200 صيدلية متّهمة بالمخالفة… الخصم ممنوع!
“ليبانون ديبايت” – كريستل خليل:
في ظل غلاء المعيشة الذي يشهده المواطن اللبناني وتراجع الوضع الاقتصادي من سيّء الى اسوء, أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني عن تخفيض سعر 779 دواء مطلع العام 2018، مشيرا الى ان مراجعة الأسعار تجري بشكل متواصل ودوري. اسس تسعير الدواء تبنى على هيكلية حسابية يتشارك لوضعها أكثر من جهة منها وزارات المال والاقتصاد والتجارة, والصناعة أضف الى نقابتي مستوردي الأدوية ومصنعيها وأصحاب المستودعات وتخضع بعدها لاستشارة مجلس شورى الدولة. وعلى الرغم من حسنات القرار الكثيرة وانعكاسها على المواطنين أثرت سلباً على أرباح الصيادلة.
صرخة اصحاب الصيدليات لم تأت من عبث, اذ وفقاً للمنطق يجب وقف الخصم الذي يمكن للصيادلة تقديمه للمريض الذي يترواح من 10 الى 20 % بعد تراجع اسعار عدد هائل من الأدوية. مع العلم ان “الخصم” بحسب القانون ممنوع على الأدوية وفقا لضرورة التزام الصيادلة بتسعيرة الدولة من دون أي زيادة أو نقص. وبعد انخفاض نسبة ربح الصيادلة, التزم معظمهم بتوقيف الحسومات على الدواء, في الوقت الذي استمرت فيه اخريات باجراء خصم بنسب عالية واستقطاب زبائن وضرب سوق صيادلة آخرين.
صاحبة احدى الصيدليات التي اعتادت اجراء خصم لزبائنها وتوقفت، كشفت عن تحرك مرتقب يقوم به عدد من اصحاب الصيادلة للاعتراض على استمرار زملائهم بعادة الخصم. ولفتت في حديثها لـ”ليبانون ديبايت” الى ان عددا من زبائنها يتهمونها بالبخل أو النصب لأنها تمنعت عن الاستمرار باجراء خصم, على عكس صيدلية أخرى، اذ قال لها أحدهم “كل عمركن تخصموا, ليش وقفتوا؟”.
المشكلة بحسب الصيدلانية هي غياب التوعية الاعلامية من قبل الجهات المعنية, التي يتوجب عليها ان تشرح للمواطن سبب تمنع الصيادلة عن الخصم، اذ من حق المواطن ان يشكك في التلاعب بالأسعار ان لم يستوضح تجميد هذا الخصم فجأة. مع التشديد على انه وفقا لما تنص عليه المادة 80 من قانون مزاولة مهنة الصيادلة بعدم الحسم, وتطبيقها يعود فقط لنقابة الصيادلة التي من حقها ان تحمي مصالحها الاقتصادية والتجارية.
وتسأل الصيدلانية “كيف يمكن لهؤلاء الذين يستمرون بالحسم بطريقة خيالية بين 15 و20 % ان يربحوا في الوقت الذي لا يتخطى ربح الصيدلاني 22.5 %؟ وحتى هذه النسبة الأخيرة تنخفض تدريجيا مع ارتفاع سعر الدواء. على سبيل المثال، اذا وصل سعر الدواء الى 100$ تصبح نسبة الربح 20 % وصولا الى 6 % ربح اضافي في حال تخطى سعر الدواء 500 $. بالتالي، تصبح امكانية الربح مستحيلة. فهل أدوية هذه الصيدليات مهرّبة ولا تخضع للرقابة أو فاسدة او هناك تفسير منطقي علينا معرفته؟”.
المسألة باتت جدية لما قد تشكله من خطورة على صحة المواطن, لذا طرحت مجموعة من الصيادلة الموضوع موجهة نداء للمعنيين بضبط ما يحصل. من هنا لفت نقيب الصيادلة في لبنان جورج صيلي في حديث لـ”ليبانون ديبايت” الى ان “هناك حوالي 200 صيدلية في لبنان بحسب المسح الشامل الذي أجريته هي نواة المشكلة وذلك بسبب خرقها لمبادئ الالتزام بالقانون والتسعيرة الرسمية”.
وأوضح صيلي ان سبب هذا الخرق لا يعني بالضرورة بيع أدوية فاسدة أو مهرّبة, بل القضية أبعد من ذلك، اذ ان هذه الصيدليات هي الكبرى في لبنان, وضخامتها لا يعتمد على ربح الذي يجنيه الدواء بل على الأرباح التي تحصدها مستحضرات التجميل والمنتوجات الغذائية وحاجيات الأطفال وغيرها التي يمكن لربحها المادي ان يتخطى 25 %. وتشكل هذه البضائع حوالي 50 % من محتويات الصيدلية.
بالتالي، لا تعتمد تلك الصيدليات على بيع الدواء وتستفيد منه فقط لاستقطاب عدد أكبر من الزبائن, ولا تخسر حتى وان وصلت نسبة الخصم فيها الى 20 %. مع الاشارة الى ان هناك بعض مستحضرات التجميل يتخطى ربحها 50% اضف الى عروضات هائلة قد تحصل عليها الصيدلية, بحسب نقيب الصيادلة. وعلّق على وضع الـ 200 صيدلية بالقول “مش مسموح يوقف شغل كل الصيدليات كرمال 200! ومثلما عملنا بالتعاون مع الجهات المعنية لتأمين العدالة بالنسبة للمواطن الزبون, سنعمل وفقا للقانون لتأمين العدالة للصيادلة”.
توقفت النقابة ووزارة الصحة عن التصرف بأساليب بوليسية مع الصيدليات المخالفة من ناحية الخصم, مثل اقفال الصيدلية أو تسطير محضر ضبط. ولجأت الى استعمال اسلوب التوعية مع الزملاء من اصحاب الصيدليات لمنع الحسومات, اذ اشار صيلي الى ان “الصيدلية ليست سوبرماركت, والخصم فيها غير منطقي، فالصيدلي يدرس 6 سنوات لا ليتاجر بالدواء بل لمساعدة المرضى وشرح كيفية استعمال الدواء وتأثيراته وتفاصيل أخرى, والّا لكنا وضعنا الأدوية في المحلات التجارية”.
وأضاف “هناك برامج تنظيمية جاهزة وضعتها نقابة الصيادلة الحالية بانتظار الاتفاق على امضائها والمباشرة بالعمل بها, من شأنها أن تنظم المهنة وتضبط بشكل كبير المخالفات الحاصلة بشكل عادل للمواطن والصيدلي”. وعن وجود أدوية فاسدة أو مهربة في السوق، لم ينكر صيلي الأمر لافتا الى انه ليس بجديد, ومعظم الحالات التي نشهدها اليوم هو تهريب ادوية من تركيا الى لبنان مجهولة المصدر, في الوقت الذي يمنع فيه الدخول الى الاراضي التركية بأكثر من علبة دواء واحدة, والجهات المعنية تعمل على الحد من هذه الظاهرة وتشديد الرقابة لتجنبها قدر الامكان.
PREVIOUS ARTICLE