الصبار الذي يعتبره الأسهل. وبصبر تحمّل كل المشقات، حتى كبّر عائلته التي تألفت من 9 أبناء، بينهم خمس إناث. يضحك عندما يتحدث عن تزويجهن، إلى جانب أربعة شبان اختاروا الانخراط في السلك العسكري. وتجده يبتدع المبررات لهم، عندما يتحدث عن العبء الاكبر الذي يتحمله في الحفاظ على حقول الصبار، التي يعتني بها مع الكروم التي ساهمت أرباح الصبار في الحفاظ عليها.
ولأنه يسهر شخصياً على كل مراحل الانتاج، لا يقارن دربيه انتاج أرضه بأي نوع صبار آخر. وعندما يقال له إن “الانتاج المهرب” ملأ الأسواق، وبسعر مضارب، يسارع إلى الرد بحدة: “فشر يكونوا متل صبارات الشيخ”. ويشير إلى أن ما يميز انتاجه هو فلاحة حقوله مرتين سنوياً لتعطي انتاجاً أفضل، بالإضافة إلى نوعية التربة الرملية التي تترك “بورا”، أي من دون ري، لتزيد من حلاوة الثمرة ودسامتها.
يشهد الزحليون على تقدم سن الشيخ، كما سيارته، التي لم يبدلها منذ ثلاثين سنة. لكنه مع ذلك يفاجئهم بطلته من المكان نفسه في كل موسم قطاف للصبار. بعاطفة السبعيني ينظر إلى شاحنته، عندما يتحدث عنها كرفيقة عمر، مؤكداً أنه سيبقى يصلح أعطالها طالما أن فيهما قوة تسمح لهما بالانتقال من حاصبيا إلى زحلة.